– بوتين صديق مصر والسيسي .. والوصول للرأي العام الغربي أهم من أوباما وكاميرون
أثار قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صديق مصر والرئيس السيسي، وقف الطيران المدني السياحي إلى مدينة شرم الشيخ، العديد من التساؤلات، خاصة وأن القرار جاء بعد القرار المغرض من جانب حكومة بريطانيا وقف الطيران المدني فوق سيناء وعودة جميع السياح البريطانيين في مصر، خلال توقيت محرج للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان في زيارة رسمية لبريطانيا.
هذه القرارات تثير العديد من التساؤلات، يجب على صانع القرار المصري التصرف حيالها، خاصة وأن الأمور تبدو من جانب بريطانيا، كمخلب قط، مدعوم بتصريحات مماثلة من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي يثير فرضيات أن تنظيم داعش قام بعمل تفجير في الطائرة الروسية، التي سقطت في سيناء. والدعاوي البريطانية والأمريكية علي الرغم من وجاهتها العملية، إلا أنها مغرضة، وتضر بمصر، خاصة وأن كل منهما لندن وواشنطن لم تتعاون مع مصر في مجال مكافحة الإرهاب، وتوظف تصريحات المسؤولين بها علي مستوى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الأمريكي أوباما، للإضرا بمصر، أكثر من تقديم أدلة منطقية وواقعية، حتى لو أن فرضية تفجير داخل الطائرة من قبل عناصر إرهابية من داعش أو غيرها من التنظيمات، فإن الأمر يتطلب تعاون وتنسيق مع الإدارة المصرية، وليس إضرار بصورة وسمعة مصر.
كيفية مخاطبة الغرب
يبدو أن دوائر صنع القرار الرسمي والشعبي والإعلامي في مصر، عاجزة عن مخاطبة الغرب، على مستوى الرأي العام وصانع القرار الغربي. وأصبحت وسائل الإعلام المصرية، العديد منها، عبئا على الرأي العام المصري، وصانع القرار، فهي تغرق في المحلية، وفاشلة عن مخاطبة سواء السياح الأجانب في مصر، أو الرأي العام في الغرب. والإغراق في هذه القضايا المحلية، والتشكيك في كل شئ، وعدم الموضوعية في مناقشة أى فرضيات، سيزيد من فشلها في تحسين صورة مصر في الخارج، وهو أمر ضروري ومحوري، لمواجهات مؤامرات بعض الدول الغربية المدافعة عن تنظيمات وقوى الإرهاب ممثلة في داعش وجماعة الإخوان المسلمين.
علي الرغم من التروي الكبير، الذي تمتع به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إعلان قرار وقف الطيران المدني إلى شرم الشيخ، باعتبار صديق الرئيس عبد الفتاح السيسي، وصديق مصر التاريخي، إلا أن التوصيات التي رفعها رئيس جهاز المخابرات الروسي، فرضت عليه وضعية اتخاذ هذا القرار، بعد التنسيق مع مصر والتواصل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدلا مع احراجه كما فعلت بريطانيا خلال زيارة السيسي للندن، واتخاذ قرار اجلاء السياح ووقف الطيران، دون أن تقدم دليل عملي واحد، وكان أولي بها لو تريد مصلحة الأمن العالمي ومكافحة الإرهاب الدولي، التنسيق مع الأجهزة المصرية، قبل اتخاذ مثل هذا القرار.
بداية الحكاية
بداية الحكاية تعود عندما سقطت السبت الماضي طائرة ركاب روسية، على متنها 224 سائحا روسيا، على شبة جزيرة سيناء، وإعلان تنظيم الدولة الإسلامية داعش مسؤولية عن الحادث، رغم نفي السلطات المصرية، لأن الطائرة كانت علي ارتفاع 30 ألف قدم، حيث لا يمتلك داعش أى قدرات عسكرية لاسقاط طائرة علي هذا الارتفاع.
لكن أجهزة المخابرات الغربية، وتحديدا البريطانية والأمريكية، سربت معلومات أن جواسيس بريطانيين وأمريكيين التقطوا “دردشة” من أشخاص يشتبه بأنهم متشددون، وحكومة واحدة أخرى على الأقل، تشير إلى احتمال أن قنبلة ربما كانت مخبأة في مخزن الأمتعة هي سبب الحادث. وقالت المصادر المخابراتية، التي لم تفصح عن هوايتها صراحة، بسبب حساسية الموقف إن الدليل ليس قاطعا، وإنه لا يتوفر دليل جنائي أو علمي يدعم نظرية القنبلة.
إلغاء رحلات الطيران لشرم الشيخ
أعقب هذه التسريبات، أن أوقفت بريطانيا -التي تقول إن قنبلة زرعها تنظيم موال للدولة الإسلامية ربما تكون سبب الحادث- وأيرلندا وألمانيا وهولندا رحلاتها المنتظمة إلى شرم الشيخ، التي أقلعت من مطارها الطائرة المنكوبة. وقالت تركيا إنها ألغت أيضا جميع رحلات الطيران إلى ذلك المنتجع المصري.
وقد يكون القرار -الذي تلا قرارات مماثلة من بريطانيا وغيرها بوقف الرحلات من وإلى شرم الشيخ- أول بادرة بأن موسكو بدأت تؤمن بمصداقية افتراض أن متشددين إسلاميين زرعوا بطريقة ما قنبلة على متن الطائرة. لكن الكرملين قال إن القرار لا يعني أن هجوما إرهابيا هو سبب الحادث.
تروي الموقف الروسي والتنسيق مع مصر
وسبق للكرملين القول إنه من السابق لأوانه الجزم بسبب سقوط الطائرة، وإنه من الضروري أن يدرس التحقيق الرسمي جميع الافتراضات، وبينها احتمال حدوث خلل فني. وقالت مصر أيضا إنه من السابق لأوانه الجزم أن انفجارا تسبب في سقوط الطائرة.
وكان بوتين قد تبادل العديد من الاتصالات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، للتنسيق والتعاون بشأن هذا الموقف، خاصة في ظل الصداقة والتحالف الجديد بين القاهرة وموسكو، الذي يمثل إرعاجا لواشنطن وبعض القوى الغربية. إلا أن تروي الرئيس بوتين، بعدما أوصى ألكسندر بورتنيكوف رئيس وكالة الأمن الاتحادي الروسي السلطات بتعليق كل رحلات الطيران المدنية إلى مصر، إلى أن تعلم على وجه الدقة سبب سقوط الطائرة، كان يمثل عنصر ضغط علي بوتين أمام الرأي العام الروسي، لاتخاذ قرار إيقاف الطيران. إذ نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن دميتري بيسكوف المتحدث باسم بوتين قوله “رئيس الدولة وافق على هذه التوصيات”. ويبدو أن بوتين وافق علي هذه التوصيات علي مضض، لأن يعلم أن هذا الموقف يمثل إحراجا لصديق السيسي. إلا بوتين خلال ساعات قليلة من قرارا نشر الكرملين بيانا صحفيا يؤكد فيه إجراء اتصال تليفوني بين الرئيسين بوتين والسيسي للتنسيق والتعاون بشأن الموقف، ويعطي إشارة قوية علي متانة الصداقة والتحالف بين القاهرة وموسكو، وأن هناك محادثات ستبدأ بين موسكو مع السلطات المصرية لتحسين إجراءات سلامة الرحلات. وقال بيسكوف للصحفيين إن إيقاف الرحلات سيستمر إلى أن يشعر الكرملين بارتياح أنه تم تحسين إجراءات الأمن بدرجة كافية.
من يراجع أداء الأجهزة المصرية والإعلام
هذه التطورات الحرجة، والموقف الذي تعرض له الرئيس السيسي، يطرح العديد من الأسئلة حول أداء الأجهزة الرسمية المصرية في القطاعات الحساسة مع الخارجية والأجهزة السيادية، وهل هذه الأجهزة، التي ثبت وضعف أدائها بعد ثورتين، وأنها ربما تكون حاضرة بين عموم الشعب، بفعل صورة ذهنية تاريخية، إلا أن التنظيمات الإرهابية، بعد أن وصلت جماعة الإخوان لسدة الحكم، وتقلدت مفاصل صنع القرار لفترة من الزمن، وتعرفت علي أسرار داوئر صنع القرار والأجهزة السيادية المصرية، أصبحت هذه الأخيرة في حاجة لإعادة النظر، لضمان عدم اختراقها، أو ضعف أدائها، خاصة وأن مصر دولة محورية، وهناك قوى غربية معروفة مثل بريطانيا وأمريكا تدعم قوى إرهابية مثل داعش والإخوان عبر وكلائها في المنطقة ممثلين في قطر وتركيا وأحيانا السعودية، خاصة بعد الموقف المصري الأخيرة من سورية ونظام الرئيس بشار الأسد؟
هذه التساؤلات تمتد لتغطي دور الإعلام المصري، الذي في قطاع منه، مغرق في المحلية، لتزييف الوعي والرأي العام المحلي، مقابل فشل كبير في مخاطبة الرأي العام العالمي. فالكل يعرف مدى الدعم الغربي الأمريكي والبريطاني وغيرها من الدول الغربية لتنظيم داعش الإرهابي، لكن المواطن في المجتمعات الغربية لا تصله هذه المعلومات، وإذا وصلت إليه فإنه في حاجة لدلائل واقعية، وليس مجرد “غسيل دماغ” كما يحدث مع قطاع من الرأي العام المحلي. ويكفي أن نعرف مدى مدى قوى الرأي العام الكندي، وتوجهات حزب الليبراليين الكندي، والتي تعتبر علي المستوى الأيديولوجي متوافقة مع توجهات الحزب الديمقراطي الأمريكي الحاكم، وعلى الرغم من ذلك اتخذ رئيس الوزراء الكندي قرار بوقف مشاركة كندا في ضرب تنظيم داعش لأنها غير مجدية، ولأنه من الأولي مواجهة قوى الإرهاب بدءا من كندا، لضمان الأمن الداخلي، وهو ما سبب حرجا وضيقا كبيرا لدى الرئيس الأمريكي أوباما.
الإعلام المصري في حاجة مع الأجهزة المصرية، لمخاطبة عقلية الرأي العام الغربي، وصناع الراي العام في الغرب، من كبار الكتاب والمثقفين والمراكز البحثية، التي تبحث عن الحقائق ويهمهما دورها في مساعدة الرأي العام، لأنها تدرك حقيقة مطلقة أنه لن يجلس أى حزب سياسي بصورة دائمة علي كرسي السلطة مدى الحياة في المجتمعات الغربية، مثلما يحدث في المجتمعات الأخرى، ومنها مجتمعات الدول العربية.
الأجهزة السيادية المصرية، تلعب دورا مهما ومحوريا في حماية الأمن القومي المصري، وتتمتع بوجود كفاءات عالية للغاية بها، ولكن يبدو أن هناك أمور تحتاج للمراجعة والتنسيق، وخبراتها الكبيرة تجعلها مؤهلة لاتخاذ قرارت يثق الغالبية فيها لضمان الأمن القومي المصري، ضد أى قوى أو دول أو تنظيمات إرهابية لا تريد الخير للمجتمع والدولة المصرية.
الوصول للرأي العام الغربي للتأثير علي صانع القرار
وعلي هذه الأجهزة والإعلام المصري أن تعي أن المجتمعات الغربية نفسها تعلي وتعطي الأولوية للأمن الداخلي علي فكرة حقوق الإنسان، التي يستخدمها الغرب ككارت للضغط علي المجتمعات العربية، ومنها المجتمع المصري، ففي الغرب إذا تهدد أمن المجتمع الداخلي فلا مجال للحديث عن حقوق الإنسان، لأن ظاهرة جمعيات المجتمع المدني في الغرب تختلف كلية عن مصر، ففي مصر بعض هذه الجميعات ذات أجندات مغرضة بسبب تمويلاتها من دول غربية. في حين أن تمويلات الجميعات الأهلية هنا، وخاصة النقابات، والتي تشبه في عملها أنظمة جماعات الضغط، هي جماعات للدفاع عن مصالح فئات معينة. علما بأن جمعيات المجتمع المدني دورها هنا في الغرب أكثر للتوعية، أكثر منه “لتجريس الحكومة”، فهي تعمل علي التواصل مع الإعلام، للتركيز علي قضية معينة، لإيصالها للرأي العام، ليكون هذا الأخير صانع الضغط علي الحكومة، ولا تجرؤ دولة أجنبية التدخل في الشأن الداخلي للحديث عن قضية معينة، مثلما تفعل أى دولة غربية للحديث عن إجراء إصلاحات في مجال سياسي أو غيره، مقابل تقديم المعونات والقروض والمنح.
الإعلام المصري والأجهزة المصرية والشخصيات العامة والأدباء والمثقفين والعلماء المصريين ذوي المكانة الدولية، في حاجة لجمع المواطنين المصريين حول صانع القرار من ناحية، ومخاطبة الرأي العام وصانع القرار الغربي، لإيضاح حقائق يجهلها الرأي العام الغربي، والذي هو أقوى بكثير من صانع القرار في الغرب. وإذا نجحت مصر في الوصول إلى قطاعات يعتد بها من صناع القرار الغربي، فإنها ستستطيع التأثير عن صانع القرار في الدول الغربية.