توجد كنيسة أبي سيفين في شارع جامع عمرو بن العاص في منطقة مصر القديمة ضمن مجموعة الكنائس الأثرية الموجودة في هذه المنطقة، وهي الأثر الذي يحمل رقم (574) في تعداد الآثار. وتقع داخل دير أبي سيفين بالقرب من مترو الأنفاق خط حلوان المرج، شمال حصن بابليون.
وتعرف هذه الكنيسة باسم كنيسة القديس مرقوريوس وباسم الشهرة كنيسة أبي سيفين، وقد أنشئت هذه الكنيسة المهمة تاريخياً وفنياً في القرن الثامن الميلادي، ثم هدمت مع ما هدم من الكنائس القبطية خلال القرن العاشر الميلادي، ولم يبقَ من البناء الأول إلا كنيسة صغيرة في الجانب البحري على اسم القديسين يوحنا المعمدان ويعقوب المقطع.
وقد جددها الأنبا أبرام السرياني البطريرك الثاني والستون في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، تجديداً شاملاً، ثم جددها بعد ذلك أيضاً الشيخ أبو الفضل المعروف بابن الأسقف كاتب سر الأفضل شاهنشاه بن بدر الدين الجمالي، الذي كان معاصراً للأنبا مقار البطريرك التاسع والستون، والذي انتخب لكرس البطريركية سنة 487 هـ / 1094م.
وظلت الكنيسة على تلك التجديدات زمناً، ثم أحرقت سنة 564 هـ – 1168م مع حريق الفسطاط، الذي أضرمه شاور الوزير الفاطمي، وفي موقع آخر يذكر أبو صالح الأرمني، أن الغوغاء هم الذين أضرموا النار فيها؛ لكي يتمكنوا من نهب ما كان بها من أوانٍ وأمتعة ثمينة.
واستمرت آثار الحريق بها إلى أن رممها الشيخ أبو البركات بن أبي سعيد سنة 572 هـ / 1176م، فاستبدل أعمدتها الرخامية الحاملة للسقف بأكتاف من الطوب، وأعلى بناء القباب القائمة فوق الهياكل عمَّا كانت عليه.
ولأهمية تلك الكنيسة فقد كانت كاتدرائية ومركزاً لكرسي باباوات الإسكندرية من منتصف القرن الحادي عشر (عام 1047م) أيام رئاسة البابا خريستوذولوس البطريرك السادس والستون، حتى أوائل القرن الرابع عشر (عام 1303م) أيام رئاسة البابا يوحنا الثامن البطريرك الثمانون، ثم انتقلت الى كنيسة العذراء في حارة زويلة أي منذ مائتين وستة وخمسين عاماً تقريباً، وقد كان مقرر افتتاح هذه الكنيسة في ديسمبر الماضي بعد الانتهاء من مشروع الترميم، وإعادة التأهيل لإتمام المشروع وافتتاحه أمام حركة السياحة الدينية المحلية والعالمية، وقد تضمن مشروع الترميم أعمال الترميم المعماري لكافة الحوائط والأسقف والأرضيات، كما شمل الترميم الدقيق للأيقونات والأخشاب والزخارف الجدارية.
وتمتاز هذه الكنيسة عن جميع الكنائس الأخرى بأنها تحتوي على أكبر عدد من الأيقونات القبطية الفريدة على مستوى الجمهورية، فهي تضم ما يقرب من 250 أيقونة أثرية يرجع القليل منها إلى القرن الثالث عشر الميلادي، أما الأغلبية فترجع إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، في عصر أنسطاسي الرومي وإبراهيم الناسخ، ويوحنا الأرمني أعظم فناني هذه العصور.
المغارة:
في تلك الكنيسة مغارة يتم النزول إليها بسلم صغير، وهي رطبة لانخفاضها عن مستوى سطح الكنيسة بما يقرب من متر ونصف، وكانت تغمرها المياه أيام فيضان النيل، ولها مذبح قائم من الحجر حيث يذهب إليها المرضى لأخذ البركة والشفاء. وقد كان القديس برسوم العريان قد اتخذها مكانًا للعبادة مدة 25 عامًا.
وصف الكنيسة:
وتتميز هذه الكنيسة بكثير من العناصر المعمارية والزخرفية التي تجعلها تختلف عن كثير من كنائس منطقة مصر القديمة، فمازالت هياكلها مزينة بعقود ذات حشوات خشبية أثرية منقوشة برسوم بارزة دقيقة الصنع، عبارة عن أفرع نباتية وطيور وحيوانات وأسماك، وهي ترجع غالباً إلى العصر الفاطمي.
والكنيسة مستطيلة الشكل تنخفض عن مستوى الشارع الرئيسي، ويتقدم الجزء الأسفل منها خندق مستطيل الشكل مشيد من الحجر، وتتماثل واجهة الكنيسة تماما مع واجهة كنيسة الأنبا شنودة المجاورة لها إذ أن الكنيستين على صف واحد، ويحيط بهما خندق واحد، وتبدو الواجهة الغربية لكل من الكنيستين مرتفعة وبها ثلاثة مداخل متماثلة.
ويقابل المدخل الأوسط محور حنية الكنيسة الرئيسية ويعلو المداخل صف من فتحات النوافذ.
وبالكنيسة ثلاثة هياكل، الأوسط باسم الشهيد أبى سيفين، والبحري باسم القديسة العذراء، والقبلي باسم الملاك روفائيل.
وكان يوجد بها في مقدمة الصحن حجاب خشبي خاص بأماكن جلوس النساء، ثم يليه حجاب آخر خاص للرجال، وكان يحوط قسم المرتلين حاجز خشبي وصفه “بتلر” أنه قطعة فريدة الصنع في نقوش حشواته من الأبنوس وأنه جدير بالإعجاب، وقد أزيلت هذه الحواجز من أماكنها الآن والبعض انتقل إلى أجزاء أخرى من الكنيسة.
وقد تم تجديد هذه الكنيسة في القرن العشرين بعد معجزة نقل جبل المقطم أيام البابا الأنبا إبرام بن زرعة البابا الثاني والستين، بعدما خربت وأصبحت كل جدرانها آيلة للسقوط، وتحويلها إلى مخزن لقصب السكر، ورممت مرة أخرى بمعرفة لجنة حفظ الآثار وتحت إشرافها، وبالاشتراك مع البطريركية، وقد دونت تلك الأعمال والمباني التى أقيمت.
وقد بنيت الكنيسة من أكتاف ضخمة من المباني لتحمل أسقفها نظراً لزوال ما كان فيها من أعمدة رخامية، أو تحللها بسبب الحريق الذي انتابها وما لحق بها من خراب، كما تم تثبيت القباب التي تعلو الهياكل.
منظر لشكل الكنيسة
وكان لـ “وطني” لقاء مع أبونا صليب جمال مقرر اللجنة العامة لترميم كنائس مصر القديمة وكاهن كنيسة أبو سيفين بمصر القديمة، والمنسق العام بين كهنة الكنائس والاستشاريين حيث قال: إن الأنبا يوليوس أسقف مصر القديمة أعطى اهتماماً كبيراً لترميم كنائس مصر القديمة؛ فقد شكل لجنة متخصصة لدراسة أعمال الترميم في هذه الكنائس.. وبالنسبة لأعمال الترميم في كنيسة أبى سيفين يقول أبونا صليب:
بعد المشروع الأمريكي 102 لسنة 2002 والذي خفض منسوب المياه الجوفية من المنطقة، أصبحت هناك فرصة كبيرة لمعالجة الرطوبة التي ظهرت على حوائط وأعمدة الكنيسة، لذا قمنا بتقشير المحارة بالكامل لإظهار الطوب ومعالجته إذا لزم الأمر، فقد تم تغيير الطوبة المشروخة أو المكسورة بطوبة تحمل نفس المواصفات والشكل والحجم، وقد تم تحليل عناصر الطوبة الأصلية في معامل كلية الهندسة بجامعة القاهرة؛ للوصول إلى العناصر المكونة للطوبة، ويتم تصنيع هذا الطوبة من طمي النيل في أحد مصانع الطوب بالمنيا.
ولكننا فى ترميم الكنائس لا نستطيع أن نرمم الكنيسة كلها في وقت واحد لأسباب عديدة، منها وجود قداسات وخدمات واجتماعات يومية، فقمنا بالترميم على مراحل وأجزاء، وبدأت أعمال الترميم في الكنيسة ترميماً شاملاً تقريبًا من عام 1995م، فقد كانت أعمال الترميم السابقة مجرد تشطيبات من آثار رطوبة سابقة دون علاج أسباب هذه الرطوبة، فظهرت الرطوبة مرة أخرى مما جعل هناك احتياجاً إلى الترميم الشامل وبالخطوات التالية:
– تم إحضار عدد 12 عاموداً رخامياًّ من مخازن الآثار وتغيير أعمدة الكنيسة الرخامية، بعد وضع الأساسات اللازمة للتحميل، وذلك بعد عمل الصلبات والشدات الخشبية لتدعيم الكنيسة أثناء العمل.
– تم عمل الأرضيات الرخامية بنوع الحجر الطبيعي التريستا، والذي له نفس شكل الحجر الطبيعي الذي كان مستخدماً من قبل، ولكن بقوة واحتمال أربعة أضعاف ثم تم الاتجاه إلى الهياكل الثلاثة الرئيسية فقد تم فك الأرضيات القديمة، وفك رخام درجات سلالم الشرقية ومباني هذه الدرجات للكشف عن الأساسات وبنفس الطريقة.
– عمل قمصان خرسانة مسلحة للأساسات الحاملة لحوائط الشرقية وحوائط الهياكل الثلاثة، وقد احتاج هذا أولاً إلى فك الأحجبة الثلاثة الكبيرة وتغليفها، وكذلك فك الآرشات الخمسة فوق حجاب الهيكل الأوسط، وكان هذا في شدة الخطورة والصعوبة؛ لوجود فريسك خلف هذه الآرشات، وكان يحب الحفاظ عليها.
– تم تغيير البراطيم الخشبية الحاملة لهذه الآرشات ثم بناء الآرشات مرة أخرى فوق البراطيم، مع تثبيت الفريسكات التى كانت مدعمة ومقوية مكانها دون فكها، ثم إحلال تربة رملية بدلًا من الردم الذى كان موجوداً في أرضية الهياكل، ثم بناء الحوائط وترميم الشروخ التي كانت موجودة بالقباب فوق الهيكل الأوسط، وكذلك القباب فوق الهيكلين الجانبيين، وذلك بعد تأمين وتغطية جميع الفريسكات الموجودة بالهياكل.
– بناء درجات السلالم بالشرقية كما كانت وتغطيتها بالرخام البيانكو سى شاهق البياض، مع التطعيم بالرخام الأسود والأحمر كما كان من قبل، وتركيب المذابح الثلاثة من الرخام البيانكو سي كطراز أنبل الوعظ، وكذلك بنفس شكل حجاب الهيكل الأوسط، والمذبح الأوسط مدعم بأعمدة بنفس شكل وطراز أعمدة أنبل الوعظ .
– ترميم المغطس الموجود بالخورس الغربي للكنيسة، وترميم الرخام القديم الموجود، ثم وضع الإنارة المناسبة لإظهار جماله، وتم أيضاً ترميم اللقان الرخامي والموجود بالثلث الأخير من صحن الكنيسة، وأيضاً وضع الإنارة المناسبة له ثم وضع الزجاج السيكوريت بسمك 7 سم للمغطس، وسمك 5 سم للقان لإمكانية المشي عليها وظهورها بالشكل الحالي والموجود بالكنيسة.
– بالنظر لأعمدة الكنيسة والتي عليها رسوم وأيقونات أثرية لقديسين ولا نستطيع تغييرها، فقد قمنا بعمل الترميم اللازم لها مع تحزيمها بأطواق من حديد من أسفل وأعلى، وبالنسبة للأرضيات فقد تم نزعها للنظر على الأساسات بعد موافقة هيئة الآثار، وتم عمل قمصان حول قواعد الأعمدة، وعمل سملات لربط الأعمدة في شبكة واحدة مع المبنى وحقن للأساسات والحوائط، وبعد ذلك تمت معالجة الأسقف وغالبيتها من الأخشاب، وتم تغيير التالف منها بخشب عزيزي مجفف لتحمله وعدم التوائه أو انحنائه، وعمره أطول من أي نوعية أخرى من الخشب .
الشدات الخشبية لتدعيم الكنيسة اثناء العمل
وعن اعمال الترميم الدقيق يضيف ابونا صليب
احتجنا في أعمال الترميم الدقيق إلى وقت كبير إلى جانب متخصصين وميزانية كبيرة لزوم خامات الترميم غالية الثمن مع أسعار مرتفعة من فنانين متخصصين فى أعمال الترميم الدقيق بمصنعيات كبيرة، فتمت في البداية تغطية الأحجبة وفكها ووضعها في أماكن آمنة داخل الكنيسة، وكذلك فك الأيقونات من الحوائط ووضعها بطريقة صحيحة وتغليفها بالإسفنج والفوم والابلاكاش، وحصرها وتوثيق أماكنها ثم وضعها في مخزن خاص بالكنيسة، وأيضاً تغطية الفريسكات (اللوحات الجدارية) بالشاش والفوم، ثم الأخشاب لحمايتها من أي صدمات قد تحدث أثناء الترميم، وأيضاً تغليف المقصورات الخشبية في الأماكن المراد الترميم بها أو نقلها إلى مكان آخر إذا ما تم الاحتياج إلى ذلك. وبعد الانتهاء من ترميم الكنيسة إنشائيا ومعماريا قمنا فى المرحلة الأخيرة بأعمال لترميم الأيقونات، وإظهار جمال الفن القبطي من فريسكات، كذلك نظافة أخشاب أحجبة الكنيسة بعد إعادة تركيبها وبترميمها عن طريق متخصصين على أعلى مستوى فى الترميم الدقيق وبإشراف من الدكتور شوقى نخلة صاحب الخبرة الكبيرة فى أعمال الترميم الدقيق مع ترميم ونظافة المقصورات الخشبية والبلدكين، وهى القبة الخشبية الموضوعة فوق المذبح الأوسط ومعالجة جميع الأخشاب في الكنيسة عن طريق نصب سقالات بارتفاعات كبيرة داخل الكنيسة لنظافة الأحجبة والأخشاب ومعالجتها من السوس بدهانات كيماوية مخصوصة ليس لها لون لقتل السوس فى جميع مراحل نموه، وكذلك تعليق الأيقونات فوق الأحجبة وعلى حوائط الكنيسة مرتبة حسب طقس دورة الصليب، بعد ترميمها ومعالجتها واحدة تلو الأخرى في مكان خاص داخل الكنيسة يحافظ على الخامات والأيقونة فى وقت واحد، مع وضع تصميم إنارة مناسبة لها وتتكلف الأيقونة الواحدة حوالى 15 ألف جنيه ولكنة يعطي ويضفي على الأيقونة جمالاً رائعاً بحيث تجد الأيقونات مضاءة إضاءة خافتة تشد انتباه الزائر.
كذلك تم تغير شبكة الكهرباء بالكامل من انارة وبرايز وصوتيات والدوائر التليفزيونية انتظارا لافتتاح الكنيسة فى اجمل صورة.
المتبقي من أعمال الترميم في الكنيسة يقول أبونا صليب:
هيئة الآثار التى كانت دائما تعرقل أعمالاً كثيرة بترميم الكنيسة وخاصة بعد الاختراقات التى تمت أثناء عصر الرئيس المعزول محمد مرسى وإلى الآن توجد هذه العقبات، والتى قررت اللجنة الدائمة وقف أعمال الترميم الباقية لكانت الكنيسة قد أنهت أعمال الترميم الشامل منذ سنوات عديدة وخاصة أنه بعد توقف الأعمال منذ عامين أيام الرئيس المعزول محمد مرسي، تم تجهيز تقارير من معامل كلية الهندسة في جامعة القاهرة – عن طريق استشاريين من أساتذة الهندسة معماريين وإنشائيين، ومتخصصين ترميم دقيق كلجنة هندسية عامة على مستوى مصر القديمة – بصلاحية مواد الترميم التى سوف تستخدم، إلا أنهم أعادوا قرار وقف الأعمال وبدون أسباب، فالباقي من أعمال ترميم الكنيسة هو تركيب أرضيات كنيسة مار يعقوب المقطع بالجهة البحرية للكنيسة، وذلك بعد إنهاء الأعمال الإنشائية والمعمارية بالكنيسة وشراء الأرضيات من الحجر الطبيعي التريستا مثل باقي أرضيات الكنيسة، وإذا تم تركيب الأحجبة في أماكنها وتركيب حجر المذابح ثم أعمال الترميم الدقيق بالكنيسة من نظافة الأحجبة، وبعض الفريسكات القليلة بهذه الكنيسة للبدء بالصلاة فيها .
والآن فى طريقنا للشكوى لرئاسة الوزراء ووزير الآثار ووزير السياحة للبدء بأعمال الترميم بعد توقفها وبدون أسباب؛ مع العلم بأنه لم يتم عمل أية مخالفة فى أعمال الترميم و لا مجرد إنذار طوال هذه السنوات، ولكن هو التعنت ودون دراسة وافية لصالح البلد التي تدعو باستمرار إلى تنشيط السياحة فى هذه الأماكن المقدسة والأثرية.
ويتبقى أيضاً هو تركيب أسانسير كهربائي في بئر السلم المؤدي إلى الدور الثاني، وهذا لخدمة كبار السن ومساعدتهم في الصعود للدور الثاني، وأيضاً أوقفتها اللجنة الدائمة للآثار، وأوقفت اللجنة الدائمة أيضاً تشغيل هذا التكييف مع العلم أن المتبقي هو أعمال التوصيلات والدكتات الخاصة للتكييف فقط، ثم تشغيله مهددين بعمل محاضر ضد الآباء كهنة الكنيسة، ويمكن أن تصل إلى سجنهم إذا تم استكمال الأعمال بدون موافقتهم مع بقية أعمال الترميم الدقيق بالكنيسة كلها، وترميم و تعليق بقية الأيقونات بالكنيسة و التى نعمل بها الآن ولكنها تأخذ الوقت الكافي لإنهائها.