شهر رمضان له خصوصيته لدى المصريين، لأن الجميع مسلمين وأقباط يستقبلونه ببهجة وفرحة، وخاصة أن رمضان لا يرتبط في أذهان المصريين بالإسلام ومناسكه فحسب، بل يرتبط أيضا بعادات وتقاليد شعبية متوارثة.. ولدوا وعاشوا في ظلالها..
و للمرأة المصرية خصوصية في رمضان تختلف عن باقي النساء في بقاع الأرض، فالمرأة المصرية كعادتها لابد وان تضع بصمتها في كل شئ، وباقتراب هذا الشهر الكريم تفضل الفتيات الاستماع إلى حكايات الجدات، وطقوسهن في احتفالات رمضان، وتجد كل فتاة تردد كلمات رنانة تتميز بها الحكايات “مثل” “كانت أيام جميلة، هما دول اللي كانوا عايشين، ياريتنا اتولدنا في الأيام دي” وغيرها من الجمل التي تشعر الفتيات أنهن يعشن حالياً أياماً بلا طعم.
وقد وافقهم الرأي الرحالة أ.ب.كلوت بك في كتابه “لمحة عامة إلى مصر”، فيقول: أن المرأة المسلمة لها حياتها الخاصة فكانت تعيش فيما يسمى “بالحرم” – وهو جزء من منزل الزوجة ولكن لايسمح لأحد الدخول عليها سوى الخدم والجواري والزوج.. والمرأة المسلمة في رمضان قديماً كانت لها طقوسها الخاصة منها كثرة العزومات وتعدد أصناف الاكل، كما أن هناك أنواع من الأكل لا تؤكل إلا في رمضان فقط مثل ” النقل ” أو ما يعرف الأن “بالخشاف” – وهو التمر والمكسرات.
كما أن المرأة قديماً كان لديها الوقت لتحضير طعام الإفطار والوقت المخصص للإهتمام بالأبناء والوقت الكافي للتفرغ إما للعبادة أو للسمر مع النساء الأخريات .
ومع مرور الوقت وتدخل التكنولوجيا في كل الأمور الحياتية تطور الأمر وتطورت الحياة بشكل سريع، فقالت مدام محمد صلاح (60 سنة ) “الوقت لم يعد فيه بركة زي زمان وخاصة في وقت العزومات حيث أقوم بإعداد طعام الإفطار قبل الموعد بيوم، كما أن العزومات قلت جداً عن زمان، كما أنه لم يعد هناك ارتباط أسري وأصبح مفكك وضعيف جداً “.
كما اكدت استاذة شيماء (30 سنة) ذلك الكلام فقالت: “رغم أن رمضان له نكهته الخاصة التي تميزه عن باقي شهور السنة ورغم أن أهم ما يميز هذا الشهر هي العزومات واللمة على مائدة واحدة، إلا أنه أصبح الأن من الصعب أن تجمع جميع أفراد العائلة فى بيت واحد، كما أن أخلاق الناس اختلفت كثيراً وأصبح الجو العام أكثر توتر وعصبية.. واعتقد ان التكنولوجيا الحديثة هي من أكبر المسببات لهذا التفكك .”
على الجانب الاخر قالت أم فادي: “إن رمضان شهر يتقرب فيه الانسان من ربه اكثر وفيه يستغل وقت الصيام بتلاوة القرآن الكريم والتسابيح والاستغفار وبعد الإفطار في الصلاة في المسجد والدعاء ، فرمضان لم يعمل لتضييع الوقت في العزومات وخاصة أن جيل الشباب هذه الأيام أصبح يفضل قضاء وقته مع اصدقائه والإفطار خارج المنزل..”
وهناك عادات “انقرضت” في رمضان أو بمعنى اخر كانت موجودة ولكن الأن لم يعد لها مكان، ومنها:
التراويح للرجال فقط:
لم يكن هناك قديماً طقوس ذهاب السيدات لأداء صلاة التراويح في الجوامع، وكانت النتيجة هو ذهاب جميع الرجال إلى الجوامع وبقاء النساء في المنازل، ليجتمعوا معاً ويقضون ساعات من الضحك وتبادل أطراف الحديث.
التليفزيون أم الإجتماعيات:
والتليفزيون رغم وجوده من السيتينات إلا أنه لم يكن الشىء الهام والشبه أساسي في حياة كل منزل، بل كان الأهم هو الخروج وزيارة الأهل والأقارب والسهر بصحبتهم بشكل يومي.. ولكن الآن الأمر أصبح مختلفاً مع وجود التليفزيون والقنوات التي لا تحصى أصبحت عملية التجمعات تتم أمام التليفزيون حول مسلسل معين.
أصناف الأكل:
من المعروف أن هروب الجميع من سؤال “هنفطر إيه النهاردة؟” نظراً لتعدد الأطعمة وبرامج الأكلات التي تقدم من كل بلد أكلة، فأصبح الاختيار صعب.. ولكن قديماً كانت القوائم متنوعة ولكنها محدودة في نفس الوقت، يمكن للنساء أثناء جلوسهن مساء معا أن يقدمن اقتراحات لمساعدة بعضهن.
المسحراتي غاب عن الشوارع:
أجواء المسحراتي وطبلته التي غابت عن العديد من الشوارع المصرية، كان هو وسيلة التنبيه الوحيدة لكل البيوت الصائمة، وبسببه كانت تقوم كل الأسر لتناول وجبة السحور، والمنبه الآن حل محله ولكنه فى بعض الأحيان يفقد صوته ولا تستطع الأسرة القيام من النوم.
مجهود الولائم أكبر:
تنظيف الأطباق وغسلها من المهام الأكثر صعوبة من تحضير الطعام نفسه، وهو ما يجعل للولائم مظاهر سيئة فى ذاكرة الجميع، وكانوا قديماً يجلسون معاً بعد الوليمة للانتهاء من تنظيف الأطباق ومساعدة صاحبة المنزل في اعادة كل شىء في مكانه الطبيعي، ولكن الان لم يعد احد يساعد .
حقا هو شهر مصري وإن كانت العادات في الشهر الكريم معظمها موروث تاريخياً من فترة الفاطميين. وإن كان بعضها يفسد روحانيات الشهر الكريم بالإسراف بالأكل والشرب والمظاهر وجعلها هي الغرض من الشهر وليس الصوم والعبادة. ولكن رمضان فى مصر مثلنا جميعا ويشبهنا.. كما يشبه كل شئ في مصر أهلها.. سواء قديما أو حديثا.. نحبه وننتظره