مع حلول عيد الميلاد المجيد نتذكر دائما قصة سقوط الإنسان الأول ادم اب كل البشرية , و خطيته التي كانت موجهة ضد الله الغير محدود, و سقوط الإنسان تحت عقوبة الموت و فساد طبيعته المخلوقة على صورة الله .. كما نتذكر ايضا محبة الله الفائقة للإنسان , و كيف انه لم يشاء ان يهلك الإنسان بل قد وعد ابينا ادم و زوجته حواء انه سيخلص الإنسان عندما وعده ( ان نسل المرأة يسحق رأس الحية .
لم يكن ممكنا ان تنتهي قضية مخالفة الإنسان الأول بموت الانسان ، فهلاك الإنسان يكون ضد صلاح الله و رحمته, كما لم يكن ممكنا ان تنتهي القضية بغفران الله الكاملللانسان فالغفران دون تنفيذ العقوبة هو ضد عدل الله .. و كان الحل الوحيد لمخالفة ادم هو ان يحمل اخر عقوبة الموت عن الإنسان .. و لكن من هو الشخص الذي يمكنه ان يحمل عقوبة الموت عن الإنسان؟ ففي هذا الشحص لابد ان تتوفر شروط ثلاثة
1. الأول ان يكون هذا الشخص بلا خطية و غير محتاج للخلاص لكي يستطيع ان يخلص من هم تحت عقوبة الموت.
2. الثاني هو ان يكون غير محدود لكي يفدينا من عقوبة خطية ارتكبت في حق الله الغير محدود.
3. الثالث ان يكون هذا الشخص قادرا علي الخلقة لكي يستطيع ان يقدم ذاته للموت بإرادته و ان يكون قادرا ان يحينا معه مرة اخري .
و هذه الصفات الثلاثة لا يمكن ان تتوفر في انسان بشري عادي فهي صفات فوق الطبيعة البشرية المحدودة و لم يكن سوي الله الذي يستطيع ان يخلص الإنسان و يرده لرتبته الأولى ، فبالله وحده يمكن ان يتحقق وعد الخلاص، و لكن كيف يمكن للاله الخالق ان يحمل حكم الموت و يموت ..فهو غير قابل للموت !! إلا ان يتخذ جسدا به يموت و يحمل فيه عقوبة الموت .
و لكن كيف لله الغير محدود ان يموت ؟
و هنا كانت قضية التجسد .. فالله الغير مرئي .. الغير المائت .. كان عليه ان يظهر في الجسد و بهذا الجسد الانساني الذي له – جسده الخاص- يخلص الانسان .. يحمل في هذا الجسد عقوبة الموت .. و به ايضا يغلب الموت فيقوم منتصرا من الاموات اذ ليس للموت سلطان عليه .. و من هنا فالله عندما وعد ادم ابينا الاول بالخلاص فإنه قد قبل ان يظهر في الهيئة كانسان لكي يخلص الإنسان. و بدا الله خطته الخلاصية على مدي قرون طويلة .. قصة تحكيها كل اسفار العهد القديم .. فكان الله في قصة العهد القديم يعد البشرية للخلاص من خلال خمسة امور :
1. من خلال النبوأت التي تحكي عن شخص المخلص و كل تفاصيل حياته فتكلم اشعياء عن ميلاده البتولي “ها العذراء تحبل و تلد ابنا و تدعو اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا”( أش 7: 14) و تكلم ميخا عن مكان ميلاده ” و انت يا بيت لحم ارض يهوذا ..منك يخرج مدبر يرعي شعبي” ( مت 2: 6).. الخ من مئات و الاف النبوات التي تتحدث عن حياة الرب يسوع المخلص .
2. من خلال الاشخاص الرمزيين ” الذين كانت حياتهم رمزا لحياة ربنا يسوع المخلص “و هم اشخاص صنعوا خلاصا محدودا بصورة او اخري لذويهم مثل يوسف وموسي و يشوع و نحميا الخ من الشخصيات النبوية .
3. الأحداث الرمزية مثل حادثة قتل ابكار المصريين و فداء ابكار شعب الله بدم ذبيحة الفصح التي بها حفظت حياة ابكار شعب الله كاشارة لدم المخلص الذي ينجي من الموت
4. الوصايا كما كانت الوصايا التي استلمها الشعب علي يد موسي هي تمهيدا للانسان ان يقبل الناموس الجديد الذي سيعلم به المخلص لكيما يعيد الانسان الساقط الي طبيعته الاولي علي صورة الله و مثاله .
5. اخيرا كانت الشرائع و الذبائح .. احد الطرق التي بها اعد الله ذهن البشرية لقبول المخلص .. فالذبائح جميعها تشير لشخص ربنا يسوع المخلص و هي جميعها دموية تشير لسفك دم المخلص من اجل فداء البشرية.
تجسد ابن الله :
و من هنا بدأت قصة الخلاص .. اذ تنازل ابن الله الاقنوم الثاني و اتخذ لنفسه جسدا .. اتخذه من سيدتنا و ملكتنا كلنا والدة الاله القديسة الطاهرة مريم و جعله واحدا مع لاهوته بغير اختلاط و لا امتزاج و لا تغيير .. لكي بهذا الجسد يقبل الموت و يخلص الانسان و يقوم ناقضا اوجاع الموت.
ففي ملئ الزمان ظهر يسوع ابن الله مخلصا وفاديا للبشرية و صار في الهيئة كإنسان كامل اذ هو كامل في محبته و كامل في عدله، و ولد من العذراء مريم بدون زرع بشر كما بشرها جبرائيل الملاك ” الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك لذلك القدوس المولود منك يدعي ابن الله “(لو1: 35 )
و بالتجسد بدأ الله قصة خلاصنا التي اكتملت بالصليب و القيامة و الصعود و ارسال الروح القدس لكي ما يسكن فينا نحن المؤمنين ..فما دفع الله للتجسد كان هو محبته العميقة للانسان و عدله الذي كلفاه ان يترك عرش مجده ليعيش في العالم كإنسان و يتألم عنا في كل حياته ليس على الصليب فقط .. بل في ميلاده في مزود حقير و في هربه من بطش هيرودس و في سفره لارض مصر و في معاناته طوال مدة خدمته الجهارية و اخيرا في موته المحيي على الصليب المقدس.
و امام هذا الحب الذي دفع الله ان يرسل ابنه الوحيد الي العالم من اجل خلاصنا .. ماذا نرد لهذا الاله الذي احبنا إلا ان نحفظ وصاياه و نحمل صورته للعالم ..
فالعالم اليوم يبحث عن مخلص .. يبحث عن من يحمل ذنوبه .. يبحث عن فداء ينقذ البشرية من السقوط في قبضة الشيطان ..
و هذه هي رسالتنا ..
ان نحفظ وصاياه و نحمل اسمه للعالم .. لأنه احبنا .. فتجسد .. و خلصنا.