تمر الأيام.. فمنذ أن تبعث لتلك الحياة، لا تدري من أنت وكيف جئت وإلى أين تذهب، تبدأ برؤية أجسام مثلك ينهكون في الساقية بعرق وتستغرب لما يفعلون ذلك، يهتمون بتعليمك في المدارس ، تحفظ وتجتهد في العلوم والرياضة وينسوا أن يعلموك مغزى الحياة، ببساطة لأنهم لا يعرفونه!
يجري العمر وتربط في الساقية مثلهم لكي تسطتيع توفير لقمة معيشتك، ولكنك وسط كل هذا تنسى مغزى الحياة، في تلك الساقية وداخل وجدانك أسئلة بلا عدد.
تعجز الناس عن إجابتها وتعجز أنت عن حلها. مرت الأيام وبدأت تري بعض خصلات من شعرك تظهر باللون الأبيض. لا تعطي اهتمام وتستمر في جر الساقية ساعيا في جمع المال. تسمع أخبار وفاة أعز أصدقائك . وتمشي في جنازاتهم تتخيل يوما سيمشون فيه الأحياء بجانبك.. ولكن أنت من ستكون البطل حينها! أنت من ستكون داخل الخشب مغطى لا قوة لك!
تأمل يوم رحيلك كي ترجع للإجابة على مغزى الحياة وتدرك حينها أن الحياة ليست عبارة عن تلك التفاهات التي كنت تسعى فيها ، ليست في انتظارك نتيجة ترقيتك في عملك او انتظارك زيادة في راتبك. الحياة سر أعمق من هذا بكثير ، الحياة كينونة عظيمة لا تستطع فهمها . فعش متواضعا مثل جدودك ، واتبع ربك وكن إنسان لطيف .
حين تلفظ آخر نفس فيك ستسبح في فضاء لا تعرف فيه أحد لا تدري هل دينك كان صحيح أم ستُقلب الطاولة عليك! هل ستندم علي حياتك الروتينية السخيفة أم ستكون فخورا بإنك أنجزت شيئا على الأرض، تأمل في أحداث تلك اللحظات، لحظات بعد الموت والملائكة يزفونك إلى ربك راجعا اليه! يا من نسيت ربك وخشيت الناس ..خشيت الناس والله احق أن نخشاه!. يا من تظن أن الأيام تنتظرك .يا من تظن أن كل شئ سيبقي لك للأبد ..يا مغفل!
انظر لصفحات التاريخ . انظر وتمعن كيف مات أجدادك، أو كيف بالأحرى نساهم آبائك ، أتريد ابنا يخلد اسمك في السلالة؟ أريد أن أجيب بسؤال…هل تعرف اسم تاسع أجدادك؟ هل تعرف السلالة حتى آدم؟ بالطبع لا ..لأن كلها أيام يا غبي، وكل هذا سيتحول لرماد. حين تمرق في عيني احفادك تعيد شريط حياتك لترى الذكريات تستسرب واحدة تلو الأخرى.
وفي النهاية، تنظر إلى نفسك ملقى على فراش المرض، ترى في أعين أحفادك نشاط وتتذكر أن هذا النشاط كان ملكا لك يوما ، ولكن لغباءك تخيلت أنه سيستمر، حتى فات العمر ، انكمش جسدك وكبر عقلك . فهمت مغزى الحياة ولكن بعد فوات الآوان.