مدخل دراسي للإنجيل
رسائل بولس الرسول
بولس الرسول…الكارز العملاق
1-السمات العامة لرسائل بولس الرسول
أولا:كتب رسائله وقرئت في الكنيسة قبل كتابة الأناجيل بعشرات السنين إذ كانت يد بولس الرسول هيأول يد تكتب عن المسيح ولذلك فرسائله هي أقدم وثائق مكتوبة عن مسيحنا.
ثانيا:تشكل رسائله أكثر من نصف أسفار العهد الجديد وهي مرتبة بحسب طولها لا تاريخها ورسائل الكنائس تسبق رسائل الأشخاص.
ثالثا:يعتبر حدث طريق دمشق هو مفتاح كل شخصيته وحياته وفكره وكتاباته:وقد سجل هذا الحدث ثلاثة مرات في سفر أعمال الرسل(أع9, 22, 26).
رابعا:رسائله جزء من شخصيته:وقد استحوذ عليه روح الخلاص وتحرر عقول وقلوب وأرواح الناس جميعا ولذا نراه غالبا مايبدأ رسائله بنعمة الله التي تقدم الخلاص والفداء للعالم أجمع.
خامسا:أسلوبه الإنساني رفيع ولغته غنية بالروح وبالعمل معا:مما يجعله يحتل قمة الفلسفة واللاهوت معا في امتزاج روحي أصيل وعميق.
سادسا:كانت رسائله تتبادلها كنائس كثيرة(كو4:16) ونعلم منها أن بعض رسائله ربما ضاعت أو فقدت لأسباب عديدة(1كو5:9) (2كو2:3) وكان يري أن رسائله ثقيلة وقوية(2كو10:10).
سابعا:جميع كنائس العالم اليوم تتداول رسائله وهي تحتل جزءا أساسيا في العبادة الليتورجية (البولس في كل قداس علي سبيل المثال).
يعتبر القديس بولس بحق أكثر من تعب من الرسل(1كو15:10) وليس فقط في أعمال الكرازة,بل وفيما خلفه للكنيسة من ثروة عظيمة قوامها الأربعة عشر رسالة التي تحمل اسمه…وقد وجه بولس بعض رسائله إلي الكنائس التي أسسها,والبعض الآخر إلي أشخاص…كتب بعضا في جولاته الكرازية والبعض الآخر كتبه وهو أسير ومع ذلك يفوح منها عبق الإيمان والرجاء والفرح…وآخر رسائله التي كتبها في الأسر أيضا(تيموثاوس الثانية) ويختمها بصيحة الانتصار حينما كان يسكب سكيبا ووقت انحلاله يقترب(2تي4:6).
2-الخلفيات الرئيسية التي تقف وراء كتابة رسائله
أولا:المخلفيات اليهودية الفريسية:
كان متعصبا لبني جنسه,ضيق الفكر,غيور علي تقليدات آبائه في حرفية قاتلة,ولكن بعد حادث طريق دمشق تغير جذريا إذ صارت له النظرة الروحية العميقة للنبوات والأحداث التاريخ ولذا نراه:
1-يقدم مفاهيم جديدة للعهد الجديد:
فمثلا:في حبقوق2:4البار بإيمانه يحيا فسر ذلك بولس علي ضوء الصليب أن المؤمن-يهوديا كان أم أمميا-ينعم بالحياة الأبدية خلال بر الله بثبوته في المسيح يسوع البار(رو1:17) أما الناموس فيعجز أن يبرر أحد (غلا3:11).
أمثلة أخري:قابل بين(تك12:7), (غلا3:16).
(خر34:34), (2كو3:14).
2-يقدم مفهوما رمزيا للعهد القديم;
فمثلا رأي ابني إبراهيم-إسحق وإسماعيل-رمزا للذين يولدون حسب الجسد وحسب الروح….فصار هناك أولاد الحرة(أولاد الموعد) وأولاد الجارية(غلا4:12-23).
أمثلة أخري: الصخرة التي تابعت إسرائيل في البرية إشارة للمسيح(1كو10:4) لقاء إبراهيم مع ملكي صادق بعد موقعة كدرلعومر(تك14:17,عب7), يوم الكفارة العظيم مثال ورمز ليوم الفداء بالصليب(لا16),
3-يعتبر الناموس ممهدا للعهد الجديد:
فقد اعتبر أن ما تعلمه كيهودي فريسي ليس خسارة ولا مجهودا ضائعا بل خطوة في طريق الالتقاء بالمسيا كلمة الله المتجسد(غلا3:24) أي أن الناموس كان خادما وممهدا للعهد الجديد.
4-طالب الأمم بعدم الحاجة إلي التهود:
لقد انبري يدافع كرسول للأمم عن عدم حاجة المتنصرين حديثا من الاحتفاظ بشرائع العهد القديم وطقوس من ختان وتطهيرات وغسلات…إلخ وقد عالج هذا الموضوع بفيض كما في المجمع الرسولي الأول بأورشليم مؤكدا أن لايثقل علي الراجعين إلي الله من الأمم(أع15:19).
ثانيا:الخلفية اليونانية الهيلينية:
لقد نشأ الرسول بولس في طرسوس التي كانت مركزا رئيسيا للفكر اليوناني منافسا لأثينا والإسكندرية كما كانت مسقط رأس بعض قادة الفلسفة الرواقية التي كانت أشبه بديانة شعبية هدفها بث روح الهدوء والسلام داخل النفوس تحت إعلان مبادئ القدر والعناية الإلهية والمساواة بين الجميع كما تنادي بالضرورة والجبر وفناء النفوس بعد الموت وجواز الانتحار…إلخ لقد كانت غايتها هو الحياة الزمنية فقط,أما المسيحية فغايتها السماء إذ تعتمد علي الإيمان أولا.
1-أكد الرسول في أكثر من موضع أنه لايعمل بحكمة بشرية بل بإعلان الله (غلا1:11) مؤكدا أن العلم ينفخ (1كو8:1) حاثا إيانا أن نحذر لئلا يسبينا أحد الفلاسفة (كو2:8).
2-استخدم الرسول تعبيرات يونانية كثيرة مثل:
-تعبيرات سياسية(في1:37, 3:20 أف2:19).
-تعبيرات قانونية (غلا3:15, 4:1-2,رو7:1-3).
-تعبيرات تجارية (فل18, كو2:14).
3-أشار إلي مجالات حياتية يونانية:
-إلي الألعاب الأولمبية(في2:16, 3:14, 1كو9:24-27)
-إلي تجارة الرقيق(1كو7:22, رو7:14).
إلي طريقة تكريم الملك (1تس2:19).
4-واجه الحركات الغنوسة الشرقية:
إذا دعي الغنوسيون أنهم أصحاب المعرفة ( كلمة Gnonsisتعني المعرفة) أوضح الرسول أن المسيحية ليست ضد المعرفة بل تسعي دواما نحو المعرفة ولكن المعرفة الفائقة التي يهيبها الله لمؤمنيه كعطية إلهية , وفي نفس الوقت يركز علي الإيمان الذي لا يناقض المعرفة الحقة مؤكدا عمومية الخلاص لكل البشر, حيث كان الغنوسيون يقسمون المؤمنين إلي طبقات متعددة.
ثالثا:الخلفية الإلهية والرسولية:
نقصد بذلك الإعلان الإلهي الذي تم علي طريق دمشق إذ التقي بالرب يسوع الذي يضطهده كان هذا اللقاء هو المفتاح لإدراك شخصية الرسول العظيم.
1-لم ينشغل الرسول بهذا الحادث كقصة بل اعتز به كخبرة إيمانية حية إذ كان قلبه دائم الالتهاب من جهة تدخل السيد المسيح ليحفظ كنيسته من المضطهد وليخضع هذا المقاوم للإرادة الإلهية فيجعل منه كارزا بالإنجيل نسمعه يقول:
-رأيت يسوع المسيح ربنا (1كو9:1)
-كأنه للسقط ظهر لي أنا (1كو15:8-9)
- دعاني بنعمته أن يعلن ابنه في قلوبنا (غلا1:13-16)
-هو الذي أشرق في قلوبنا (2كو4:6)
2- اعتبر أن جوهر كرازته هو هذه العبارة: الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا (رو4:25)… فقد دخل به إعلان طريق دمشق إلي حالة من الشبع الواقعي إذ صار الماضي الذي عاشه قبلا في اليهودية منتظرا مجئ المسيا… صار واقعا حاضرا, كذلك صار المستقبل منظورا وواقعا حيا لأن ملكوت الله صار في داخله باتحاده مع الآب في المسيح بالروح القدس.
3- اهتم بالجماعة الكنسية الأولي: (غلا2:1-2) وارتبط بالكنيسة وتقليدها في عقائدها وطقوسها وتسابيحها كما في:
- العقيدة… (1كو15:3-7) (رو1:4, 8:34)
- الصلوات… (1كو11:23- 25)
- التسابيح… (في2:6- 11) (كو1:15-20) (أف5:14)
- حياة المسيح… (غلا4:4) (1كو11:23) (غلا2:20, 3:1) (في2:5)
4- اعلانات الرب يسوع له واختطافه للسماء الثالثة (2كو12) ألهبت فيه الفكر الانقضائي الأخروي والاهتمام بالسماويات في اشتياق نحو مجئ ربنا يسوع المسيح في حياتنا الداخلية كما عند انقضاء الدهر.