يعاني الكثيرين العيش مع شريك حياة شكاك، فهو يراقب كل شيء ويتلصص على كل شيء دون أي مبرر مما يجعل الأجواء بين الزوجين دائما ملتهبة، فعندما يدخل الشك من باب البيت يخرج الحب من نافذته، مما يجعل الشخص يظن أن الحياة قد أصبحت مستحيلة مع هذا الإنسان الشكاك ووصل الأمر إلى طريق مسدود، ولكن لأن الزواج رباط مقدس فيجب أن نعلم أن الله حتما سيمد يده ويفتح هذا الطريق الذي أوصدته عوامل الغيرة العمياء والشك المريض، ولكي نستطيع أن نعبر هذا الطريق في سلام ونستطيع أن نجتاز هذا النوع من المشاكل الأسرية كان على “وطني” أن تلتقي بالدكتور ماهر الضبع أستاذ المشورة العلاجية بالجامعة الأمريكية لتجري معه هذا الحوار:-
* هل الشك مرض نفسي؟ فالبعض يضعونه في تصنيف الوسواس القهري؟
** الشك ليس مرض نفسي ولكنه عصاب، ولكن لو زاد عن حد معين من الممكن بالفعل أن يصبح مرض ويندرج تحت الوساس القهري
* هل طريقة التربية لها دور في جعل الإنسان يميل للشك؟
** بالطبع … فالإنسان يتأثر بالطبيعة وبالاكتساب، يتأثر بالطبيعة أي يكون لديه جينات معينة تؤدي إلى أن يكون لديه سمات موروثة تجعله يميل للشك في الآخرين، ويتأثر بالاكتساب أي بالتربية، والتربية تنتج عن طريقة تعامل والديه معه، فتجعل منه شخص يميل للشك سواء بعدم تحقيق وعودهم للطفل، مما يثير شكه فيهم، مثل أن يقولوا له “لو فعلت هذا الأمر سنأخذك إلى مكان ما”، أو “لو أنجزت أمر ما سنعطيك هدية معينة” ولا يحققون أي شيء بعد إنجازه للمهمة الموكلة إليه، أو العكس تماما أنهم يشككون دائما في صدق كلامه ويكذبوه، فنجدهم مثلا يسألون عنه أصدقائه.. “هل ذهب معهم إلى المكان الذي قال لوالديه أنه سيذهب إليه وفعل ما رواه لهم هناك أم لا”.
* يقال أن شك أحد شريكي الحياة في الآخر نابع عن نقص في نفس الطرف الشكاك… فهل هذا حقيقي؟
** في حالة الأفراد الكبار ينبع الشك من كون الشخص الشكاك شخص كاذب، فيقوم بعمل إسقاط على الآخر فيشك في كلامه ولا يصدقه ظنا منه أن هذا الإنسان كاذب مثله ويخفي بعض الأمور عنه، فالمشكلة هنا تكون في الشخص الشكاك نفسه، أو أن يكون كما ذكرنا من قبل شكاك بسبب ميله الطبيعي للشك لأن والديه لديهم هذا الميل أو أنهم كذبوا عليه كثيرا فيفترض ذلك في شريك حياته أو أن يكون بالفعل تصرفات شريك تدعوا للشك فيها، فهو ليس بالضروري نقص .
* هل هناك فرق بين الغيرة على شريك الحياة والشك فيه؟ وهل مدح البعض للغيرة في محله؟
** قد تكون الغيرة في أحيان كثيرة جزء من الحب، فمن غير المعقول أن تكون الزوجة محبة لزوجها ولا تمانع أن يكون على علاقة بامرأة غيرها أو ينظر أو يحب أخرى، فهي ترى أن جزء من الحب أن تستأثر بحبه لها، ولكن قد يصل الأمر أن يصبح مبالغ فيه لدرجة أن الزوجة تغير على زوجها من أهله وأصحابه فتمنعه من زيارتهم أو التواصل معهم، وهنا يمكن أن نقول أن الغيرة أصبحت مرضية وغير طبيعية.
* ما هي الطريقة الحكيمة في التعبير عن الغيرة وعدم ارتياح الإنسان لعلاقة ما يرتبط بها شريك حياته؟
** “العتاب”… هو الطريقة المثلى، فكلما استطاع الإنسان أن يخبر شريكه بما يضايقه بصورة واضحة ومحددة كلما أتى الأمر بنتيجة أفضل، ولكن أن يضجر الشخص في وجه شريكه و”يتلوي ويكشر” أو أن يقاطعه أو يلقي في وجهه كلمات عامة وجارحة ولا يوضح له ما الذي يضايقه بشكل محدد كلما صعب الحل، فمثلا أن تقول خطيبة لخطيبها أن تواصله مع فتاة معينة يضايقها، فهي تغير عندما يكلمها في الهاتف أو يرسل لها رسائل أو يقابها .
* هل الغيرة ممكن أن تكون خطوة نحو الشك؟
** الغيرة شئ طبيعي وصحي طالما كانت في حدود معينة، ولكن لو وجد خطيب أن خطيبته تغير عليه من زملائه في العمل ومن عائلته، هنا يجب أن يقف الشخص وينتبه ويعرف أن الأمر زائد عن حده ويحتاج إلى إعادة تقيم للأمور، فالأمر أصبح أكثر من مجرد غيرة عادية، أما الشك في أخلاقيات الطرف الآخر فيجب أن يكون له أسانيد وأدلة حتى يمكن تبريره، فلا يجب أن تفترض الزوجة افتراضات غير منطقية على أخلاقيات وسلوكيات زوجها وأنه على علاقة غير بريئة بامراة لمجرد أنه تحدث يوما معها في الهاتف، ولكن لو سألته عن مكان وجوده في وقت ما وقال لها إنه كان في العمل ثم اكتشفت أنه مع مرأة في مكان ما، ولاحظت بعدها أنه يتحدث معها كثيرا في الهاتف وكذلك يرسل لها رسائل.. هنا يصبح الشك جائز ولكن الأمر يحتاج أيضا إلى الحكمة حتى لا يؤثر ذلك على البيت .
* ماذا لو اكتشف أحد الزوجين أن شريك حياته يفتش في هاتفه ويقرأ رسائله ويعرف مكالماته؟
** أولا: نصيحتي لكلا الزوجين ألا يكون هناك كلمات مرور “passwords ” لغلق هاتف كلا منهما، فلا يجب أن يخفي أحدهما شئ عن الآخر، بل أحيانا أنصح أن يغمض عينه من يشعر أن شريكه يفتش هاتفه حتى يتركه يتأكد ويطمئن، حيث أنه سيفعل ذلك لوقت معين ثم يتوقف بعد ذلك، فلو أعلن الشخص رفضه لمراقبة شريكه لهاتفه وانزعج من الأمر قد ينم ذلك عن وجود شئ ما يخفيه ويستحق الشك، ولكن لو زاد الأمر عن حده وأخذ يتكرر لفترة طويلة، يجب أن يكون هناك وقفة من قبل الطرف المشكوك فيه خصوصا لو كان هذا الشك غير مبرر.
* كيف يمكن أن تظهر بوادر الشخصية الشكاكة في مرحلة الخطبة؟
** هناك نوع من الشخصيات يكون الشك لديه بلا منطق ويحمل الآخر ما لا يستطيع أن يحتمله، حيث نجد خطيب يشكك في خطيبته في كل شئ، فنجده مثلا يقول لخطيبته عندما تتحدث في الهاتف لإحدى صديقاتها أنها من المؤكد تتحدث لرجل، فمن هو؟ وما هي علاقتها به؟ ولكن في مرات كثيرة يكون الأمر بسيط ومقبول ويندرج تحت الحب والخوف والغيرة، فنجده يرفض أن يقوم أحد زملائها بتوصيلها إلى المنزل بعد انتهاء العمل، أو أن يكلمها كثيرا في الهاتف حتى ولو كانت العلاقة بريئة، وهناك بعض الأمور التي من حق الخطيب أن يعرفها عن خطيبته في فترة الخطبة مثل من هم أصحابها ومع من تخرج وأين يذهبون، فهو يريد أن يتأكد أن خطيبته على خلق ليطمئن ويكمل حياته معها وأنها بالفعل تصلح لمشاركته الحياة ولكن هناك أشياء مبالغ فيها وليست من حقه، فمثلا أن يسأل خطيب خطيبته عن علاقتها بمديرها!!! وهل تدخل له إلى مكتبه بمفردها؟ خصوصا لو كانت طبيعة عملها تحتم عليها ذلك، أو أن يأمرها أن لا تتجول داخل الشركة التي تعمل بها وألا تذهب إلى قسم آخر، فهو يطالبها بأمور غير منطقية ومخلة بطبيعة عملها، وهذه بوادر لزوج شكاك قد يتعبها في المستقبل.
* بماذا تنصح في مثل هذه الحالات؟
** نصيحتي أن تلجأ في البداية للعتاب ولكن إن لم يستجيب فعليها بالعدول فورا عن هذه الخطبة .
* أليس العتاب في فترة الخطبة يجعل الشخص يعرف ماذا يريد الطرف الآخر ويبعد عنه لحين، ولكن بعد الزواج تعود الأمور لتسير على طبيعتها؟
** لا يستطيع الإنسان أن يخفي أو يظهر غير الحقيقة لمدة طويلة، فمن الممكن أن نجده يتغير لفترة ما ثم يعود لطبيعته مرة ثانية، فيجب أن يتأكد الإنسان أن هذا التغير حقيقي وليس لوقت معين .
* إذًا الشك قد يكون سبب منطقي للعدول عن الخطبة ؟
** إذا كان الخطيب شكاك مثلا وعاتبته الخطيبة وأفصحت عن عدم رضاها عن شكه الدائم فيها وأصر على ما هو عليه ولم يقم بأي محاولات للتغير، وقال لها على سبيل المثال “بصي يا بنت الناس أنا كده ومش هتغير وإذا كان عجبك” وهذا يشير إلى شخصية رافضة للتنازل عن صفاته السيئة، وستكون الحياة صعبة مع مثل هذا الإنسان.
* ماذا لو كان شك شريك الحياة في شريكه زائد عن الحد ومرضي وليس له أسانيد أو أدلة، مما يعكر صفو حياتهما…بماذا تنصح الزوج أو الزوجة الذي يعيش مع شريك حياة شكاك؟
** لو وجد الإنسان أن شريكه يطالبه بأشياء مبالغ فيها ويشك في سلوكه وأخلاقياته بشكل مبالغ فيه، عليه أن يعرب عن رفضه لذلك ويعاتبه على ما يضايقه، وعلى الجانب الآخر أن يبحث على ما يثير شك شريك حياته فيه ويضايقه ويبعد عنه، فلا داعي مثلا أن يقوم زميل الزوجة بتوصيلها إلى البيت بعد العمل لو رفض زوجها ذلك، فعليها تستمع لنصيحته وتبحث عن حلول وسط مع زوجها، فلا يجب أن تقول “سأعيش كما يحلو لي ويجب أن تثق فيا فأنا لا أفعل شئ خطأ” .
* يقال أن الحل الأمثل للتعايش مع شريك الحياة الشكاك هو أن يتعلم الشخص أن يكون دقيق جدا في سرد التفاصيل له… فهل هذا حقيقي يؤدي إلى زيادة ثقته أم على العكس سيجعله يقحم نفسه بشكل زائد في حياة الآخر؟
** عندما يكتشف الشخص أنه بالفعل يعيش مع شخص يميل للشك فعليه أن يأخذ باله من تصرفاته وأن يكون واضح في كل شئ، فعليه أن يسرد دائما أين ذهب وقابل من، ولا يترك له فرصة للشك، فسرد التفاصيل تريح هؤلاء، وهذا ليست به مشكلة أو إهانة، فلو جاوبت الزوجة زوجها الشكاك عندما يسألها عن تفاصيل يومها فردت عليه قائلة “إن هذا ليس من شأنك وليس لك شأن بتفاصيل يومي” بالطبع سيزيد شكه فيها.
* أحيانا يكون شريك الحياة لديه أفعال غير مفهومة وغير مريحة وسلوكه به شيء يدعو للقلق سواء أخلاقيا أو مهنيا… فهل يعيش الزوجة أو الزوج معصوب العينين لكي يضمن سلام البيت وهدوءه؟
** بالطبع لا… فيجب أن يكون الشخص عيناه مفتوحيتين ليس فقط لكي يحمي علاقته مع شريك حياته فقط بل من أجل أن يحمي شريك حياته من نفسه أيضا، فدور شريك الحياة الحكيم أن يميز ولا يشك بلا أدلة، فمثلا إذا كان الزوج يردد اسم امرأة كثيرا ويتصل بها أكثر من مرة في اليوم ويرسل لها العديد من الرسائل يوميا، ويصر أن يوصلها بعد العمل أو بعد الخدمة من الكنيسة، فتجد الزوجة أن هذه العلاقة أخذت إطار أكثر مما تستحق، وعليها أن تعلن أن هذا الشكل لهذه العلاقة لا يريحها ولا يعجبها وعليها أن تسمع لزوجها لتفهم منه ولتصل معه لحلول، وبذلك تكون الزوجة استطاعت أن تحميه من نفسه، فقد تتطور العلاقة قد يجد الزوج نفسه متعلق عاطفيا بهذه المرأة وقد يورطه هذا التعلق في أمور قد تجلب له الخطية والمشاكل.
* هل مراقبة الشريك لشريكه والتحري عن تحركاته واتصالاته أمر مقبول…خصوصا إذا كان شخص مشكوك في تصرفاته ؟
** إذا لم يجد الشخص وسيلة ليحمي شريكه من نفسه سوى ذلك فعليه أن يفعله، ولكن يجب أن يكون بمنتهى الحكمة، وأن يتم ذلك بصورة غير مباشرة لأن معنى سؤاله أنه غير واثق في شريك حياته ولا في نفسه، كذلك لو وصل هذا الأمر إلى شريك الحياة قد يسبب مشاكل كبيرة وسيجرحه جدا، فلو شكت أم أن ابنها يستعطى مخدرات فعليها أن تفتش غرفته وفي كل مكان، فهنا البحث عن دليل مشروع بل وواجب عليها، ولكن يجب أن يكون ذلك بحرص وحكمة لأنه لو اكتشف ذلك سوف تحدث أزمة كبيرة.
* ما تأثير أن يشيع جو من الشك بين الزوجين على الأبناء؟
** يجب أن لا يعلن الزوج أو الزوجة عن أي شيء يخص علاقتهما أمام الأبناء، فإذا لم يعجب زوج تصرف ما من زوجته فعليه أن يكلمها بينه وبينها، وهكذا تفعل الزوجة أيضا إذا كانت لديها ما تقوله لزوجها عن أي شئ غير مريح صدر منه، فحق كل منهما أن يستوضح بعض الأمور من الآخر، ولكن أن يكون ذلك في غرفتهما بعيدا عن الأولاد، فعندما يحدث هذا الشد والجزب أمام الأطفال يفقد الأطفال إحساسهم بالأمان في بيتهم، ولو تعلق الأمر بشك أحد الوالدين في سلوك الآخر سيجعل الأطفال يفقدون الثقة بالطرف المشكوك في سلوكه سواء كان الأب أو الأم ويسقط من نظرهم، وقد يؤدي ذلك إلى أن يصبح أحد الأطفال شخص يميل للشك وعدم تصديق الآخر، وكذلك يشك في سلوك شريك حياته عندما يكبر ويتزوج، ولو حدث أن أي أمور قد انكشفت للأطفال في هذا الصدد، فعلى الأب والأم أن يظهروا عكس ذلك أمام الأطفال أي أن يظهر كلا منهما ثقته واحترامه بالآخر من أجل سلامة أبنائهم.