أصدر المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بياناً ألقاه نيافة الأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس، وذلك أثناء تدشين قداسة البابا تواضروس الثاني لثلاثة مذابح في كنيسة السيدة العذراء وماريوحنا بباب اللوق صباح اليوم؛ بخصوص دير الأنبا مكاريوس في وادي الريان جاء فيه:”إعفاء القس إليشع المقاري من مسئوليته ويتبرأ من عادل فايز بطرس المدعو داود الرياني، وأسامة نشأت المدعو يعقوب الرياني، وتشكيل لجنة من الأنبا إبرآم والأنبا مكاريوس والأنبا إرميا للإشراف على الدير”.
وطالب البيان الجميع بالالتزام بقرار الكنيسة التي تشجع مشروعات التنمية التي تقيمها الدولة للصالح العام، مع مراعاة الحفاظ على المقدسات والمباني الأثرية والكنائس والمغائر الأثرية والقلالي، وأن تتم جميع الإجراءات في سلام وهدوء.
وفي هذا السياق كان لــ “وطني” هذا التحقيق لإيضاح الحقائق للقارئ…
صرح الدكتور لؤي محمود رئيس مركز الدارسات القبطية بمكتبة الإسكندرية لـ”وطني” بأنه سيقوم مع مجموعة تضم عدد من الأثريين ومهندسي العمارة ومرممين ومتخصصين فى القبطيات، بزيارة إلى دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان لتسجيل وعمل تقرير بحثي موثق بالصور لمباني وآثار الدير. وسيدعم هذا التقرير بتوصيات ترفع لوزير الآثار ممدوح الدماطي حتى تتخذ وزارة الآثار الإجراءات الخاصة بالحفاظ على التراث الأثري بالدير.
كانت وزارة المواصلات قد أعلنت الشهر الماضي عن عزمها بناء طريق أسفلتي يربط طريق الواحات بطريق الصعيد السريع ويخترق المحمية الطبيعية بوادي الريان بالفيوم والدير الأثري المعروف بالدير المنحوت – دير الأنبا مكاريوس السكندري – بوادي الريان. وهو ما دفع رهبان الدير لإرسال استغاثات عدة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية والمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء للتدخل والحفاظ على الدير .
رأي وزارة البيئة
فى تصريح خاص لـ”وطني” كان الدكتور خالد فهمي وزير الدولة لشئون البيئة قد علق وقتئذ بشأن قرار هيئة الطرق إنشاء طريق داخل محمية وادي الريان أن المشكلة لا علاقة لها برهبان الدير على الإطلاق فلا مساس بأرض الدير بأي حال من الأحوال، فللدير مقدساته وله احترامه وأحقية ممارسة شعائره الدينية، وإنما المسألة تكمن في وضع محمية وادي الريان لما يمكن أن يسببه الطريق من ضرر على أرض المحمية.
وأكد فهمي قائلاً:”من الناحية البيئية لا توجد أضرار لشق الطريق لأن الحياة البرية شبه أبيدت بسبب كثرة الأنشطة المقامة على أرض المحمية والزراعات لمحاصيل تعد من محاصيل وجه قبلي، ولا تجب زراعتها فت المحميات وهو ما حذرنا منه سابقاً”.
وقال إن هيئة الطرق درست ثلاثة بدائل كان ضمنها شق طريق بالمحمية وآخر يمين المحمية وآخر يسارها.. واستبعدت الهيئة البديلين الآخرين لعدم توافقهما “الهندسي وتوافقت على شق الطريق داخل المحمية .. علماً بأن وجود الطريق داخل المحمية يفرض تكلفة عالية جداًّ لتمهيده.
ورداًّ على ما أثاره الراهب داود المتحدث الرسمي باسم الدير أن الطريق سوف يمر داخل الدير مما يشق الدير إلى نصفين ويجعله أشلاء متناثرة بعد أن كان وحدة واحدة مغلقة يحوطه سور، أكد فهمي أن هذا الكلام غير دقيق بالمرة، فلن يتم المساس بمبنى الدير ولا الكنائس ولا المقدسات ولا القلايات ولا الاستراحات، وسيكون الطريق بعيداً عنها تماماً؛ فقط سيشق الأرض الزراعية التي هي في الأصل خطر يهدد المحمية منذ البداية، وموجودة في منطقة المساحات بئر 3 وبئر4 التي هي في الأصل تحت سيطرة الدولة، طبقا للاتفاقية المبرمة بين الدير والدولة لإكثار الحيوانات والحياة البرية. كما أننا من الناحية البيئية في أي محمية توجد مناطق مسموح فيها بالأنشطة ومناطق غير مسموح فيها.
وأكد الوزير أن رهبان الدير قدموا اقتراحات لطريقين بديلين يمكن لهيئة الطرق الاستفادة منها في تنفيذ مشروعها بعيداً عن أرض المحمية، منها طريق بجوار قرية قوته، وطريق آخر مدق، وبالفعل جاري تشكيل لجنة فنية لدراسة تلك البدائل من الناحية الهندسية للوقوف على مدى مطابقتها للمواصفات.
الكهوف الأثرية
الآن يقول الرهبان أن المعدات والهراسات تتأهب لإنشاء الطريق المخطط لربط طريق الصعيد الغربي في طريق الواحات، وقد اختير له مسار يمر بداخل دير أبو مقار السكندري في جنوب وادي الريان؛ مما يهدد الدير ومعالمه الأثرية التي يرجع بعضها للقرون الرابع والسادس والسابع الميلادية. وكان لـ”وطني” لقاء مع الباحث الأثري والمدرس بمعهد الدراسات القبطية وأحد المهتمين بالشئون القبطية المهندس عاطف عوض، والذي قال دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان هو الدير الذي وصفه العالم الألماني الأثري أوتو ميناردوس في كتابه الذي نشرته الجامعة الأمريكية
Christian Egypt Ancient and Modern, The Caves of The Wadi Rayan
باسم الدير المنحوت والذي ذكر فيه تفاصيل زيارته للدير وللرهبان المقيمين به آنذاك وكان على رأسهم أبونا متى المسكين. وذلك في 26 يناير سنة 1960. وفي الزيارة الثانية وصله بصحبة د. ميلفين هاربر بواسطة طائرة هليكوبتر لصعوبة الطريق البري إليه، وذكر أنه شاهد عدد من المغارات والمنشوبيات المنحوتة بالجبل، وقدر أنها تعود للقرنين السادس والسابع الميلاديين لما شاهده من البياض القديم السميك وما عليه من رسومات. هذا بالإضافة لوصفه للمغارة الكبرى التي تعود إلى القديس مكاريوس السكندري – فى القرن الرابع – وكان معاصراً للقديس مكاريوس الكبير- المذكور في سيرته أنه كان يقيم بها أثناء الصوم الأربعيني.
وذكر أوتو ميناردوس أيضاً أنه شاهد طافوس الرهبان بالمنطقة في آخر التبة قرب المنطقة المنزرعة الآن (حسب تعبيره). وقد أعيدت الرهبنة لهذه المنطقة في سنة 1958م في زيارة أبونا متى المسكين لها خلال إقامته في دير الأنبا صموئيل المعترف، الذي يبعد عن هذه البرية حوالي 30 كيلومتراً، ولكنه أقام بها إقامة كاملة مع عدد من أولاده الرهبان في عام 1960م؛ حيث أرشدهم بدو وعربان المنطقة إلى المغارة الرئيسية للقديس أبو مقار السكندري وعدة مغارات أخرى. وقد ذكر هذا الدير أيضا الكاتب الكبير د. جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر”.
واستمر كشف الرهبان للمغارات المنحوتة تباعاً منذ ذلك التاريخ حتى وصل عددها الآن إلى 16 مغارة أثرية يوجد في الكثير منها كتابات ورسومات؛ بل ووجد في إحداها جسد لأحد الآباء الرهبان القدامى مكفناً بملابسه الرهبانية.
ومن الواضح أن الرهبنة استمرت في هذا المكان طويلاً حتى أنه ورد بسيرة الأنبا خائيل البابا 46 (744-767 ميلادية) أنه كان في إيبارشية الفيوم 35 ديراً. وهذا هو نفس العدد الذي ذكره المؤرخ أبو المكارم في القرن الثاني عشر الميلادي في كتابه عن الكنائس والأديرة القديمة، وذكر أن أبعدهما كان دير الأنبا صموئيل المعترف؛ أي أن دير الريان كان يقع أيضاً ضمن حدود الإيبارشية وقتها وإن كان لم يذكر بالاسم إلا 8 أديرة و13 كنيسة، ولكننا بعد أبو المكارم بــ 50 سنة تقريباً نجد المؤرخ أبى عثمان النابلسي في القرن 13 ميلادي (عصر أيوبي) والذي حدثنا عن أديرة الفيوم وأورد أسماء13 ديراً و25 كنيسة.
وقد ورد في خريطة كتاب وصف مصر للحملة الفرنسية موقع دير الزكاوة بوادي الريان ضمن 34 ديراً في الفيوم؛ حيث يذكر أملينو في كتابه جغرافية مصر في العصر القبطي أن الأنبا صموئيل قضى فيه فترة من الوقت قبل أن يذهب إلى دير النقلون، وهذا الدير يقع في منتصف المسافة بين دير النقلون بالفيوم ودير الأنبا صموئيل بالقلمون، أي في نفس موقع دير الريان على حدود منطقة الغرق السلطاني في الفيوم.. ويذكر د. أحمد فخري في مقالة في حوليات مصلحة الآثار – المجلد 46 لسنة 1947 أن الوادي كان مأهولاً بالسكان لبعض الوقت ووجد به آثار من العصر الروماني.. وذكر أن الأنبا صموئيل المعترف كان يتردد على الوادي للتعبد فيه والدير منحوت في الصخر على غرار ما نراه في منطقة كبادوكيا في تركيا. وقد ذكر الأنبا إبرآم في رسالة الدكتوراه الخاصة به العديد من المعلومات القيمة عن هذه المنطقة.
ومن المغارات الجميلة بالجبل مغارة رقم 4 المنحوتة بالقسم العلوي بالجهة الشمالية من جبل المنقار، وبها نص قبطي فيومي قام الدكتور يوحنا نسيم أستاذ القبطيات بالجامعة الكاثوليكية بأستراليا بترجمته.
وهناك أيضاً عدة مغارات بها نصوص قبطية، ونذكر على سبيل المثال البعض منها:
ففي أحد هذه المغارات نجد نصوصاً ثبت بترجمتها أنها ترجع إلى سنة 884 – 1168م للشهداء؛ حيث أنه مذكور بها ومحدد لهذه السنة في اليوم الأول في الشهر الأول منها فنجد صورة لقديس مذكور اسمه فوق رأسه نص: أناطونى …. أفا نينام
وهناك نص آخر ترجمته: يارب بارك الإخوة الذين تعبوا في كنيسة …الأب صورون …. وأخونا أبراهام البطلمي ……..السلام للأب صورون..وهيلا.
ونص آخر تذكر ترجمته: الأب صورون الذي من القلمون وأخي بقطر …..يارب باركهم .
نص آخر ترجمته: رئيس الشمامسة مرقوريوس الذي من تابيتي أي طيبة.
هذا غير العديد والعديد من المغارات غير المكتشفة حتى الآن ومنحوتة في باطن الأرض، أو في واجهة الجبل التي تدل عليها الشواهد الأثرية.
يؤكد د.عوض أن المسار الحالي للطريق المزمع إنشاؤه يمر داخل الدير، ولابد له من صعود الجبل في منحدر شديد ليصل للجهة الأخرى الغربية ناحية طريق الواحات مدمرا فى طريقه الكثير من المغائر الأثرية التي، قد تحتوي على عناصر أثرية وتاريخية لا تعوض.
الدير أثر غير مسجل
ورداًّ على سؤال لـ”وطني” عما إذا كان لوزارة الآثار علم بأن دير وادي الريان ديراً أثرياًّ قال د. لؤي محمود أن ثلثي آثارنا غير مسجلة في الوزارة، ولذلك لا يمكن محاسبة أحد على أي إهمال وسيكون رد الوزارة أنه أثر غير مسجل وليس له رقم أو توصيف وهذه مشكلة تواجه أغلب الآثار القبطية المصرية.
وقد حدث أمر مشابه لما يحدث الآن في فترة مسئولية الدكتور زاهي حواس، وفي الطريق الصحراوي الغربي كان مقرراً أن يمر الطريق بمنطقة أبى دوس الأثرية ولكن زاهي حواس لفت لأهمية وضرورة تحاشي مرور الطريق بالمنطقة الأثرية، وتقرر عندئذ تفادي المنطقة الأثرية بعمل دوران حول الموقع الأثري، وتحملت الدولة تكاليف هذه العملية لحماية التراث الأثري المصري من الاندثار.
وأكد د.لؤي محمود أنه يثق أن وزير الآثار عندما يتم إمداده بالمعلومات الموثقة التي تثبت أن الدير بالفعل دير أثري، سيهتم بالأمر ويتخذ ما يلزم حيال ذلك.