لاتزال أزمة الحد الأدني للأجور مستمرة, وبالرغم من الحكم القضائي الأخير الذي يلزم المجلس القومي للأجور بتحديد حد أدني للأجور, وقيام المجلس بالإعلان عن400جنيه حد أدني تباينت الآراء ما بين آراء حكومية تؤكد أن مبلغ 400جنيه حد أدني للأجور خطوة جيدة, تواجهها آراء حقوقية تفيد أن 400جنيه لاتغطي احتياجات المواطن اليوم في ظل ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير.
حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة والحلول المقترحة لمواجهتها للخروج من هذا النفق المظلم…كان لـوطني هذا التحقيق.
هو عامل بسيط بشركة مطاحن جنوب القاهرة والجيزة. قرر ألا يصمت ويقتنع بجملةأهي عيشة والسلام ورفض مبدأأنا ومن بعدي الطوفان ضاربا مثالا في الشجاعة بالمطالبة بالحد الأدني للأجور لـ 1200 جنيه لكل العمال القطاع العام والحكومي والخاص, إنه ناجي رشاد عبد السلام صاحب الدعوي التي التف حولها الرأي العام.
جاءت البداية كما يقول ناجي عام2007 من خلال حركة عمال من أجل التغيير متخذين شعارعمال مصر عايزين يعيشوا علي خط الفقر وكان ذلك ليس من الغريب إذا اتخذنا تقرير البنك الدولي آنذاك مرجعا لنا حيث صرح بأن الحد الأدني للمعيشة لكل فرد هي 2دولارا أمريكيا أي لأسرة مكونة من 4أفراد 250 دولار أمريكي أي شهريا 1200 جنيه مصري أي مستوي خط الفقر وهذا ما طالبنا به.
وفي 25فبراير 2009 خطوة إيجابية هي الاتجاه إلي خالد علي المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية برفع قضية يطالب فيها الدولة بالالتزام بوضع حد أدني للأجور التزاما بالمادة 34 من قانون العمل والمادة 23 من الدستور التي تنص علي التزام الحكومةربط الأجر بالإنتاج وضمان حد أدني للأجور, ووضع حد أعلي يكفل تقريب الفروق بين الدخول.
كانت أول جلسة يوم21أبريل2009 وكانت موجهة لرئيس الجمهورية بصفته, ورئيس الوزراء بصفته ووزير التنمية الاقتصادية ورئيس المجلس القومي للأجور بصفته, وبالفعل صدرت أحكام من محكمة القضاء الإداري وأشهرها ما صدر في مارس2010 بإلزام المجلس القومي للأجور بوضع حد أدني ولكن المجلس لم ينفذ الحكم, ولذا اتجهنا إلي مجلس الدولة للاستشكال تمهيدا لرفع دعوي مباشرة بالحبس والعزل من المنصب في حالة عدم تنفيذ الحكم, وصدر حكم جديد يوم26أكتوبر2010 وفي نفس اليوم وجه المجلس دعوة عاجلة لجميع أعضاء المجلس. ويرأسه وزير التنمية الاقتصادية وتم اتخاذ قرار عاجل وغير محسوب لأية معايير مصرية بحد أدني للأجور 400جنيه وهو مالا يتوافق مع أي معيشة آدمية لأسرة مكونة من 4أو 5أفراد.
أما المحامي الذي تبني القضية وهو خالد علي فقال: القرار بصيغته التي صدر بها يمثل تحايلا واضحا علي الحكم القضائي, فبدلا من أن يقر المجلس حدا أدني للأجر في مصر وضع حدا أدني للأجر الشامل والفارق بينهما كبير, فالحد الأدني للأجر الذي صدر بشأنه الحكم القضائي يقصد به بداية الأجر أي(الأجر الأساسي), أما الأجر الشامل الذي تناوله المجلس القومي للأجور في قراره فيقصد به إجمالي ما يتقاضاه العامل من الأجر الأساسي مضافا إليه العلاوات والبدلات والمكافآت والتي يخصم منها اشتراكات:التأمين الصحي والاجتماعي, والضرائب, ورسم اشتراك النقابة, وصندوق العاملين إن وجد.
وإذا كانت هذه الزيادة التي قررها المجلس تمثل خطوة للأمام سوف يستفيد منها بعض العمال الذين مازالت أجورهم الشاملة أقل من مبلغ الـ 400جنيه إلا أنها خطوة لا تلبي طموحات وتطلعات الطبقة العاملة المصرية, ولن تساهم في رفع المعاناة الاجتماعية والاقتصادية عنهم فمضمون الحكم القضائي هو وضع حد أدني للأجور يتناسب مع الأسعار ويضمن للعمال حياة كريمة والواقع يؤكد أن مبلغ الـ 400 جنيه التي قررها المجلس باعتبارها أجرا شاملا لا تتناسب أبدا مع أسعار السلع والخدمات الأساسية خاصة أنها في الواقع سيتقاضي منها العامل مايعادل 300جنيه فقط بعد الخصومات والضرائب, وبالتالي لن تضمن للعمال والموظفين أي حياة كريمة.
اتجهنا إلي عبد الرحمن خير- ممثل اتحاد العمال في المجلس القومي للأجور لمعرفة رد الفعل والذي قال: أعتقد أن400جنيه كافية لشراء 6كيلو لحم بتلو دليلا علي عدم كفايتهم لمعيشة أي أسرة…وهذا القرار غير منصف وطالبنا ومازلنا نطالب برفع الأجور إلي 500 جنيه للعمالة غير الماهرة,و750 للعمالة متوسطة المهارة, و1000 جنيه لصاحب المهارة العالية, من خلال اختبارات مهارة يجريها أصحاب الأعمال.
ورفع عبد الرحمن خير دعوي طعن ضد قرار مجلس الأجور الأخير مستندا في دعواه علي تجاهل المجلس اعتراض ممثلي العمال علي القرار وعدم ضم العاملين في القطاع العام له مخالفا للمادة 23 من الدستور التي تكفل وضع أجر عادل لكافة العاملين في الدولة, مؤكدا عدم تنازله عن الطعن إلي أن تحل المسالة من خلال الاجتماع المتوقع بين وزير التنمية الاقتصادية وممثلي العمال, خاصة وأن هذا اللقاء من المتوقع تأخره وفقا للظروف الانتخابية القادمة.
من جانبه قال الدكتور إبراهيم عيسوي أستاذ الاقتصا بمعهد التخطيط القومي: الرقم المقترح رقم هزيل ولايوفر للعامل حياة كريمة تفي احتياجاته الأساسية, ومنذ أن فتح موضوع الحد الأدني للأجور أجريت بعض التقديرات منذ عام2008 لتحديه وكان آخر هذه التقريرات مؤسسا علي أسعار السلع الأساسية لشهر سبتمبر الماضي, وأيضا درجات الإعالة المختلفة للعامل سواء زوجة, أبناء, آباء أو إخوة وكان التقدير مشابها لما هو مطلوب1220 جنيها للفقر وفي أحد التقديرات الأخري وصل الحد الأدني للأجور إلي ضعف ماهو مقرر لخط الفقر الأعلي طبقا لقرار البنك الدولي ووزارة الاقتصاد وذلك لتوفير حياة يتخللها بعض الرفاهية.
أوضح أن المطلوب من الدولة ليس تطبيق ماهو مقترح في يوم وليلة ولكن علي الأقل الإقرار بالحد الأدني المقترح 1200جنيه, ثم تطبيقه تدريجيا في جدول زمني مع توفير مصادر أخري للسيولة وعلي رأسها الضرائب التصاعدية بشكل فعلي أو فرض ضرائب أعلي في تعاملات البورصة وعلي أرباح رأس المال القدرية مثل تسقيع الأراض والعقارات وبالتالي تعديل التشريعات واللوائح التنفيذية.
وفي ردود أفعال غاضبة تعالت أصوات العمال في عدد من التظاهرات أمام نقابة الصحفيين منددين بالقرار.
قال أحد العمال بإحدي شركات البلاستيك, إن كانت الدولة لن تكفل لنا حياة الكفاف, فصاحب العمل من حقه أن يفعل بنا مايريد من تحكمات في الأجور. فماذا سيفعل هذا الراتب الذهيد أمام متطلبات الأسرة والأبناء من مأكل وتعليم وكسوة وهي الأشياء الضرورية للحياة.
بينما قالت الدكتورة سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس: ضمان دخل مناسب للعمال هو ضمان لبنيان أسرة كاملة نظرا لأنه هو العائل الأساسي لهم وبالتالي إن كان الدخل مناسبا فتستقر الحياة الأسرية والاجتماعية بشكل عام, أما مع دخل الـ 400 جنيه فهو سيضع أسرة كاملة في فقر مدقع.
صدرت دراسة حديثة أعدها الدكتور سمير رضوان المستشار بهيئة الاستثمار وخبير في مجال العمالة والأجور اقترح فيها أن يكون الحد الأدني للأجور 656 جنيها شهريا للفرد باعتباره مسئولا عن أسرة مكونة من 4أفراد, مشيرا إلي أن هذا الرقم يعادل خط الفقر اليومي, الذي يشمل 20% من المصريين, وفقا لأسعار سنة 2008 وتبعا لتقديرات وزارة التنمية الاقتصادية والبنك الدولي.
وأوضح د.رضوان أن هذا الحد الأدني سيؤدي إلي ارتفاع نسبة الأجور إلي إجمالي الإنفاق العام من 21% إلي 29% كما يري في الدراسة الصادرة عن مركز المعلومات بمجلس الوزراء مؤخرا أن هناك خلطا كبيرا بشأن الحوار الدائر حول الحد الأدني للأجور في مصر, يتمثل أولا في عدم التمييز بين الحد الأدني للأجور في مصر ومستويات الأجر,إذ يعبر الأول عن الحد الأدني الذي يحتاجه العامل ليلبي احتياجاته الأساسية, أما مستويات الأجور فتشير إلي سلم وظيفي متدرج يتناسب مع المؤهلات وطبيعة العمل والأداء والخبرة.
من جانبه قال عبد الفتاح الجبالي رئيس وحدة البحوث الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إن الدستور وضع الخطوط الرئيسية التي يجب الالتزام بما عند رسم سياسة الحد الأدني للأجور والتي يمكنا إجمالها في أربعة محاور هي:الحق في الحصول علي أجر عادل مقابل أداء العمل وضرورة وضع حد أدني للأجور علي مستوي المجتمع ككل, كذلك العمل علي الحد من التفاوتات في الأجور وربطها بالإنتاج والإنتاجية, بالإضافة إلي وضع القانون للقواعد والأسس التي تنظم عملية الحصول علي الأجر والترقيات الوظيفية وغيرها من الأمور المرتبطة بها.
أضاف الجبالي أن التعامل مع مشكلة الأجور في مصر يجب أن يدور حول إعادة النظر في جدول الأجور والعمل علي زيادة شرائح العلاوات الدورية العالية إذ يجب أن تتضاعف هذه العلاوة لتصبح نسبة ثابتة من الدخل مع إعادة تصنيف موظفي الحكومة وتوزيعهم بطريقة اقتصادية سليمة مع العمل علي وضع برامج للتأهيل وتدريب العمال وموظفي الخدمات المعاونة وتحويلهم إلي عمالة حقيقية يمكن أن تلتحق بسوق العمل مقابل أجر أعلي وهو ما ينطبق علي الحرفيين أيضا.