ذاع صيتها لكتابتها العديد من الكتب التى توصف حياة المصريين وخاصة الأقباط فى الوقت الذى ندرت فيه الطباعة والكتابة، فعدد الكتب التى كانت تروى تاريخ المصريين والأقباط فى ذلك الوقت كانت تحصى على اليد ولا تتعدى الخمسة كتب أشهرهم كتاب الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة وتاريخ البطاركة للانبا ايسوذورس، وتاريخ عظماء الأقباط، وكتاب يعقوب نخلة روفيلة، فجاءت كتبها لتسد فراغاً لم يكتب عنه من قبل فى التاريخ المصرى المسيحى… أنها المؤرخة الإنجليزية م. بتشر.
ما هو سر قدوم بتشر المؤرخة الانجليزية إلى مصر، ولماذا اتجهت لكتابة تاريخ الأقباط خاصة، وما أهم الدلالات التى أشارت لها فى كتبها….
يقول توفيق حبيب فى كتابه “رحلات الصحفى العجوز” وهو الأسم الذى كان يحب أن يطلق عليه “الصحفى العجوز”: أن المؤرخة الإنجليزية عشقت منذ صباها الأدب والعلم وبدأت حياتها الأدبية بكتابة قصتين بتوقيع مستعار بعدها قامت بتنظيم العديد من مقطوعات الشعر، وأستمر الحال حتى جاء اخوها المستر فلوير إلى مصر ليشغل منصب مدير مصلحة التلغرافات فى أواخر أيام الخديوى اسماعيل، فلحقت به، بعدها تزوجت من “الدين بتشر” رئيس كنيسة الانجيليكان فى شارع فؤاد الأول فعرفت من ذلك الوقت بمدام بتشر وهو الأسم الذى وقعت عليه فى جميع كتبها، وساعدها مركز شقيقها وتجوله فى الاقاليم على البحث والتنقيب وتنقلا سويًا فى أنحاء البلاد شمالاً وجنوباً حتى آخر مدن الصعيد، ثم حصرت م. بتشر جهودها فى بحث شئون الأسرة القبطية وكان دليلها ومرشدها مرقس سميكة باشا – مؤسس المتحف القبطى- وكان فى ذلك الوقت كاتباً صغيراً فى مصلحة السكة الحديدية، وهكذا توطدت صلتها بالأقباط والبنات القبطيات خاصة، فإنتهزت فرصة زياراتها المتعددة لكنائس مصر القديمة بأن جمعت البنات القبطيات فى الحى وعلمتهم مبادئ اللغة الإنجليزية والتطريز وأعمال البيت.
كما كان تساعد زوجها فى الصالون الأدبى الذى كان يحضره الكثير من العلماء والأدباء الأجانب منهم د. بكلر مؤلف تاريخ فتح العرب لمصر ود. مارجليوت.
ألفت مدام بتشر العديد من الكتب أكثرها شهرة كتاب “تاريخ الأمة القبطية” والذى بذلت فيه مجهوداً شاقاً سواء بالبحث الشخصى أو التنقيب فى الآثار القبطية والمخطوطات هذا إلى جانب إطلاعها الجيد عما كتبه العرب والفرنسيون قديمًا، فإنفرد الكتاب بكونه تأريخاً لأحوال مصر السياسية والإجتماعية والملية منذ بداية تاريخ مصر حتى الإحتلال الإنجليزى مقترنا أيضاً بتواريخ بلاد الشرق، كما انه شمل جدول تاريخ البطاركة وسنوات توليهم الكرسى المرقسى.
وبدأ ظاهراً بوضوح فى الفصول الأولى للكتاب ميلها للكنيسة الوطنية وتفضيلها على كنيسة الروم الملكيين. وكتبت بتشر كتابها باللغة الإنجليزية لعدم اتقانها اللغة العربية بشكل كامل، فقام تادرس شنودة المنقبادى صاحب جريدة مصر بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية ونشره فى أربعة مجلدات عام 1900 م وكان ثمن جميع المجلدات اربعون قرشا صاغاً.
وكتبت مدام بتشر فى مقدمة كتابها :
“إن الغرض الذى لأجله وضعت هذا الكتاب هو رغبتى فى إفادة الطلاب بتاريخ هذه الأمة القديمة، ثانياً إقامتى مدة عشرين سنة فى القطر المصرى إذ قدر لى أن أطوف أكثر القرى والكفور ورأيت فيها أن المسيحين الأقباط لازالوا على عهدهم من التمسك بالعقائد والتقاليد المنقولة عن الآباء الأولين”.
وتوفى زوج مدام بتشر فاضطرت الرجوع إلى بلادها، لكن حب تاريخ مصر ظل باقيا معها فألفت كتابين بعنوان “مشاهداتى فى مصر” و “مصر كما عرفتها” كما كانت تحث اقاربها على الذهاب إلى مصر والإطلاع على ثقافتها وكان آخر زيارة لها لمصر عام 1923 بعدها غادرت مصر وفارقت الحياة وهى حية فى صفوف المستشرقين الذين برهنوا لمصر على حبهم بسرد تاريخها ولازالت كتبها المرجع الرئيسي لكل الباحثين والمعنين بتاريخ مصر والأقباط.