عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أمس الثلاثاء الموافق 9 أكتوبر، ندوة بعنوان: “معضلة الضريبة العقارية في مصر” تحليل اقتصادى واجتماعى”، وذلك لمناقشة أحد أهم الموضوعات المطروحة على الساحة في مصر في الوقت الحالي .
قدمت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، خلال الندوة عرضاً أعده المركز تضمن أهم الممارسات العالمية في كثير من الدول لتطبيق الضريبة العقارية، كالولايات المتحدة الأمريكية، وجنوب أفريقيا، والإتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، وآسيا، وأفريقيا، ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
خلصت الدراسة إلى مجموعة من العناصر التي اجتمعت عليها كل الدول في تطبيق الضريبة العقارية، تتلخص في الرصد من خلال التسجيل بالمحليات عبر آليات مميكنة، ووجود ثلاثة أنواع من التقييم لاحتساب الضريبة العقارية : إما على أساس المساحة، أو على أساس القيمة السوقية ، أو على أساس القيمة الإيجارية، حيث تعتمد معظم الدول على القيمة السوقية والمساحة أكثر من اعتمادها على القيمة الإيجارية.
كما تعتمد الدول منهجية واضحة وشفافة لحساب قيمة العقار وبالتالي تحديد قيمة الضريبة مع وجود جهاز واضح متخصص في التقييم، وتوجه كل عوائد الضريبة العقارية للمحليات، والتي يكون لها صوت ونصيب ضخم في صناعة القرارات الخاصة بها، ولا يوجد إعفاءات للمنشآت الخاصة بالدولة ما دامت تقوم بنشاط مثل الذي يقوم به القطاع الخاص (وفقا للاتفاقيات الدولية). وتختلف الدول في قيمة الضريبة العقارية التي تتبناها وذلك وفقا لمرحلتها التنموية بدون الاخلال بشروط الحوكمة.
أما عن طبيعة الوضع في مصر، فيتم حصر العقارات من خلال وزارة المالية بشكل يدوي ودون وجود سجل عيني مفعل، وتُحدد قيمة العقار على أساس القيمة الإيجارية بعكس السائد في التجارب الدولية من الاعتماد على القيمة السوقية أو المساحة، ويتم احتساب الضريبة بشكل عشوائي بدون معادلة دقيقة نظرا لقلة المعلومات، وهو ما يتسبب في كثير من الطعون التي يصعب حسمها .. والإعتماد على القيمة الإيجارية في تحديد قيمة الضريبة يجعلها ضمن ضريبة الدخل بدلا من أن تكون ضريبة على الثروة، كما يؤدى لصعوبة احتساب الضريبة على المصانع والفنادق وتجاوز هذه المشكلة من خلال بروتوكولات قد تخالف القانون في تفاصيلها. ويتم تحصيل الضريبة من خلال مصلحة الضرائب العقارية وتذهب الحصيلة بالكامل إلى السلطة المركزية، ولا تستفيد المحليات منها إلا في إطار ما تقرره السلطة المركزية بالرغم من أنها في أشد الحاجة إلى التنمية، وهاتين السمتين الأخيرتين هما المشكلتان الأكبر في الضريبة العقارية بمصر.
كما أن نسبة الضرائب العقارية في مصر إلى إجمالي الإيرادات الضريبية تعد ضئيلة للغاية مقارنة بنسبتها في الدول المختلفة، حيث بلغت في مصر 0.1% عام 2015، مقابل 10.3% في الولايات المتحدة، و12.6% في المملكة المتحدة، و9% في فرنسا، و11.8% في كندا على سبيل المثال.
وأكدت الدكتورة عبلة أن جوهر المشكلة في النظام المصري يكمن في عدم وضوح هدف فرض الضريبة، حيث يطغى هدف زيادة الحصيلة الضريبية على باقي الأهداف المفترض تحقيقها وهي مراعاة العدالة الاجتماعية والتنمية في المحليات، مضيفة أن عدم تبنى التكنولوجيا الحديثة في الرصد وتحديد قيم العقار يفتح الباب للاجتهاد وبالتالي احتمالية الفساد.
ومن أهم المشكلات التي رصدتها الدراسة أيضا في النظام المصري، هي المشكلات الخاصة بالضرائب على المسكن والمصانع والتي تشير إلى غياب القاعدة الأساسية للقوانين وهى وجوب أن يعبر القانون عن الواقع الفعلي، فوجود العقار ليس بالضرورة دليل على الثراء، كما أن الضرائب العقارية على المصانع تحتاج إلى إعادة نظر في إطار اهتمام الدولة بتحقيق التنمية، وبالإضافة إلى ذلك أشارت الدراسة إلى مشكلة عدم جود سجل عيني مفعل وحديث، وتداخل الضريبة العقارية مع ضريبة الدخل، لافتة إلى عدم دستورية فرض الضريبة على الأرض الفضاء طبقا لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر عام 2002.
وقدمت الدراسة مجموعة من المقترحات لتحقيق كفاءة الضريبة، تتضمن إعفاء الأنشطة الإنتاجية من الضريبة العقارية وتحديدا النشاط الصناعي لأن هدف التنمية الصناعية أكبر من أي إيرادات تأتى من خلال الضريبة العقارية عليها، وأشارت الدراسة إلى أن نسبة منشآت الصناعات التحويلية في مصر تشكل 3.32% من إجمالي عدد المباني طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017، وهي نسبة ضئيلة، في حين يعمل في هذه المنشآت 2.7 مليون نسمة.
واقترحت الدراسة تغيير التقييم ليصبح حسب القيمة السوقية بدلا من القيمة الإيجارية للخروج من فخ كونها ضريبة دخل وليست ضريبة ثروة، والتعامل مع منشآت الدولة بنفس معاملة القطاع الخاص مادامت تقوم بنفس النشاط، والاستفادة من إمكانية الحصول على ضريبة عن الإعلانات على الطرق وأبراج المحمول، وتبنى التكنولوجيا الحديثة وخاصة الـ Blockchain في تسجيل العقارات.
ومن جانبها قال الدكتورة سامية حسين، رئيس مصلحة الضرائب العقارية، إن قانون الضريبة العقارية صاحبه سوء الحظ منذ بداية صدور القانون 96 لسنة 2008، بسبب كثرة التعديلات التي جرت عليه والمقاومة الشديدة من أصحاب المصلحة للتطبيق تحت دعوى حماية الفقراء، ونتيجة لذلك لم يكن هناك انتظام في التعامل مع الضريبة وتحصيلها، واستمر سوء الحظ حتى عام 2014 عندما جرى آخر تعديل على القانون بالقرار الجمهوري رقم 117 لسنة 2014.
وبررت حسين توقيع عدد من البروتوكولات مع قطاعات مختلفة هي البترول والسياحة والصناعة لحساب الضريبة العقارية، بأن القانون نص على أن يتم تحديد طريقة التقييم للمنشآت ذات الطبيعة الخاصة من خلال اتفاق وزير المالية مع الوزير المختص وهو ما تم ترجمته في هذه البروتوكولات التي جرى توقيعها، ويُجرى التفاوض حاليا مع النقل والطيران لتحديد طريقة تقييم المطارات الخاصة والموانئ، لأن المطارات الحكومية غير خاضعة للضريبة بموجب فتوى قانونية حصلت عليها الشركة المصرية للمطارات.
وأوضح محمود جاب الله، المستشار الضريبي بمكتب مزارز مصطفى شوقى، أن الاعتماد على القيمة السوقية في احتساب الضريبة العقارية في مصر ينتابها عدم الدستورية، وهذا لا يعنى عدم دستوريتها في الدول الأخرى.
وفيم يتعلق بالضريبة على المسكن الخاص، قال جاب الله إنه لا يستقيم عدم فرض الضريبة العقارية على مسكن قيمته السوقية 100 مليون جنيها، مطالبا بإعادة النظر في قيمة العقار السكنى الخاص الخاضع للضريبة وهو 2 مليون جنيها.
ومن جانبه دعا محمد زكريا محي الدين، عضو مجلس النواب المصري وعضو مجلس إدارة المركز، إلى إعفاء المصانع المسجلة العاملة في الاقتصاد الرسمي من الضريبة العقارية، وفرضها على المصانع غير المسجلة، وهو ما تضمنه مشروع قانون تقدم به إلى لجنة الصناعة بالبرلمان وقع عليه 66 نائبا بالمجلس، ومن المنتظر أن يتم مناقشته في دور الانعقاد الحالي، بهدف رفع العبء عن القطاع الصناعي.
وأشار خالد دربالة، استشاري وخبير نظم المعلومات، إلى أن تطبيق الضريبة العقارية سيظل صعبا نظرا لعدم جود سجل عيني، لافتا إلى أن هناك محاولات لعمل سجل عيني في مصر منذ حوالي 116 عاما، ولكن لم يحدث حتى الآن لأن أغلب الإشهارات التي تتم في الشهر العقاري شخصية، وتصل نسبة الإشهار العيني إلى 2% فقط.
وأكد دربالة وجود ثروة عقارية هائلة لا نعرف عنها شيئا لعدم وجود سجل عيني، مدللا على قوله بمراجعة خرائط منطقة العاشر من رمضان والتي كانت الخرائط القديمة تقدر عددها بحوالي 17 ألف عقار، وطبقا للتقديرات كان من المتوقع حدوث زيادة بحوالي 30% في عدد العقارات، ولكن مع تحديث الخرائط اكتشفنا زيادة تخطت 150% لتصل إلى 42 ألف عقار لا يعرف أحد عنهم شيء لعدم وجود سجل عيني. وأكد أن الدولة لن تتمكن من تحصيل إيراداتها الضريبية لعدم وجود السجل العيني.
وانتهت الندوة إلى أن هناك مشكلة في فلسفة المنظومة الضريبية بشكل عام لأنها تنظر إلى الإيرادات وحدها بمعزل عن باقي الاقتصاد ودون النظر لكيفية توظيف هذه الإيرادات الضريبية، في حين أن النظر إليهم مجتمعين يغير طريقة زاوية العمل تماما، فالضريبة العقارية على المصانع لا تقارن بالعائد من فرص العمل التي تخلقها الصناعة والصادرات التي تضيفها إلى الاقتصاد إذا ما تم تحفيزها بشكل سليم، وهو ما يتطلب ضرورة وجود منظومة ضريبية متكاملة من ضرائب دخل وعقارية وقيمة مضافة، تحقق في مجملها الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
وأكدت الندوة على ضرورة اللجوء لحل جذري لمشكلة التقييم وهو تفعيل السجل العيني ووضع إطار زمني للانتهاء منه باستخدام التكنولوجيا الحديثة، بدلا من الحلول البسيطة التي تتمثل في مد فترة إعادة التقدير لمدة عامين حتى عام 2020، بجانب مراجعة منظومة الضرائب العقارية بشكل كامل من الناحية التكنولوجية وتطوير العنصر البشرى بالتدريب والتأهيل.