الحية النحاسية
لقد فاق حب الله للبشرية كل وصف و كل تصورات و كل تعبير بالكلمات إذ لا مثيل له بين البشر حتى نصل الى اعماقه لذلك كثيرا ما استعمل الرب أمورا رمزية لتبين لنا مكانتنا فى قلبه لا على أساس صلاح فينا و انما هذه هى طبيعة الله “محبة” حتى و نحن مازلنا خطاة “ولكن الله بين محبته لنا، لأنه و نحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا” (رو ٨:٥ ) احبنا و نحن فى أدنى درجات الخطية لدرجة أنه لما شبه محبته لنا بمحبة العريس لعروسته يذهب بالأمر الى أقصى مدى ليطلب الارتباط بعروس زانية علها تنصلح، قال لقديسه هوشع النبى “اذهب خذ لنفسك إمرأة زنى و اولاد زنى” (هو ٢:١ ) و ياله من مثال صارخ ليزلزل مشاعرنا و نفهم الى اى مدى أحب الله العالم، و لأن قمة حب يسوع لنا كانت قبول الصليب لاجلنا. اراد ان يقرب لنا ذلك بمثال اكثر صدمة من الارتباط بالزانية فيه يحمل على ذاته هو شخصيا عار الخطية إذ قبل ان يكون على مثال الحية التى رفعها موسى فىالبرية، وفى جلسة هادئة مع نيقوديموس قال له “كما رفع موسى الحية فى البرية هكذا ينبغى أن يرفع ابن الانسان” (يو ١٤:٣ ) . و إن كانت الحية النحاسية لما رفعها موسى للشفاء لغز محير لليهود – لأنها ملعونة من قبل الله، وهى أساس البلاء الذى عاناه آدم و ذريته و ها هى يصير من صورتها الشفاء – إن كان هذا لغز محير لليهود فما يدهشنا بالأكثر ان يتخذ يسوع من هذه النبوة تشبيها لذاته و يستحيل فك رموز هذه الحادثة أو إيجاد تفسير منطقى لها كخطة الهية للشفاء من أعتى مفكر ينحصر تفكيره فى العهد القديم فقط إذ لا تفسير لها إلا فى الصليب. يا لها من نبوة غاية فى الإحكام تمثل خيطا ذهبيا يربط العهد القديم و العهد الجديد و توضح ان النبوات قديما كان محورها الأساسى هو خلاص العهد الجديد و كانت تمهيدا لتعليم غاية فى الصعوبة فبها تصير المعوجات سهلة .
لم يأمر الله موسى برفع حية بل شبه جسد حية “حية من نحاس” و بها تم الشفاء، كذلك الرب يسوع فى شبه جسد الخطية -لأنه أخذ جسدنا كاملا ولكن بدون الخطية- أتم الفداء ، هذا ما عبر عنه القديس بولس قائلا “فالله إذ أرسل إبنه فى شبه جسد الخطية و لأجل الخطية دان الخطية فى الجسد” (رو ٣:٨ ) . الحية كانت ملعونة و القدوس البار قبل عار الصليب و معروف أن “المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب: ملعون كل من علق على خشبة” (غل١٣:٣ ) الابن الكلمة النور من نور صار خطية لأجلنا “لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه” ( ٢كو٢١:١٥).
هلم نرفع أعيننا إلى الحمل الذى حمل خطايانا ليداوى ما فينا من آلام و جراحاتالخطية مهما تكن فداحتها لنفرح مع اولئك الذين رآهم القديس يوحنا و قد “غسلوا ثيابهم و بيضوا ثيابهم فى دم الخروف” (رؤ ١٤:٧ ).