أكد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية أن تشجيع الاستثمار يشكل أولوية للاقتصاد المصري، وقد بذلت الدولة جهوداً ملموسة لتحفيز الاستثمار لعل من أهمها إصدار قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 ولائحته التنفيذية، وقانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية، وتنفيذ العديد من المشروعات التنموية العملاقة، ومشروعات الطاقة الجديدة، ومشروعات الطرق والبنية التحتية، ومبادرات متعددة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، علي الرغم من قيام العديد من الدول ومنها النمسا وكندا وسنغافورة وقبرص واستراليا والولايات المتحدة وغيرها، بمنح الإقامة الدائمة أو الجنسية للأجانب مقابل استثمارهم أو شراء عقارات بهذه الدول كنوع من الحوافز لضخ استثمارات جديدة بهذه الدول، إلا أن وضع مصر الإستراتيجي يجعل إعتبارات الأمن القومي هامة من جانب، ومن جانب آخر وضعت هذه الدول معايير واضحة تضمن استفادة اقتصاداتها من هذه الاستثمارات بشكل مباشر سواء في صورة فرص استثمارية جديدة أو خلق فرص عمل للمواطنين، وذلك بخلاف الوضع في مصر الذي يمنح الجنسية دون وجود ضوابط واضحة تعكس العوائد الاقتصادية لهذا القرار.
وأضاف “المركز” فقد سبق أن تم طُرح موضوع منح الجنسية المصرية للمستثمرين الأجانب بهدف تشجيع الاستثمار من قبل وواجه رفضا لإعتبارات الأمن القومي ، إلا أن تناوله مجدداً بل والموافقة عليه من مجلس النواب يُثير جدلا واسعاً ويطرح العديد من التساؤلات والإشكاليات ، فيما يتعلق بالقرار ذاته ،فهل القرار يمثل استجابة لضغط وطلب فعلي من المستثمرين الأجانب للحصول علي الجنسية المصرية كأحد شروط استثمارهم في مصر؟ و ما الحاجة لمنح الجنسية للأجانب كمكافأة على الاستثمار في مصر إذا كان هو في الأصل مستثمرا واختار الاستثمار في مصر لمدة 5 سنوات ومن المؤكد أنه وفقا لدراسته للعائد والتكاليف يرى أنه استثمارا مربحا، وإلا لماذا استقر هذه المدة، علاوة على أن قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 منحه إقامة منذ تأسيس المشروع تجدد طول مدة المشروع، وترك له حرية تمويل مشروعه وتحويل أرباحه دون قيود ؟ وهل تم هذا القرار بناء على دراسة التكلفة والعائد وتبين ارتفاع العوائد وتدني المخاطر والتكاليف؟ وما المكاسب التي ستعود علي الاقتصاد المصري من ذلك خاصة وأن الوديعة بالجنيه وليست بالعملة الأجنبية وليس من الواضح كيف يتم استثمار هذه الوديعة هل ستوجه لسداد عجز الموازنة أم لمشاريع استثمارية محدده أم غير ذلك، علاوة على أنها سترد لصاحبها باعتبارها وديعة؛ أي دين محلي جديد؟ ما هي الإعتبارات الاقتصادية التي دفعت مجلس النواب لإختيار قيمة الوديعة بـ7 مليون فقط كحد أدني، وهل سيتم تقدير حجم هذه الوديعة وفقا لكل حالة، وما هي الأسس التي سيتم على أساسها التقدير ومن سيقوم به؟ وهل هناك معايير أخرى لمنح الجنسية المصرية للأجانب تأخذ في إعتبارها تداعيات الأمن القومي أم سيقتصر قرار منح الجنسية على قيمة الوديعة ومدتها فقط؟ هل لدينا تقديرا للعدد المتوقع لطالبي الجنسية المصرية خاصة في ظل تدهور الأوضاع السياسية في العديد من الدول المجاورة خاصة لمن يمتلكون قيمة الوديعة؟
فيما يتعلق بانعكاسات هذا القرار علي الاستثمار يرى المركز المصرى للدراسات الاقتصادية أنه من غير المتوقع أن يحدث هذا القرار تغيراً ملموسا في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة وأنه يمنح الجنسية لمستثمر موجود وقائم بالفعل وليس لمستثمر جديد يستهدف الاستثمار في مصر ، يضاف إلى ذلك أن الاستثمار المباشر المحلي والأجنبي في مصر ما زال يواجه العديد من التحديات ومنها عدم استقرار السياسات، وضعف إنفاذ القانون، والفساد، والبيروقراطية، وصعوبة الحصول على الأراضي، وضعف المستوي التعليمي للقوة العاملة، والضعف المؤسسي، ولوائح العمل التقييدية وغيره ، منوهاً أن تواضع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر مقابل الدول سالفة الذكر ما هو إلا انعكاس لضعف تنافسية الاقتصاد المصري مقابل تنافسية هذه الدول ، حيث احتلت هذه الدول مراكز متقدمة في أثنين من أهم المؤشرات الدولية محل اهتمام المستثمرين وهما مؤشر التنافسية العالمي ومؤشر سهولة ممارسة الأعمال وذلك من خلال برامج إصلاحية جادة استهدفت رفع كفاءة المؤسسات، والبنية التحتية، والتعليم والتدريب، والإبتكار ودعم ريادة الأعمال، البيئة الاقتصادية الكلية، كفاءة سوق العمل،إلخ.
بناء علي ما سبق، ليست الحوافز هي المقوم الرئيسي لتحسين المناخ الاستثماري في مصر وإنما دعم تنافسية الاقتصاد المصري بمختلف جوانبها وتسهيل ممارسة أداء الأعمال هو الضمانة الحقيقية لتحقيق طفرة في حجم الاستثمارات الأجنبية والمحلية المباشرة. ويتطلب ذلك استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي بحزمة من الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية التي تتعامل مع التحديات الأساسية التي تعوق الاستثمار في مصر خاصة فيما يتعلق بمشاكل العمالة، والبيروقراطية، والحصول على الأرض، وضعف كفاءة المؤسسات، وضعف جودة التعليم، وغياب التنسيق ما بين مختلف الأجهزة والجهات الحكومية.
الجدير بالذكر أن مجلس النواب وافق مؤخراً على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب فى مصر والخروج منها، والقانون 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصريّة، وذلك بحضور المستشار عمر مروان، وزير شؤون مجلس النواب، فى مجموعه ن ويسمح مشروع القانون، للأجنبى المقيم فى مصر بوديعة لمدة 5 سنوات، بالحصول على الجنسية المصرية، ووافق المجلس على اقتراح رئيس المجلس على عبد العال بألا تقل قيمة الوديعة عن 7 ملايين جنيه مصرى على الأقل أو ما يعادلها من العملة الأجنبية، وقال “عبد العال”: “بذلك أصبح النص منضبط من الناحية الدستورية” ، حيث جاء نص مشروع القانون بعد إدخال بعض التعديلات عليه كالتالى :
المادة الأولى :
يُستبدل بنص المادة 17 من قانون دخول وإقامة الأجانب بأراضى جمهورية مصر العربية والخروج منها، رقم 89 لسنة 1960، النص الآتى :
المادة 17: يُقسم الأجانب من حيث الإقامة إلى أربع فئات :
1- أجانب ذوى إقامة خاصة
2- أجانب ذوى إقامة عادية
3- أجانب ذوى إقامة مؤقتة
4- أجانب ذوى إقامة بوديعة
المادة الثانية :
تضاف مادة جديدة برقم (20 مكرر) لقانون دخول وإقامة الأجانب المشار إليه ، نصها الآتى :
المادة (20 مكرر): الأجانب ذوو الإقامة بوديعة هم الأجانب الذين يقومون بإيداع وديعة نقدية.
ويصدر بتحديد المرخص لهم بالإقامة ومدتها، وقيمة الوديعة ونوع عملتها، وتنظيم إيداعها واستردادها، والبنوك التى يتم الإيداع بها، قرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء، على ألا تقل عن 7 ملايين جنيه مصرى على الأقل أو ما يعادلها من العملة الأجنبية .
المادة الثالثة :
تضاف مادة جديدة برقم (4 مكرر) لقانون الجنسية المصرية، الصادر بالقانون رقم 26 لسنة 1975، نصها كالآتى :
مادة (4 مكرر) : يجوز بقرار من وزير الداخلية ، منح الجنسية المصرية لكل أجنبى أقام فى مصر إقامة بوديعة مدة خمس سنوات متتالية على الأقل ، سابقة على تقديم طلب التجنس ووفقا للضوابط المنصوص عليها فى المادة 20 مكرر من القانون رقم 89 لسنة 1960، بشأن دخول وإقامة الأجانب فى مصر والخروج منها، متى كان بالغا سن الرشد، وتوافرت فيه الشروط المبينة فى البند “رابعاً ” من المادة 4 من هذا القانون .
ويصدر بشروط وقواعد تقديم طلب التجنس، قرار من وزير الداخلية، بعد موافقة مجلس الوزراء ، وفى حالة قبول طلب التجنس، تؤول قيمة الوديعة للخزانة العامة للدولة، ويسرى على من يمنح الجنسية وفقا لحكم هذه المادة ذات القواعد الواردة بالمادة (9) من هذا القانون .
المادة الرابعة :
يُنشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارا من اليوم التالى لتاريخ نشره.