أقام مركز الآثار الإيطالي، بالتعاون مع المركز الثقافي الإيطالي، تحت رعاية سفارة إيطاليا بمصر، مؤتمر البعثات الإيطالية في مصر ومنطقة الشرق الأوسط، والذي يعد من أبرز وأهم الأحداث والفعاليات الأثرية، إذ كان بمثابة فرصة حقيقية للالتقاء وللوقوف على مناهج أبحاث البعثات الإيطالية العاملة في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأقصى.
وقالت جوزيبا كابريوتي فيتوتسي مديرة المركز الآثار الإيطالي لوطني: “إن الهدف الرئيسي للمؤتمر هو إقامة موقع الكتروني يكون بمثابة شكبة اتصال علمية للأثريين، يتبادل من خلاله الأثريون الإيطاليون وأعضاء البعثات الأثرية الإيطالية والطلاب والباحثون المصريون، وذلك للعمل سويًا ولمشاركة الأفكار والمشروعات والتنائج. ومن خلال المؤتمر فقد قمنا باقتراح الفكرة ونأمل في إمكانية العمل معًا.”
وعلى هامش المؤتمر التقت “وطني” بعالم الآثار الإيطالي فرنشسكو تيردرتي Francesco Tiradritti مدير بعثة متحف ميلانو الإيطالية الأثرية، والتي بدأت العمل في مجمع حاروا وأخمينرو الجنائزي بالأقصر منذ عام 2001.
تحدث تيرادرتي في تصريحات خاصة لـ”وطني” حول أعماله في المواقع الأثرية المصرية مؤخرًا، موضحًا إنه في عام 2009 ونتيجة للتنقيب ظهر رصيف تم بناؤه من الطوب اللبن في مواجهة جدار الفناء، وبينت الطبقات التي تم إزالتها أنها نتيجة فرن من الجير (A).
كما تم اكتشاف طبقة أخرى من الجير تم إحراقها، تعود إلى فرن آخر (B) وبذلك تم التعرف إلى فرنين الأول في مقدمة قاعة عامودية بمجموعة حاروا والثاني بالقرب من مدخل أخيمنرو. ومن خلال استمرار التنقيب اكتشفنا أن هيكل B مقارب إلى حد كبير إلى هيكل (A)،
وقال: “تم اكتشاف كمية كبيرة من الفخار–داخل تلك الأفران- تعود إلى القرن الثالث الميلادي.
كما اكتشفت طبقتان من الجير تغطي الموقد من الفرن الشمالي (B). والفخار مكننا من تعيين تاريخ أولي للأفران، حيث رجحنا أنها تعود لما بعد القرن الثاني الميلادي وهو ما يتناسب مع تاريخ الفخار.
كما تم العثور على دعة مصابيح زيت ولا يزال تاريخها محل التقييم، لكن بالمقارنة مع أنماط أخرى فإننا نرجح أنها تعود إلى الفترة مابين القرن الثالث والرابع.
كما نعتقد أن مصابيح الزيت ستكون أبعد من هذا، ونرجح أنها تعو د إلى النصف الأول ومن القرن الثالث الميلادي. ووجود عدد كبير من المصابيح قد يكون السبب وراءه هو أن حاملوا المصابيح كانوا يريدون ملئها في الأفران ليلًا لأن عملية انتاج الجير تحتاج إلى إيقاد النيران بشكل متواصل لفترة تتراوح مابين ثلاثة وثمانية أيام. تم العثور أيضًا على عدة أجزاء من توابيت خشبية قريبة من الأفران، ومعظمهم يعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي ، وبعضهم يعود إلى فترات مبكرة وجميع الأجزاء كانت بها آثار حريق، مما يدفعنا لترجيح أنها كانت تستخدم كوقود.”
وبحسب الأدلة التي تم جمعها –والحديث مازال لتيرادرتي- فإن الفناء كان يستخدم كمكان لإنتاج الجير المرقط في تاريخ ما بعد القرن الثاني الميلادي. وقد يكون هذا النشاط مرتبطًا بسياقات أخرى تم التنقيب عنها في المواسم السابقة، مشيرًا إلى أنه تم اكتشاف أوعية تعبر عن انه تم استخدام مجمع حاروا وأخيمينرو كمكان للتخلص من جثث الموتى بأوبئة، وذلك تم التوصل إليه بناءً على ما تم الكشف عنه من جثث تعود إلى ما بعد القرن الثاني الميلادي. هذا وقد تم استخدام الجير المطفأ كمطهر مع تلك الجثث مثلما يحدث اليوم عند التخلص من جثث الحيوانات في حالة تفشي الأمراض المعدية. وتشير بقايا موضع الحريق، المكتشف بجانب طبقة الجير في القاعة الأولى، إلى أن التخلص من تلك الجثث كان يتم ليلًا، ومن خلال المصابيح الزيتية على شكل “ضفدع” نعتقد أن تلك الأدلة تنتمي إلى القرنين الثالث والرابع. ونعتقد أن الوباء تسبب في سقوط الكثير من الضحايا بشكل لا يمكن التخلص منهم بسرعة عن طريق الحرق فبعض الجثث تركت مغطاه بالجير لتحرق ببطء.
وتابع مدير بعثة متحف ميلانو الأثرية قائلًا: “أن النسبة العالية من الفخار، والذي ينتمي إلى القرن الثالث الميلادي، ومصابيح الزيت، التي يعود تاريخها إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين، سمح لنا بتضييق نطاق التاريخ وربط كل تلك المعطيات فنرجح أن ذلك الوباء هو طاعون قبريانوس، وهو وباء يعتقد إنه الجدري أو مرض أقل خطورة، اجتاح الإمبراطورية الرومانية فيما بين 250 و271 ميلادي. هذا الوباء، بحسب بعض المصادر، قتل أكثر من 5000 شخص في يوم واحد في مدينة روما وحدها. سمي هذا الوباء باسم قبريانوس أو سبريان، أسقف قرطاج، الذي وصف الوباء. ومن بين ضحايا هذا الوباء الامبراطور نفسه عام 251 ميلادي، والإمبراطور كلاوديوس الثاني عام 270 ميلادي. وهناك أراء بأن هذا الوباء أضعف الامبراطورية الرومانية وعجل بنهايتها. وبسبب التخلص من الجثث المصابة في مجمع حاروا وأخيمينرو وصم المكان بسمعة سيئة حتى جاء لصوص المقابر إلى المجمع في القرن التاسع عشر.”