من غرائب الزمن أن يخرج شخص ليثور ضد الإخوان فيفقد عينه ثم تتخلي عنه الدولة، التي يجب عليها رعايته بعد أن قدم هو وآخرون تضحيات من أجسادهم، ثم يتخلى الستر عنه وعن أسرته. إنه عم نعيم الذي حملتنا الزميلة سميرة المزاحي إلى منزله عبر عيونها، التقت به سميرة في إحدى قرى الإسكندرية، وسارت معه أكثر من ربع ساعة سيراً على الأقدام تقول:
سرنا سويا حتى وصلنا إلى منزله، كان يروي قصته ومأساته طوال الطريق إلى البيت، يقطع حديثه سلامات المحيين والجيران، الذين كانوا ينادونه ”يا خال”.
أوصاني الرجل ألا أهدر كرامته أمام عائلته، أو أبلغهم بأنه يحاول جمع المال، وأستأذنني أنه سيقوم بتقديمي لأخيه الذي يسكن معه على اعتباري خادمة من مدارس الأحد، وتمكننا من تمثيل الدور جيدا لحفظ ماء وجه الرجل الذي لا يجد غضاضة في مساعدة الكنيسة له، بينما يجد إهدارا للكرامة في التسول لغير الكنيسة -حسب تعبيره- هكذا قال.
عم نعيم عمره 64 سنة كان يعمل ميكانيكيا في ورش شركة كبري لمدة 35 عاما، أما الآن فهو على المعاش، يتقاضى معاشاً قدره 2400 جنيه، ومن يسمع هذا الرقم يتصور أنه رقم كاف، لكن حينما نعلم بقية قصته سنعلم ما على الرجل من مسئوليات.
عم نعيم لديه ولدان ابنه الكبير عامل بلاط، وعندما تزوج ترك له عم نعيم شقته في الدور الأول وأقام مع والدته التي تبلغ من العمر 94 عاما وتعاني من أمراض الشيخوخة وقرح الفراش.
ويقوم علي خدمتها وعلاجها هو وزوجته.. أما ابنه الأكبر بعد أن تزوج رزقه الله بابنتين.
حينما وصل الإخوان إلى الحكم، كان مذعوراً مثل الجميع، خائفا على ابنتيه من تجار الدين، ثار مع الثائرين على حكم مرسي، لكنه لم يسلم من الإصابة، قدره أنه أصيب بخرطوش في عينه اليسرى في يوم 2013/7/14 وحرر محضرا بالواقعة تحت رقم 6476 إداري سيدي جابر، وبعد إصابته نقلته الإسعاف إلى مستشفى الميري وهناك قام الأطباء باستخراج الشظايا من عينه على مدي يومين.
يقول عم نعيم: أخبروني أن استلام التقرير الطبي سيكون بعد أسبوعين، ومن يومها إلى الآن لم استطع الحصول على التقرير، وفي كل مرة أذهب فيها يماطل الموظفون معي وينتهي الأمر بجملة واحدة شهيرة فوت علينا بكرة أو بعد شهر أو… أو….
أنا متمسك بالحصول على هذا التقرير لأقوم بتسجيل ابني باعتباره من مصابي الثورة وحينها يحصل على الامتيازات المقررة مثل إعفاء بناته من مصاريف المدارس, وتتحمل الدولة علاجه, أو توفير عمل ثابت له، ودخل ثابت خاصة أنه فقد عمله نتيجة إصابته، وبعدها وفر له حماه عقد عمل في إحدي الدول العربية، ولكنه كان وهما، فهناك في الكويت، احتجز المسئول عن العمل جواز سفره مع رفقاء له، وأجبرهم علي العمل لمدة عامين على الحدود السعودية تحت ظروف شديدة الصعوبة، وأصبحت أنا العائل لزوجة ابني المريضة بالروماتويد وابنتيه الصغيرتين, 10 سنوات و5 سنوات.
تستمر الزميلة سميرة في سرد ما توصلت إليه من معلومات عن عم نعيم: تلك حكاية الابن الأكبر المحتجز في بلاد الله ساعيا في أرض الله عن رزق الله، أما الابن الأصغر الذي حصل على دبلوم التجارة، وبعد أن أنهى فترة تجنيده قدم عم نعيم أوراقه للشركة التي كان يعمل فيها طوال 35 عاما، ليتم تعيينه ضمن أبناء العاملين، إلا أن المسئولين رفضوا الطلب، فنصحه البعض أن يشتري له موتوسيكل ويعمل عليه طيار (والطيار هو من يقوم بتوصيل الطلبات للمنازل)، وفعلا عملها عم نعيم، إلى هذا الحين كان الرجل وأسرته في حكم المستورين رغم كل شئ، رغم رعايته لوالدته المريضة، ورغم العلاج الذي يتحمله شهريا ورغم تحمله لنفقات زوجة ابنه وابنتيه، لكن الابن الأصغر كبر ويريد الزواج، ضغط على والده، وقام بعمل نصف إكليل واشترط والد العروس أن يتم الزواج خلال عام،وبدأ عم نعيم بمساعدة أخيه في بناء دور مكون من شقتين لزواج ابن كل منهما.
وبالفعل تزوج ابن أخيه ولكن عم نعيم لم يتمكن من تشطيب الشقة، وتعذر عليه استكمال تشطيب الشقة نتيجة غلاء الخامات بالإضافة لقيامه بدفع أقساط الأجهزة الكهربائية، ونتيجة لذلك حاول إقناع والد العروس واستعطافه لتأجيل موعد الزفاف لمدة عام آخر، إلا أن والد العروس رفض وطلب عم نعيم تدخل الكنيسة لكن أمام إصرار والد العروس تقرر فك الارتباط وتبقت للعم نعيم الديون المطلوب سدادها منها أقساط الغسالة علي 14 شهرا كل شهر 350ج دفع منها 6 أقساط فقط، قسط الثلاجة والشفاط والبوتاجاز المبلغ بالكامل 9750ج تبقي منها 1500ج, إلي جانب الالتزامات الشهرية المطالب بدفعها مثل فواتير المياه والكهرباء والغاز والعلاج لشقته وشقة ابنه المحتجز حاليا بالكويت.
من يسمع المعلومات التي تلقيناها من الزميلة سميرة يتصور لأول وهلة أن الرجل قادر، ابن بالكويت وبيت ملك. لكن تعالوا معنا نرى المنزل بعيون الزميلة سميرة التي تقول: البيت متواضع جدا عبارة عن دورين مشتركين بينه وبين أخيه وأخته وأولادهم وزوجة ابنه وأولاده.. أما الشقة التي يعيش فيها مع زوجته وأمه وابنه فهي في الدور الأرضي لا شمس ولا هواء.. يادوب أوضتين صغيرين واحدة منهما فيها سرير ودولاب والثانية فيها سرير، والأجهزة إللي اشتراها لابنه لما كان خاطب، أما الصالة ففيها كنبتين عربي, ولو وقف في النص نفرين تبقي زحمة.
عم نعيم لا يحتاج مساعدة شهرية فالكنيسة تقوم بعلاج زوجة ابنه، لكنه يحتاج من يساعده في سداد الأقساط المتبقية عليه والتي لا يمكن سدادها من معاشه الذي لا يكفي علاج والدته والمياه والنور والأكل والمعيشة والمواصلات وإعالة ابنتين صغيرتين هما حفيدتاه، وبعد أن تيقننا من ظروفه من الآباء الكهنة المتابعين لحالته قررنا عرض حالته ربما يجد نعمة في عيون الرحماء.
تواصلوا معنا عبر المحمول 01006058093 – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة