تعتبر ألوان “قوس قزح” من الألوان الجاذبة، والتي تلفت الأنظار، وكنوع من التعبير عن تواجدهم وهويتهم، عمل المثليون “الشواذ” على استخدام علم بألوان “قوس قزح” للتعبير عنهم وليكن رمزا لها، بأنهم علامة واضحة وغير مستترة في المجتمعات، التي يتواجدون فيها، وعندما تقوم أي محلات أو مطاعم في المدن الغربية، بوضع علم “قوس قزح”، فيكون من المعروف أن هذا المحل أو المكان مخصص للمثليين.
إن تناول قضية المثليين، خاصة بعد أن اصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكماً بزواج الشواذ، يتطلب نقاشا ثقافياً وتفكيراً عميقاً، بعيداً عن الأفكار السريعة التجهيز، غير العميقة. إذ أن التركيز على مسائل الحب والنعمة والتواضع والحقيقة، التي تتيح للناس إقامة علاقة حقيقية مع الله، هي ذات المسائل، التي تجعل رجل وإمرأة يقيمان علاقة -طبيعة – أقرتها الطبيعة ووافقت عليها الأديان السماوية.
فعقب حكم “قانون” المحكمة العليا الأمريكية لزواج المثليين “الشواذ”، ظهر بعض السياسيين الرسميين في الولايات المتحدة مثل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وكندا – من المعارضة الليبرالية لرئيس الحزب الليبرالي الكندي جاستان ترودو – يضعون صورهم على خلفية علم قوس قزح، تعبيراً عن تأييد هذا الحكم، على حساباتهم على وسائل التواصل الإجتماعي.. علاوة على مؤسس الفيسبوك نفسه مارك زوكربرج. وبدأت خلفية علم الشواذ تنتشر على وسائل التواصل الإجتماعي، حتى في الدول العربية والشرق أوسطية، سواء بعلم أو بدون علم، لأن دلالة هذه الصورة أنها تمثل الدعم لحقوق الشاذين في الغرب.
وأضيء البيت الأبيض الأمريكي بألوان علم المثليين ليلة الجمعة 26 يونيو الجاري، بعد أن قضت المحكمة العليا بالسماح بزواج الشواذ جنسياً في كامل البلاد. ويشار إلى أن زواج المثليين كان مشروعاً في مقاطعة كولومبيا و36 ولاية فقط، مما يعني أن قرار المحكمة العليا سيرفع الحظر عنه في باقي الولايات الـ14
ولا يجب أن يكون استخدام وسائل التواصل الإجتماعي، هي المصدر الرئيسي للحوار الثقافي، خاصة وأن قدر من المعلومات الوارده به ليس بالعمق والتحليل، الذي يعطي للقضايا جوانبه الجادة والمصيرية. إن النقاش والحوار الثقافي لأى قضية محورية يتطلب أن نتعلم كيفية مناقشة القضية، والبحث عن المعطيات المباشرة والمحيطة، حتى نستطيع تحليلها وتفهمها.
قصة ألوان علم قوس قزح
تعود قصة ألوان علم “قوس قزح ” Rainbow flag، إلى أنه علم متعدد الألوان، بشكل أفقي يجسد ألوان قوس قزح. ورغم اختلاف ألوانه أحيانا، إلا أن الألوان الثابتة فيه هي: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي والبنفسجي. وأحيانا يضاف إليه السماوي. يعود استخدام علم قوس قزح لثقافات مختلفة، حيث اتخذ شعارا يشمل التنوع والشمولية للأمل والتطلع.
هناك العديد من الأعلام التي لا ترتبط بشكل مباشر بعلم قوس قزح في يومنا هذا، ومن أشهرها علم فخر “إل جي بي تي” المستخدم من قبل المثليات والمثليون وثنائيو الجنس والمتحولون جنسياً، التي يستخدمها مثليو الجنس الفخورون Gay pride؛ أو علم السلام، والذي تتعدد أشكاله، ومن بينها علم قوس قزح للسلام، الذي استخدم للمرة الأولى في مظاهرة سلام بإيطاليا عام 1961؛ أو الذي يستخدمه التحالف الدولي التعاوني International Co-operative Alliance؛ كما يستخدمه أيضا الأمريكيون الأصليون “الأنديزيون” في أمريكا اللاتينية، تعبيراً عن تراث حضارة الإنكا ويعرف باسم وبهالا Wiphala.
ألوان متغيرة حسب المصالح والأهواء
وتعود فكرة الاحتفال بهذا القرار أو التضامن معه بوضع ألوان “قوس قزح”، لكونه رمز “المثلية” وألوان علمهم الخاص، الذي كان في أصله مكونا من 8 ألوان. وتم تصميم أول قوس قزح “العلم” عام 1978 من قبل جيلبرت بيكر، وهو فنان سان فرانسيسكو، للتعبير عن “فخر المثليين”- كما يطلقون عليه.. وذلك بعد اغتيال هارفي ميلك في نوفمبر 1978، وكان أول شخص مثلي قد أعلن عن نفسه، ينتخب لمنصب حكومي في أمريكا، بعد أن فشل في الفوز بالمنصب 3 مرات، فاز ميلك بمقعد في مجلس المشرفين، بالهيئة التشريعية لبلدية سان فرانسيسكو عام 1977.
كان للألوان الثمانية دلالات خاصة، حيث اعتبروا كل لون يمثل أحد مكونات المجتمع المتنوع، الذي تختلف فيه الأذواق الفردية، فالوردي يعبر عن الجنس، والأحمر يرمز للحياة، والبرتقالي لتضميد الجراح، والأصفر للشمس، والأخضر للصفاء مع الطبيعة، والفيروزي للفن، والنيلي لتحقيق الوئام، والبنفسجي للروح.
وفي عام 1999، أصبح العلم “قوس قزح” مكوناً من 7 ألوان بدلا من 8، ويرجع ذلك إلى عدم توفر اللون الوردي تجارياً وقت تصنيعه (كما قيل أنه تمت إزالة اللون الوردي من العلم، قبل انتشاره بصورة كبيرة، لأنه كان يرمز للمثليين في السجون النازية)، ثم أخذت التغيرات تطرأ عليه حتى صار ستة ألوان وهم: “أحمر، برتقالي، أصفر، أخضر، أزرق، وبنفسجي”. وتختلف الرموز التي توضع على الألوان الستة من مكان لآخر، فيضيف البعض علم بلده إلى جانب الألوان، وهناك من يضع اللون الأسود ليذكرهم بضحايا مرض الإيدز من المثليين.
استوحى جيلبرت بيكر فكرة العلم من “علم الجنس البشري – علم الأجناس”، الذى استخدم عام 1960، في مظاهرة كبرى دعت إلى السلام العالمي، وكان يتكون من 5 ألوان هى: “الأحمر والأسود والبني والأصفر والأبيض“.
فعلى مدار التاريخ استخدمت الحركات المدافعة عن حقوق مثليى الجنس، الألوان الزاهية للإشارة إلى مجموعتهم، حيث يعتقد أن زهرة القرنفل استخدمها سكان لندن وباريس فى أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20، للتعبير عن ميولهم الجنسية الشاذة. ووصف الروائي روبرت هيتشنز ظاهرة “الشذوذ الجنسي” في عام 1894 بالأخضر القرنفلى. وتم استخدام اللون الأصفر لنفس الظاهرة الجنسية في أستراليا. وخلال فترة النازية، اضطر مثليو الجنس من الرجال لارتداء المثلثات الوردية. ومنذ ذلك الحين اعتبر هذا اللون من قبل المجتمع رمزا لمثليى الجنس. كما أصبح الأرجوانى رمزا شعبيا وفخرا المثليين فى الستينيات والسبعينيات.
الأمم المتحدة وحقوق المثليين
هناك ما يقرب من 18 دولة على مستوى العالم، منها 13 دولة أوروبية تسمح بزواج المثليين، وهذه الدول هي: هولندا (2001)،ةبلجيكا (2003)، إسبانيا وكندا (2005)، جنوب إفريقيا (2006)، النرويج (2008)، السويد (2009)، البرتغال (2010)، آيسلندا والأرجنتين (2010)، الدنمارك والمكسيك (2012)، فرنسا، أوراجواي، نيوزلندا والبرازيل (2013)، بريطانيا (إنجلترا وويلز واسكتلندا فقط) (2014)، وعام 2015 كانت الولايات المتحدة. ويأتي هذا في الوقت الذي خصصت فيه الأمم المتحدة يوم 17 مايو من كل عام يوما للحقوق المثلية. وطالب بان كي مون الأمين العام للمنظمة الدولية بوقف جميع أشكال التمييز ضد المثليين في العالم.
قوس قزح: الشواذ يسطون عليه “لويا” للحقائق
إن النقاش والحوار الثقافي يتطلب قدراً أكبر من توسيع دائرة النقاش، للتعرف على الأبعاد التاريخية لدلالة قوس قزح. وترى المجتمعات الغربية المسيحية الثقافة والتربية، أن قوس قزح يحمل دلالات دينية، قام الشواذ بالسطو عليها، فهم في منذ البداية نشأوا في مجتمعات مسيحية الثقافة والهوية، وعندما حاولوا إثبات هويتهم، لم يجد إلا دلالات دينية، للسطو عليها و”لوي” الحقائق” للدفاع عن مصالحهم.
هنا يقول كين هام هو مؤسس ورئيس الهيئة الأمريكية Answers in Genesis، أن قوس قزح ترمز إلى 3 مفاهيم: أولا المواعيد كما سجلها الكتاب المقدس في سفر التكوين إصحاح 9، فيما يخص وعد الله لـ “نوح” بألا ينقرض كل ذي جسد مرة أخرى بمياه الطوفان، وثانياً الأساطير الفلكلورية والمحلية مثل الأستراليون والهنود الأمريكيون الذين يربطونه بأحداث الخليقة، وثالثاً الجسور فقوس قزح يرى كجسر يربط بين الأرض ومكان أكثر سعادة وإنارة، كما تستخدمه بعض الحركات الدينية. واستخدم قوس قزح كرمز يشير إلى عهد جديد للمحبة والسلام والحرية، لكن للأسف سطا عليه الشواذ، واستخدموا ألوانه في الإشارة إلى أنفسهم.
ويشير عدد من مفسري الكتاب المقدس في الغرب الرافضين للشواذ، باعتبار ظاهرتهم مخالفة للطبيعية البشرية، التي خلق عليها الله الإنسان، إلى أن معنى القوس قزح الحقيقي نجده معلناً فى سفر التكوين، الإصحاح 9 : الآيات 12 ـ 15 : “هذه علامة الميثاق الذى أنا واضعه بينى وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر. وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض. فيكون متى انتشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب اني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية فى كل جسد فلا تكون أيضا المياه طوفانا لتهلك كل ذى جسد“.
قال جون جيل أحد مفسرى الكتاب المقدس قال عن قوس قزح “بما أن به ألواناً متنوعة وجميلة، فقد يرمز إلى السيد المسيح المملؤ نعمة وحق، وأجمل من كل بنى البشر، وقد يرمز إلى السلام والصلح الذى تم بواسطته، ينظر الله إليه فيذكر ميثاق نعمته، الذى أقامه مع مختاريه ويحيط قوس قزح بعرش الله ومدخله”. ويعلن لنا الكتاب المقدس أن قوس قزح يرمز إلى السيد المسيح فى سفر حزقيال، الإصحاح 1، الآيات 26 ـ 28. وفى سفر رؤيا، الإصحاح 4، الآيات 2 ـ 3، رأى “يوحنا” المسيح متسربلا بالسحاب وقوس قزح على رأسه. وترى المجتمعات الغربية أنه حين تشاهد قوس قزح، فإن هذا يذكرنا بإدانه الله للخطية، أدانها بطوفان كونى فى أيام “نوح” لكنه رحيم وأقام ميثاق نعمة مع “نوح”. في حين أن قوس قزح، الذى يشير إلى السيد المسيح يذكرنا بهبة الخلاص المجانية.
رفض واسع من الأوساط المحافظة واليمينية
في مقابل هذه الاحتفالات، فقد عبرت شخصيات مسيحية وسياسية عن رفضها القاطع لهذا القرار، واعتبروه نوعاً من الشر الكبير، يهدد بزوال وسقوط أمريكا. وقال جون روبرتس ـ أحد أعضاء المحكمة الدستورية العليا ـ معلقاً على القرار: “المحكمة أعطت لنفسها الحق في تغيير قوانين الزواج في نصف الولايات المتحدة، وأمرت بتغيير البنية الاجتماعية التي كونت المجتمعات البشرية منذ بدء الخليقة، بداية من قبائل البوشمن في صحراء كالهاري والهان في الصين وحتى الأزتيك. واختتم حديثه بالسؤال من نظن أنفسنا حتى نفعل ذلك.”
في هذا السياق، أصدر 100 قس إنجيلي أمريكي، وثيقة، يرفضون فيها قرار المحكمة بإلزام الولايات الخمسين بالموافقة على زواج المثليين. وقالت الوثيقة: إن “قرارات المحكمة العليا تدفع باتجاه مخاطر لا حصر لها، تؤدي إلى التحلل السريع للبنية المجتمعية، لكون أن الكتاب المقدس يعلم بوضوح عن ذلك الحق الثابت والدائم، بأن “الزواج يتكون من رجل واحد، وامرأة واحدة”. أما العضو السابق بمجلس النواب عن الحزب الجمهوري سالي كورن، فرأت أن المثلية الجنسية تهديد كبير للأمة أكبر من الإرهاب.