يقع كتاب “افريقيات” للدكتور انطون يعقوب ميخائيل عميد معهد الدراسات القبطية السابق والصادر مؤخرا فى 104 صفحات من الحجم المتوسط، وهو دراسة مبسطة ومركزة لبعض جوانب التراث الافريقى والذى يتمتع بالثراء والتنوع
يقع كتاب “افريقيات” للدكتور انطون يعقوب ميخائيل عميد معهد الدراسات القبطية السابق والصادر مؤخرا فى 104 صفحات من الحجم المتوسط، وهو دراسة مبسطة ومركزة لبعض جوانب التراث الافريقى والذى يتمتع بالثراء والتنوع، حيث يتناول الموروثات الشعبية والفلكلورية. تجسد لحالة عاشق للقارة السمراء عشق صادق وصافى وعميق. فالدكتور انطون اقام نحو 20 عام فى اثيوبيا وعمل فى الكلية الاكليريكية بها وقام بالتدريس للبابا الراحل ابونا باولس. وجاء كتابه الصغير الصفحات الكبير المعنى تعبير عن هذا الوجد.
يبدا الكتاب بالحديث عن التراث الافريقى فى الباب الاول والذى يقسم الى ثلاثة فصول حيث يبدأ فى الفصل الاول الحديث عن التراث الافريقى من الظل والتغيب الى النور حيث أن التراث الافريقى ظل مجهولا لقرون عديدة وغير مفهوم فقد عرفت بالقارة السمراء قد عزلتها الثقافة الغربية عن شمالها وهى الثقافة التى ظهرت فى عصر الاستكشاف والغزو والاستعمار من القرن السادس عشر الى القرن التاسع عشر الميلادى. وتم اطلاق لفظ القارة السوداء المظلمة الهمجية التى بلا تاريخ او حضارة او تراث انسانى يعتد به.ووصفهم سير ادوارد بيكر فى محاضرة امام جمعية لندن للاجناس عام 1768 بكونهم بلا عقيدة وبدون اى شكل من العبادة السليمة وظلام عقولهم كثيف وقد اضافت دائرة المعارف البريطانية 1797 الى ذلك وصف للزنجى بالخيانة والقسوة والاخلاق الشاذة والاستعداد الطبيعى للسرقة والكذب والدنس وقد بالغ هيجل فى بعض كتاباته بالتاكيد على ن الافريقيين يفتقرون الى الاصول الحضارية.
وقد ساعد على انتشار هذه الافكار العنصرية:
– مستكشفو ومستعمرو القارة لتبرير سياساتهم التى اتسمت بالعنصرية والقسوة.
– تجارة الرقيق لتبرير تجارتهم الذميمة.
– اصحاب صناعة السينما التى جسدت هذه الافكار فى انتاجها لمضاعفة الارباح.
– المبشرون الذين هاجموا الديانات الافريقية باعتبارها خرافات بطقوس همجية لا تراعى الحرمات الاجتماعية .
وقد ساعد على انتشار هذه الصورة بعض العوامل الافريقية البحتة مثل سيطرة الروح القبلية ومظاهر الفقر الشديد وانتشار الجهل وبؤس الحياة الانسانية وكذلك الاوضاع الجغرافية الصعبة وصعوبة التنقل والاتصال مع تعدد اللغات واللهجات وعدم وجود لغات مكتوبة.
وقد بدا التحول متواضعا فى البداية من الداخل وما بذله المبشرون من جهود لترجمة الكتاب المقدس وكتب العبادة الى اللغات واللهجات الافريقية والعمل على التعريف بها وتحويلها الى لغات مكتوبة.
وقد صاحب هذا التحول ظهور حركات العودة الى افريقيا من الامريكتين فى منتصف القرن التاسع عشر وانشاء دولة ليبيريا الحرة فى غزب القارة لاستقبال العبيد المحررين من امريكا. ثم بدات فكرة تشكيل الجامعة الافريقية كحركة ثقافية تستهدف اكتشاف عناصر الوحدة والتمايز بين القبائل الافريقية.
وفى عام 1900 صدر اول بيان للجامعة الافريقية والذى اكد على وجود ثقافة افريقية متميزة قامت على اسس مغايرة لتلك التى قامت عليها الثقافة اليونانية وكشفت الجوانب المشتركة فى ثقافتهم كالموسيقى والرقص وفنون النحت والحفر والمعمار الى جانب اللغات.وفى عام 1958 عقد اول مؤتمر لهم على ارض افريقية فى اكرا عاصمة غانا بها العديد من قادة النضال الافريقى الاوائل وكان الهدف هو وحدة كل الثقافات الافريقية بصورة اقوى.
وفى عام 1915 اسس اتحاد دراسة حياة الزنوج وتاريخهم والذى عرف فيما بعد باسم جماعة الثقافة الافريقية وكان هدفه الدراسات الافريقية والثقافة الزنجية بوجه خاص.
ثم انتقل الكاتب فى الفصل الثانى الى العقيدة وقد أطلق عليه “الدين فى افريقيا” فالافريقيون مثلهم مثل غيرهم من اصحاب الديانات الكتابية لهم اسرارهم الدينية فالفكر الافريقى كان دائما يقترب فى معتقداته القديمة من الوحدانية . ويشار للافريقى الى انه متدين لدرجة غير قابلة للشفاء.
فالافريقى منح عالم الجماد روحا وتخيله على غرار نفسه يعيش كما يعيش هو ولكنه تخفى وراء كيانها الظاهرى فاعتقد ان العاصفة ماهى الا روح جهنمية غير منظورة قادرة على ايذائه ، وغيرها من الظواهر.
وقد قام عدد من المبشرين المسيحيين (12 مبشراً) فى الخمسينيات من القرن الماضى بدراسة الالهة الافريقية بوجدوا اكثر من 200 اسم بين 18 جماعة عرقية وهى جميعا ناتجة عن البيئة المحيطة بهم وهى توضح ان الانسان البدائى حاول بفطرته تفسير الظواهر الطبيعية.
ثم انتقل فى الفصل الثالث الى الفنون فى افريقيا فالفنون هى روح الامة المعبر عنها
الفن التشكيلى: وهو مرتبط بالمعتقدات الدينية الى حد كبيروقد اتخذ كسبيل للتعبير عن المعتقدات وممارسة الطقوس الدينية وقد اهتم ايضا بالنحت والتصوير وقد اعتبر النقش والحفر والنحت على حوائط الكهوف من اقدم اشكال الفن الافريقى وتحتوى صحراء افريقيا على الاف المواقع التى يوجد بها الفن برسومه الرائعة والوانه الزاهية.
وهى رسومات تصور مناظر الصيد والقتال والحياة اليومية وصور للماشية والحيوانات المفترسة كالنمر والفهد والفيل والزرافة الى جاني شخصيات دينية رجال ونساء يقمن باعمال مختلفة واشجار متنوعة من الجنوب الافريقى وكلها منحوته على الصخر الجيرى اللين وفوق الحجر الرملى والجرانيت.
الاقنعة: توجد ما يزيد على الف قبيلة فى افريقيا ولكن فى حدود المائة قبيلة فقط من يجيد صنع الاقنعة حيث يعتقدون ان القناع هو مقر لشئ مقدس وللقوة الالهية سواء كانت للطقوس الدينية او للتسلية وكانوا يتقنون فن الاقنعة بالوانه الجميلة الزاهية وفى نفس الوقت مخيفة كى ترضى الروح ان تسكن فيها وعادة تلبس هذه الاقنعة ومعها زينة من لحاء الشجر والليف والانسجة وفرو الحيوانات وريش الطيور واضافات من الصدف وقطع معادن وقرون الحيوانات ويعتقدون ان الراقص الذى يرتدى القناع يحظى بروح القناع ويتوقف عن كونه انسانا. فهو فى فكرهم يحمل قوة سحرية مخيفة لمن يرتديه. والهدف الرئيسى لهذه الاقنعة هو اعطاء شكل ملموس ظاهر لعالم الروح.
الطوطم: هو عبارة عن منحوت خشبى او جلد او فخار على هيئة رمز تتخذه العشيرة من حيوان او طير او نبات او جماد ويصنع منها التميمة التى يلبسها كالقلادة حول عنقه لتحميه ولكل قبيلة الطوطم الخاص بها.
التماثيل: قد عرفها الافريقى منذ زمن بعيد ويصل عمر اقدمها الى 2000 سنة وهو صغير الحجم من الطين وهى طبقة من الطين توجد فى دلتا النيجر ومنها تماثيل راكبى الحصان وايضا اشتهرت وسط ليبيريا بالتماثيل المصنوعة من الطين ذى الحبيبات الخشبية واغلبية التماثيل على اشكال رجال وسيدات ويمثلون الاسلاف او زعيم القبيلة المتوفى او ارواح الطبيعة او الهة ثانوية.
الرقص والموسيقى: لهما مكانة بارزة فى المجتمع الافريقى فهو يستخدم فى الطقوس الدينية والتسلية وكافة اشكال الحياة والوان الرقص الافريقى على الوانها مليئة بالحيوية ومرتبطة بعقيدة الانسان الافريقى. والانسان الافريقى يتعلم الرقص والغناء بطريقة فطرية تلقائية فهو يعتبر اداة للتعبير عن مشاعرهم ولغة قائمة بذاتها فهم يرقصون فى جماعات حاشدة مع موسيقى او بدون. ويتميز الراقص المحترف بينهم بمكانة عالية فى قبيلته ولا يستغنى عنه فى الاحتفالات والمناسبات.
ثم ينتقل الكاتب فى الباب الثانى ليتحدث عن “اساسيات الفكر الدينى الافريقى” وقد قسمه الى 4 فصول.
ويتحدث فى الفصل الاول عن “الكائن الاعلى” فهذا الاعتقاد كان ومازال قويا جدا فى افريقيا وظل محور دياناتها فالاله ليس غريبا عن شعوبها والكل يعرفه بالفطرة فليدهم تصور ان هناك كائن اعلى قادر على كل شئ وعالم بكل شئ. فالطفل الافريقى ينشا ولديه معرفة فطرية بوجود خالق وهذا الاعتقاد مكنهم من معرفته دون كتب مقدسة.
وفى الفصل الثانى تناول “خلق الارض والانسان الاول” وكيف ترك الله العالم وابتعد عنه بسبب خطية الانسان وقد تناقلت تلك الساطير عن طريق الرواية لعدم وجود لغة مكتوبة لديهم. وهى تتحدث عن القوى الخارقة والالهة وعن الابطال والجدود وهى فى الغالب ناتجة عن خيال الانسان الخصب وهى تعبر عن معتقدات جادة خاصة بالانسان والاله والابدية.
وتتنوع الاساطير حول الانسان الاول فشعوب افريقيا لهم اساطيرهم من قصص الخلق والتى تتعلق باسلافها الاولين فد جاء خلق الانسان بعد ما تم خلق كل الاشياء وتذكر الاسطورة لشهب “ناندى” بكينيا ان الاله خلق طفلا ذكرا وبحث له عمن يعيش معه فجعله ينام واخذ واحدا من ضلوعه وصنع منه بنتا كبرت وانجبت اطفالا ولكن عملية الانجاب اغضبت الاله وقال للزوجين اذهبا لقد اعطيتكما الصحة والموت.
ويتحدث فى الفصل الثالث عن “منشأ الموت”
ويعتبر الموت عند الافريقى هو الشعيرة الثانية من شعائر المرور اى انه المرور من الحياة الى الموت وهو على جانب كبير من الاهمية وان اعتقد ان الجسد وحده هو الذى يموت. ولكنه ليس له تفسير محدد للموت او لما بعده ولكنه ينسب منشأ الموت الى غلطة ارتكبها فى الاغلب الانسان نفسه او احد الحيوانات.
وعن الحياة بعد الموت تسود فى الديانات الافريقية بتنوعها اعتقاد قوى فى الحياة بعد الموت والشعوب الافريقية دون استثناء تؤمن ان الموت لا يقضى على الحياة فالجسد فقط هو الذى يموت اما الروح فتظل حية والمنتقلون يواصلون وجودهم فى العالم الاخر.
وينتقل فى الفصل الاخير الى “اعمال السحر والتطبيب” فالسحر موجود فى افريقيا منذ القدم ومورس على نطاق واسع فى القارة السمراء وتوضح الدراسات ان الجماعات البدائية ربطت بين عالم الخيال وعالم الواقع حولها اضفت على الواقع جزءا من الخيال فالسحر يعتبر جزء من عقائده باعتباره وسيلته القوية للتحكم فى القوى الغيبية لتساعدة فى كافة مجالات الحياة.
إ س