– مؤلفة شلح هدومك لـ”وطني”: أبحث دائمًا عن الجديد في حدود الالتزام والرقي
– الناقد سمير درويش: الأدب الراقي لم يعد له جمهور
– الناقد محيي عبدالحي: لابد من تعديل الرقابة للارتقاء بالأدب وليس حجبه
رحاب جمال
تواصل عناوين الأعمال الأدبية – بصفة ملحوظة- رحلة إعيائها؛ لجذب قراء الموضة الأدبية، وقد برزت هذه العناون خلال الدورة الـ 49 لمعرض الكتاب، والتي بدأت في الـ 27 من يناير وانتهت في الـ 10 من فبراير، ولم يكن الأمر جديدًا على هذا الصرح الثقافي الذي يقام في هذا الوقت من كل عام، بل انتشر مرارًا وتكرارًا في الأعوام الأخيرة بصفة فجة، تجعل هذه العناوين هي الطريق أمام كتاب حقيقيين يريدون أن يكون لأعمالهم مكانًا في عالم السوشيال ميديا، والتي تعتبرها العديد من دور النشر مقياس لتقييم نسبة المبيعات والانتشار دون النظر لمحتوى الدواوين والرويات والمؤلفات بشكل عام.
وكان من ضمن العناوين التي أثارت الجدل هذا العام: “أموت في الانحراف”، “الستات مبيعرفوش”، “أي كلام بس تمام”، “ضاكتور ياسيادنا”، “الطب فن مش عن “عن، “هي دي دماغي”، “دكتور لمؤاخذة”، “شلح هدومك يا زمن”.
وكان ديوان “شلح هدومك يا زمن”، للفنانة التشكيلية ماجدة جبر والمعروفة باسم ماجي جبر، هو الأكثر استحواذًا وانتشارًا بين صفحات السوشيال ميديا، والذي تعرض عنوانه لنوع من النقد اللاذع، ما جعلها تشغل السوشيال ميديا طيلة فترة المعرض.
وأوضحت الفنانة التشكيلية ماجدة جبر، لـ”وطني” سبب تسمية الديوان بهذا الاسم، قائلة:”كنت في حيرة لتسمية الديوان، ‘فتافيت’ أم ‘شلح هدومك يا زمن’، وقررت تسميته شلح هدومك بعدما بحثت في المعجم الأندلسي عن معناها – شلح- وهو مشتق من شلح يشلح مشلح من فعل مفعل مفعل، ومعناها العُري بالتجزئة، وعند الشوام الخلع”. وأضافت :”دي قصيدة في الديوان قريبة لقلبي، وهي قصيرة جدًا عبارة عن ثمانية أشطر”.
وعما اُثير حول الديوان في السوشيال ميديا، قالت إنها اعتبرتها دعاية مجانية، على الرغم من أنها لم تقصد ذلك أثناء تسميته، ولكنها فنانة تشكيلية تميل لفنون البلياتشو والتهريج والاسم خرج معبرًا عن حسها الفني.
ذكرت “جبر” أن هذا الديوان الثاني لها، وكان قبله ديوان “صندوق لعب”، حاز على إعجاب النقاد، ولا تعتقد أن ينال ديوان “شلح هدومك يا زمن” إعجابهم، وهذا لا يقلقها لأن اهتمامها الرئيسي بالفنون التشكيلية، معتبرة ذلك الديوان “حالة وطلعت”. مؤكدة أنها دائما تبحث عن الجديد في حدود الرقي والالتزام.
وقالت الناقدة إسراء بدوي، أمينة مكتبة مصر الجديدة، إنها ترفض تنظيم حفلات توقيع أو مناقشة لهذا النوع من النماذج الأدبية، لافتة إلى أنه جاء إليها ملف كتاب “التجربة لفكرية لروح أمه”، ورفضته على الرغم من تأكيد المؤلف أن المحتوى جيد وله فكرته، وأنه وضع العنوان للفت الانتباه فقط.
وأشارت إلى أننا علينا ألا نشارك في أن يأخذ هذا النوع من الـ”لا أدب” مكانه، موضحة أن الرقابة تهتم أكثر بالبعد عن المحرمات الثلاث (الدي -الجنس- السياسة)، دون النظر إلى الإسفاف في العناوين والمحتوى أيضًا من قبل دور النشر الخاصة، التي يكون المعيار فيها قدرة المؤلف المالية وليس الفنية.
وصرح الناقد الشاعر سمير درويش، رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، والمرشح في انتخابات التجديد النصفي لمجلس إدارة اتحاد الكتاب، والذي أصدر 18 كتابًا منهم 15 ديوانًا وروايتين وكتاب في الفكر السياسي، لـ”وطني”: أن الأدب الرفيع ليس بحاجة إلى هذه الألاعيب، والكتاب المعروفين جماليتهم معروفة لدى القراء الحقيقيين، مشيراً إلى أن هناك دخلاء على مجال الأدب، مثل الدخلاء على المجالات الأخرى كالرقص والطب والهندسة وجميع المجالات بات بها الكثير من اللا موهوبين والهواة.
ومن جهة أخرى، قال: علينا أن نعترف أن الأدب الراقي لم يعد له جمهور، فأصبح الكتاب الحقيقيون يضطرون إلى إضافة هذه الأشياء إلى أعمالهم كي تلفت النظر إليها، لأن الناس لا يشغلون بالهم بالعمل الجيد بقدر ما يشغلون بالهم بالترويج عبر الفيس بوك، وحشر بعض المواقف المُلفتة.
وأضاف: نحن في مصر لدينا نوع من الكسل النقدي يجعل الكاتب الحقيقي يتعب ولا يجد من ينظر إليه.
وأوضح “درويش”، أنه ليس ضد الكتاب الذين يتجهون إلى هذه العناوين، ولكنه يتخذ موقفًا منهم، لأن من يدخل سريعًا يخرج سريعًا، فالزمن كفيل بأن يغربل السيء.
وأشار “درويش” إلى أن الواقع ذاته أصبح سيئًا للغاية، وهناك نموذج إنساني مثل رئيس نادي كرة قدم شهير، وغيره يمثلون السوء بكل فجاجة وانتشار.
وأكد أنه علينا ألا نربط أعيننا عن الواقع، ممثلين أننا أنقياء، في حين أن هناك مساحة مرتبطة بالحالة المجتمعية.
كما أكد الشاعر سمير درويش، أنه ضد كل أشكال الرقابة لأنها تجعل العمل ينتشر أكثر، فالرقابة تلعب دورًا ترويجيًا لمثل هذه الأعمال السيئة.
ولفت “درويش” إلى أن المجتمع الثقافي بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام، لا يتحرك من تلقاء نفسه للنظر إلى الأعمال الجيدة فالكاتب يبحث عن الحيل حتى يُنظر إليه.
وكان للناقد محيي عبد الحي وجهة نظره، حيث قال في تصريحاته لـ”وطني”: “إن هناك حرية للإبداع، والآن ما يحدث في الأدب يبرز الانهيار المصاحب لهذه الحرية، فقد وصل الأمر إلى مرحلة الانحطاط من حيث العناوين الطويلة واستخدام ألفاظ دارجة جدًا لا ترقى إلى مستوى الذوق العام”.
وتابع: “لكي نكون موضوعيين، هناك المئات من العناوين ولكن سبب اختيار هذه العناوين يرجع إلى الجماهير.”
وعن الرقابة، قال: نحن لا نستطيع أن نحجر كؤسسات ثقافية على الأدب، لأن هناك حرية وملكية فكرية، حيث أن معرض الكتاب لو اقتصر على العناوين المُنتقاة سيكون المعرض خاص بالهيئات الثقافية فقط، وهذا لا يتناسب مع التنوع الثقافي المطلوب في المعرض، وإن تم تطبيق ذلك سوف يختفي 80% من الأعمال الأدبية الموجودة.
وأشار إلى أن ذلك سيخلف تأثيرًا سيئًا على الأدب المصري، فلا يرتقي إلى رواد الثقافة، مؤكدًا أنه لا بد من تعديل قوانين الرقابة للارتقاء بالإبداع وليس حجبه.
وقدم “عبدالحي” نصيحة للكتاب الجدد: “الأدب الجيد يعيش، ولا تنتظر النتائج الوقتية، بل ارضِ ضميرك وموهبتك أولا واسعى لأن تقوم بعمل شيء قيم لبلدك، دون البحث عن الانتشار والاستحواذ باختيار الهزل والعناوين المُسفة، لأن ما يأتي سريعًا سيزول سريعًا.”