جرت العادة قديما فى البرية أن يمر أخ بالرهبان المنتشرين فى كل البرية يعلمهم بموعد بدء الصوم الكبير. فمر الأخ بشيخ كبير وأخبره بذلك، فقال له الشيخ أى صوم يا ابنى؟ قال الأخ الصوم الكبير. فقال الشيخ: صدقنى يا ابنى لى هنا ثلاثة و خمسون سنة لا أدرى متى يبدأ الصوم الذى تقول لى عنه ومتى ينتهى ولكن سيرة سنينى كلها واحدة. والمقارنة واسعة والنسبة كبيرة جدا بين صوم ٥٥ يوم وصوم ٥٣ سنة وهى مقارنة كفيلة بأن تشحذ فينا الهمم والغيرة فى الحسنى لا لكى نطوى الأيام والشهور والسنين ولكن لكى لا يفوتنا من الصوم يوم واحد فهو كما يسمونه “خزين السنة”.
إن شركة الصوم لجماعة المؤمنين بقداساته التى تطول إلى أن يميل النهار تجعلنا نعيش لمحة من الخلوة على جبل الموعظة ساعة أن نسيت الجموع نداءات البطن وهى شبعانة بحلاوة لقاء عريس النفس الرب يسوع. ومع تكرار الصوم من عام لعام تصبح السنين الماضية بمثابة ذكريات العروس مع عريسها بل تظل عالقة بأذهاننا ومتغلغلة فى كياننا حتى أننا ننتظر الصوم التالى بممارساته الروحية المنعشة للنفس ونقبل عليه بشغف، يميل بنا النهار ونحن نقضى ساعاته والفكر مشغول بالسمائيات مع الرب يسوع كما كان يعلم إلى أن يميل النهار، وتشبع أرواحنا سواء من التأملات أو من الصلوات الفردية أو القداسات والتناول، وبشكر نأخذ طعامنا بابتهاج وبساطة قلب.
يا رب ليكن صومنا هو شبع بشخصك لا جوع للمأكولات، وعذوبة للمشاعر لا حرماناً من الملذات، وعناقا لشخصك لا انقطاعاً عن العلاقات، “قدسوا صوماً نادوا باعتكاف اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعى الثدى ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار” ( يوئيل ١٥:٢) ساعتها نستطيع ان نقول حقا لقد بدأ الصوم، ونستطيع أن نتهلل مع عروس النشيد “تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقى” (نش ٣:٢).