قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (657)
انطلقت حملة علشان تبنيها لدعم ترشيح الرئيس عبدالفتاح السيسي لفترة ثانية لرئاسة الجمهورية -2022/2018- وهي حملة تهدف إلي حشد التأييد الشعبي المطلوب لترشح السيسي طبقا لنص المادة (142) من الدستور الذي يقول: يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكي المترشح عشرون عضوا علي الأقل من أعضاء مجلس النواب, أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في خمس عشرة محافظة علي الأقل, وبحد أدني ألف مؤيد من كل محافظة منها, وفي جميع الأحوال لا يجوز تأييد أكثر من مترشح, وذلك علي النحو الذي ينظمه القانون.
أثق أن هدف حملة علشان تبنيها هو هدف وطني أصيل مدفوع بيقين قوي بأن منجزات الرئيس السيسي خلال فترة رئاسته الأولي -2018/2014- هائلة بجميع المقاييس وأن حبه لمصر وتفانيه في العمل من أجل رفعتها لا يختلف عليه منصف خاصة في مجالات الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستقبلية ورأب الصدع في علاقات مصر الخارجية علاوة علي قدرة غير مسبوقة للعمل الدؤوب بلا هوداة… لهذا أؤيد جميع الجهود الوطنية لدعم ترشيح السيسي لفترة رئاسة ثانية, وأتمني أن يستثمر هذه الفترة -انطلاقا من حبه الجارف لمصر- في إصلاح منظومتها السياسية والحزبية أسوة بإنجازاته الهائلة في تنميتها, وذلك حتي لا نجد أنفسنا بعد أربع سنوات من الآن علي مشارف انقضاء فترة رئاسته الثانية دون خريطة حزبية عفية ودون ساحة سياسية ناضجة ودون شخصيات واعدة جديرة بالترشح لرئاسة الدولة, فلا نجد في جعبتنا سوي المناداة بفتح الدستور لتعديله لإطالة مدة رئاسة الجمهورية أو لزيادة عدد فترات الرئاسة(!!!)… وكأن الرئيس السيسي هو الوحيد الذي أنجبته مصر للقيادة ولا أحدا سواه… فإذا كان ذلك هو مصيرنا فلا نلوم أحد سوي أنفسنا ولا نتجمل أمام عجزنا وفشلنا.
لقد صيغ الدستور الحالي برؤية وطنية واعية تستهدف القضاء علي ديمومة السلطة, تلك الآفة التي عانت منها مصر منذ قيام ثورة 1952, ومن الواضح أن إدراك ما ينص عليه الدستور من ضمان آليات التداول السلمي للسلطة يعتمد علي خلق خريطة سياسية عفية ومنظومة حزبية قوية تستطيع الإسهام في ذلك وتملك معايير إفراز قيادات واعدة تتقدم للرئاسة وتتنافس علي منصب رئيس الدولة… ويكون الدستور هو صمام الأمان الذي يحمي البلاد من احتمال تغول السلطة أو استبداد الحكم إذا ضل رئيس الجمهورية السبيل.
وفي هذا السياق أجدني مدفوعا لتكرار ما كتبت في 27 أغسطس الماضي: يجب أن نعي جميعا أن ما نص عليه الدستور من تحديد لمدد وفترات رئاسة الدولة هو ترسيخ لضوابط تحمي البلاد من أي سلطة يتطلب الأمر تغييرها سلميا, فلم تكتب الدساتير لتكريم ومكافأة الحكام الوطنيين الصالحين المخلصين, إنما لحماية الشعب من جموح الحكام المستبدين المارقين إذا وصلوا إلي سدة الحكم… وأكرر أيضا أن هناك فصيلا من السياسيين والبرلمانيين الذين يتوجسون من قدرة الخريطة الحزبية الحالية علي إفراز الكوادر والعناصر الواعدة المستحقة للتقدم إلي المصريين بغية الترشح لرئاسة الدولة, وأعرف تماما أن تشرذم الأحزاب وتهرؤها وضعفها لا يطمئن المصريين علي قدرتها علي المنافسة علي منصب الرئاسة, وأعرف أكثر أن هناك قناعة مكتومة مسكوتا عنها بأن أمان مصر واستقرارها يعتمد بدرجة كبيرة علي التناغم والانضباط والعمل الدؤوب الذي يتأتي من ارتباط مؤسسة الحكم بالمؤسسة العسكرية… لكني أعرف أيضا أن تلك التوازنات إنما هي نتيجة ترك الخريطة الحزبية ضعيفة عليلة, وذلك هو الأمر الذي لا يمكن السكوت عليه.
إن من يعود إلي ما كتبت في 27 أغسطس الماضي لن يفوته أنني أكرر وأجتر ما كتبت, وأنا لا أخفي ذلك بل إنني علي استعداد لكتابته مرات, ومرات… لأن الأمر جد خطير وألمس قدرا مقلقا من استسلام الساحة الوطنية لحبها واطمئنانها وثقتها في الرئيس السيسي حتي أنها غير عابئة بما يحدث إذا انتهت مدته أو غاب عن الساحة, وذلك وضع لا يليق بمصر وحضارتها وقيمتها وقامتها, وأثق أن الرئيس السيسي نفسه غير مستريح له, فقد سبق أن عبر عن إدراكه لما يعتري الساحة السياسية من ضعف خلال حديثه لرؤساء تحرير الصحف القومية في مايو الماضي عندما قال: دعوت أكثر من مرة إلي اندماجات بين الأحزاب المتشابهة في برامجها وتوجهاتها السياسية من أجل خلق أكثر من حزب قوي لتسهم الخريطة الحزبية في تفريخ الكوادر المؤهلة لتداول السلطة, وأتمني أن نري الأحزاب ذات الأيديولوجيات المتشابهة تسعي نحو التنسيق فيما بينها تمهيدا للاندماج.
في مايو الماضي كان الرئيس السيسي يعبر عما يتمني, لكني الآن وأنا أؤيد بشدة حملة دعم ترشحه لفترة رئاسة ثانية أقول له: أنا مواطن مصري غيور يحب مصر ويقلق علي مستقبلها أمنحك صوتي لفترة رئاسة ثانية مصحوبا بتكليف أساسي للعمل علي إصلاح الخريطة الحزبية لتندرج جميع أحزابها في ثلاثة تكتلات لليمين والوسط واليسار قادرة علي صياغة برامج قوية واضحة تتنافس بها في العمل الوطني وتستطيع إفراز كوادر سياسية قوية مؤهلة للتنافس علي القيادة وتسلم السلطة… إذا نجحت في ذلك خلال فترة رئاستك الثانية سيكون هذا هو أعظم إنجازاتك علي الإطلاق وسوف تذكره لك مصر بكل العرفان والتقدير, أكثر كثيرا من الاضطرار لتعديل الدستور لتمكينك من البقاء في السلطة.