مولاي إني قد بسطت يدي صوته الأخاذ القوي المتميز.. كان أحد أهم ملامح شهر رمضان المعظم حتى الآن حيث يصافح آذان الملايين وقلوبهم خلال فترة الإفطار يطلق عليه أستاذ المداحين وصاحب مدرسة متميزة في الابتهالات ولقب بالصوت الخاشع، والكروان الرباني.. إنه الشيخ سيد النقشبندي صاحب موهبة كبيرة تجمع بين أصول عدة حضارات وصوته من الأصوات التي تلقي هوى في نفوس المصريين المسلمين والمسيحيين في آن واحد.. واختلاط ثقافات العرب والأقباط والحضارات الأسيوية القديمة.
عرف الشعب المصري الشيخ سيد النقشبندي وارتبط به من خلال فكرة الابتهال وهي فكرة جوهرية في نفس الشعب المصري والنقشبندي أحسن مبتهل في الخمسين سنة الأخيرة من القرن الماضي حتى الأذان للشيخ أذان مخصوص يقف في صف الكبار الشيخ علي محمود وطه الفشني والشعشاعي ومصطفي إسماعيل ومحمد صديق وعبد الباسط عبد الصمد.
ومع أحداث حرب 1973 التي وقعت في رمضان 1393 هجرياً، ظهر صوت النقشبندي في أيام رمضان وهو ينشد ويبتهل ويدعو للجنود الذين يحاربون على الجبهة في إطار مشروع فني جمعه بالملحن والموسيقار الكبير الراحل بليغ حمدي وهو من قلة الملحنين الذين يعرفون قيمة الإنشاد والمديح النبوي في الموسيقى الشعبية بل إن بليغ حمدي في تجربته مع النقشبندي حقق التلاقي الرائع بين العلم والتلقائية أوالروح الشعبية المصرية وأصبح النقشبندي علامة من علامات رمضان حتى في الأيام العادية إذا سمعت صوته تشعر بأنك تعيش ساعة ما بعد الإفطار في أيام رمضان.
النقشبندي موهبة كبيرة تجمع بين أصول عدة حضارات وصوته من الأصوات التي تلقي هوي في نفوس المصريين المسلمين والمسيحيين في آن واحد.
ولد الشيخ سيد محمد النقشبندي في قرية دميرة في طلخا في محافظة الدقهلية عام 1920، ولم يمكث في دميرة طويلا، حيث انتقلت أسرته إلى مدينة طهطا في جنوب الصعيد ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره.
وفي طهطا حفظ القرآن الكريم وتعلم الإنشاد الديني في حلقات الذكر بين مريدي الطريقة النقشبندية وهي طريقة صوفية تلتزم في حلقاتها بالذكر الصامت بالقلب دون اللسان وكان والده الشيخ محمد النقشبندي هو شيخ الطريقة عالما جليلا نسبت لاسمه الطريقة النقشبندية.
وكان سيد النقشبندي يحفظ مئات الأبيات الشعرية للإمام البوصيري وابن الفارض، وأحمد شوقي كما كان شغوفاً بقراءة الكثير من مؤلفات المنفلوطي والعقاد وطه حسين.
وكان الحفل الديني الختامي في مولد الحسين نقطة الانطلاق الفنية للنقشبندي، فقد تأكدت شهرته حينما سعت إليه الشهرة في عام 1967، حينما كثفت الإذاعة اهتمامها ببث المزيد من البرنامج الدينية، التي كانت الابتهالات ضمن فقراتها الرئيسية، وظل منخرطا في هذا العمل حتي ذاع صيته سريعا وظل ملمحاً مميزًا مصاحباً بمظاهر الاحتفالات والأيام الرمضانية حتى أن رمضان أصبح مرتبطاً بصوتين هما الشيخان رفعت والنقشبندي.
توجت مسيرته الإنشادية بالكثير من أوسمة التقدير من مختلف الدول التي زارها، كما كرمه الرئيس الراحل أنور السادات عام 1979م، فحصل على وسام الدولة من الدرجة الأولي، كما كرمه الرئيس السابق مبارك في إحدى احتفاليات ليلة القدر بوسام الجمهورية من الدرجة الأولي أيضا، فضلا عن تكريمه من محافظات الغربية التي وردت في سيرته باعتبارها مسقط رأسه فيما شكل تعارضا مع ما أشبع أنه من مواليد الدقهلية، ويذكر أن محافظة الغربية كرمته بإطلاق اسمه علي واحد من شوارع طنطا الكبري.
ورحل إثر نوبة قلبية بعد أن ترك صوته علامة شاهدة علي عصره الجميل, وذلك في 14 فبراير عام 1976 عن عمر 56 عاما, كآخر الزهاد في فن الإنشاد الديني, وهو فن تميزت به مصر في المجال الديني عن أية دولة إسلامية أخري.
[T-video embed=”_-le8hyVuow”]