توقع ميخال روتكوسكي، كبير مديري برامج الحماية الإجتماعية والوظائف في البنك الدولي ، تراجع معدل الفقر في مصر، بعد توسع برنامجي تكافل وكرامة، إلى ما بين 15% إلى 16%، انخفاضًا من 27.8% في 2015، دون تحديد تاريخ محدد لتحقق هذا الإنجاز، ولكن الملفت للإنتباه أن هذا التصريح جاء في نفس شهر إعلان البنك الدولي أن حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له، وأن عدم المساواة آخذ في الزيادة.
ويرجع السبب في هذا التضارب أن البنك الدولي لا يمكنه تحديد معدلات الفقر في مصر أو في أي دولة أخرى، بل يعتمد بالأساس على البيانات الحكومية لكل دولة، ويقوم بتجميعها ومقارنتها ودراستها، وبناءً عليه إعطاء التوصيات وتقدير المستقبل والأفق الاقتصادي لكل دولة، وبما أن الحكومة المصرية توقفت عن إصدار بيانات بحث الدخل والإنفاق، فإن أي تصريح لمسئولي البنك الدولي في هذا المجال هو مجرد اجتهاد مبني على بيانات قديمة.
وتحديد معدلات الدخل والإنفاق أمر ضروري ليس فقط لتقييم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فبدون إعلان بيانات بحث الدخل والإنفاق، يصعب وربما يستحيل على الشركات الموجودة بالسوق المصرية تحديد حجم السوق المستهدفة، فبحث الدخل والإنفاق لا يتضمن فقط مقدار الدخل بل توزيعه على كافة بنود الإنفاق من طعام وسكن ومواصلات وصحة وتعليم وغيرها، هذا بالإضافة إلى معدل حيازة السلع المعمرة، وتباين هذه المعدلات بين الحضر والريف والمحافظات المختلفة .. كما ساهم هذا البحث المهم في زيادة تواجد بعض الصناعات في الصعيد حيث القابلية لدفع أجور منخفضة مقارنة بوجه بحري، كما ساهم في إعادة توزيع المشروعات السكنية والتعليمية خاصة في شمال الدلتا، وغيرها من الأمور المهمة.
وبالنسبة للحكومة فالأمر ضروري لوزارتي التضامن الاجتماعي والتموين والتجارة الداخلية لتحديد المستفيدين من الدعم، وقيمة الدعم اللازم لإخراج المواطنين من أسفل خط الفقر، وللأسف فالحكومة تعتمد حتى الآن على بيانات بحث عام 2015، متأخرة 4 سنوات كاملة، شهد فيها الاقتصاد المصري عملية إصلاح اقتصادي جريئة للغاية، ومعدلات تضخم تجاوزت حاجز الـ35% لأول مرة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، وربما تشهد الساحة الاقتصادية بعض الأزمات نتيجة عدم وجود بيانات سليمة تصف استهلاك الأسر المصرية بدقة، فكيف ستحدد الوزارات الاقتصادية خطط دعم وتحفيز صناعات معينة دون غيرها، مع عدم معرفة معدلات نمو أو تآكل استهلاك هذه السلع.
من زاوية أخرى فإن كثيرا من برامج التمويل الدولية التي حصلت عليها مصر أو تتفاوض للحصول عليها مرتبطة بدخول وإنفاق الأسر المصرية، ما يقلل من كفاءة وفاعلية أداء هذه البرامج حال استمرار اختفاء البيانات.
وكانت “مارينا ويس” المديرة الإقليمية لمصر واليمن وجيبوتي بالبنك الدولي ، قد صرحت فى ضوء تمديد إطار الشراكة مع مصر لمدة عامين آخرين ، قائلة : أنه على الرغم مما تحقق من نتائج فلا تزال هناك ثغرات ، وهناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتسريع الإحتواء الاقتصادي واستيعاب القوى العاملة المتنامية .. فحوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا، كما أن عدم المساواة آخذ في الإزدياد ، واقترب معدل الفقر الوطني من 30% عام 2015، ارتفاعًا من 24.3% عام 2010 ، وهناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر، إذ تتراوح من 7% في محافظة بورسعيد إلى 66% في بعض محافظات الصعيد. علاوة على ذلك، أثرت الإصلاحات الاقتصادية على الطبقة الوسطى، التي تواجه ارتفاع بعض تكاليف المعيشة نتيجة للإصلاحات.