– عزوف المواطن العربي عن فن المسرح لا يرجع لأسباب اقتصادية
– المسرح العربي يتفقد استخدام التقنيات الحديثة عدا تونس
من منطلق أن الفن هو القوى الناعمة للبلدان العربية، له تأثيره الكبير على الشعوب. وبخاصة المسرح، فله تأثيره المباشر للمتلقى والممثل معا. تقام له العديد من المهرجانات فى البلدان.
ولرؤية بعض تفاصيل الفن العربي عن قرب بصورة أوضح، أجرت “وطني نت” حوارًا، مع دكتور سعيد نصر سليم – مصري – أستاذ الفنون الدرامية بالمعهد العالي، ببرج الكيفان بالجزائر العاصمة، والذي تزوج من أستاذة جامعية جزائرية. وأقام بالجزائر منذ 17 عاما.
تحدث “سليم” عن حال المسرح العربى، مُقيمًا للعروض العربية بمهرجان بجاية الدولى. وقدم خلاصة خبرته العلمية والمهنية للنهوض بحال المسرح العربى.
وقد اعتبر هذا المهرجان دوليًا بما تعنيه الكلمة، حيث أنه يدعو كل عام من 17 لـ 20 دولة للمشاركة فيه.
كما رأى فيه اختلافا كبيرا عن دورات المسرح المحترف المحلى، والتى تعتمد على مشاركة الفرق المسرحية المحلية مثل (مهرجان المسرح الأمازيغى) الذى يعول على المسرح الأمازيغى المحلى، و
أيضا (مهرجان المسرح النسوى) فى مدينة (عنابة).
رأى “سليم” أن ظروف التقشف التى فرضتها الدولة، لم يؤثر على المهرجان؛ نظرًا لخبرات الجزائريين السابقة فى تنظيم مثل هذه المهرجانات.
وعلى رأسهم محافظ المهرجان عمر فطموش، فقد استغلوا جميع الإمكانيات والخبرات التراكمية السابقة مع ضغط الإمكانيات.
وعن المفاجآت التي أذهلته هذا المهرجان، فكانت أن هناك إحدى الدول – الأجنبية – تقدم 4 عروض لفرق مختلفة. كل ذلك يعني إثراء الفن العربي، و تبادل خبرات.
ثم تحاول الفنان عن بعض النقاط الامة عن المسرح العربي، وهي :
– ما أهم عيوب المسرح العربى ؟
-للأسف الشديد لا يواكب التقدم التكنولوجى فى مجال تقنيات المسرح الحديث، باستثناء المسرح التونسى، الذى التفت إلى هذه الجزئية، وحاول أن يلحق بها سريعا وطبقها.. كتقنيات عرض البيانات والمعلومات، الليزر فى الإضاءة، والديكور ذو الأبعاد الثلاثة وهذا ما لاحظته فى عروضهم فى مهرجان الأقصر وشرم الشيخ أو حتى فى الجزائر.. لكن باقى الدول العربية لا تزال تعيش فى العروض الكلاسيكية إلا ما ندر منها.
– بم تنصح كيف نتفادى هذه العيوب؟
-للأسف الشديد، سوف أضرب مثلًا ببلدى، كي لا أثير حساسيات، فالمعهد العالى للفنون المسرحية بالقاهرة، وعندما كان د. ثروت عكاشة – رحمة الله عليه – وزيرًا للثقافة، تم أرسل بعثات إلى دول مختلفة من العالم مثل روسيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا وبريطانيا.
وعندما عاد هؤلاء الرواد – الجيل الثانى والثالث- مثل كرم مطاوع، نجيب سرور، وأحمد عبد الحليم وجلال الشرقاوى، حققوا طفرة غير عادية فى المسرح المصرى وجددوا دمائه تماما، فكان العصر الذهبى للمسرح فى الستينيات والسبعينيات.
وعندما اختلف نظام الحكم ورؤية الحاكم للمسرح تم منع البعثات الخارجية تماما، وأصبح تلاميذ الرواد يدورون فى حلقة مفرغة دون تجديد أو تفرد، وحتى الآن فإن المناهج الفنية بأساتذتها على مستوى الوطن العربى تجمدت معلوماتهم وأفكارهم عند ما درسوه أو ما تعلموه و قرأوه فى مرحلة الثمانينيات والتسعينيات والدليل على ذلك – بالبرهان- إذا ما نظرت فى أي مكتبة فنية فى اى معهد فنى على مستوى الوطن العربى، لوجدت أن آخر كتاب مترجم فى مجال السينوغرافيا، تكنيك الإخراج.. تقنيات الفن المسرحى عموما، يعود ربما لعام 2000 أو قبلها بسنوات بإجمالى عشرة كتب مترجمة وهذا لا يكفى، بينما ستجد دولة مثل اسبانيا مثلا تطبع- ولا اقول تترجم – اكثر من 3000فى العام الواحد، وللأسف الشديد أيضا فإن إسرائيل وحدها تطبع أكثر مما يطبعه أكثر من 250 مليون عربى.. أى أكثر من كل مطبوعات الدول العربية.. وهذه كارثة لم ننتبه إليها، لأن المسرح علم وفن ولابد أن يتواكب الاثنان معا.. فهو ليس فهلوة، وليس مجرد موهبة فقط ، لأن الموهبة بلا علم تموت.
– كيف ترى علاقة المتلقى العربى بالمسرح؟
-المسرح نخبوى بالدرجة الأولى، وبالتالى من يحضر المهرجانات هم الفنانون والمهتمين بهذا الفن ، وهو أمر محزن جدا.
– ربما يعود ذلك للظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها المنطقة؟!
-معظم المسارح العربية مجانية، والجزائر مثلاً لا تباع بها تذكرة مسرح، فكلها مجانية للجمهور، والمسرح القومي فى مصر يقدم عروضه بسعر زهيد جدا، وهناك عرض (الملك لير) للفنان يحيى الفخرانى استمر 7 سنوات بنجاح جماهيرى، ولكن ربما للاضطرابات السياسية فى سوريا والعراق واليمن عزف الجمهور عن المسرح، فالمسرح يحتاج لاستقرار وأمن وبيئة صالحة للإبداع.
– على أى أساس يتم اختيار الأعمال المشاركة بالمهرجان؟
-أنا لم أحضر لجان اختيار من قبل، لكنى أعتقد – وهذا رأيى الشخصى – أن القائمين على اختيار العروض الأجنبية يختارون كل ما هو جديد وكل ماهو لم يسبق أن قدم فى طبعات سابقة حتى يكون هناك تحديث للمهرجان لمواكبة كل تطور فى فن المسرح.
– هل ينطبق ذلك على العروض العربية المختارة؟!
-بالطبع، فما ينطبق على اختيار الأجنبى ينطبق على العربى أيضا من حيث النص، المعالجة، وتكنيك الإخراج أو الأداء.
– لماذا لم يتم حتى الآن عمل مسابقة لمهرجان بجاية؟!ّ
-هذا المهرجان ليس تنافسيًا، لكى يشكل لجنة تحكيم وجوائز وخلافه، الهدف من المهرجان أن تجتمع وتلتقى الفرق المسرحية من عدة دول فى بوتقة واحدة على أرض بجاية لتبادل الخبرة بالدرجة الأولى، وليس الهدف تنافسيًا بالدرجة الأولى. كما يحدث فى معظم المهرجانات العالمية.
– ما المعوقات التى واجهت هذه الدورة من المهرجان؟
-حقيقة أن الدولة الجزائرية لم تكن تبخل على أى مهرجان فنى أو ثقافى، وكانت ترصد له ملايين الدنانير، لكن انخفاض أسعار الغاز الطبيعى وسعر البترول – وذلك حال معظم الدول النفطية – أثر عليهم، فكان لا بد من تقليص النفقات على جميع المستويات والنواحى ومن بينها مهرجان المسرح، ومشكلة المسرح أنه (فن نخبوى) ولابد أن يحظى بدعم من الدولة؛ لأنه يعتبر منتج مكلف، خاصة أن معظم المهرجانات الفنية – عموما- ليست ذات مردود فورى وإنما مردود تراكمى وعلى المدى الطويل وليس مردود تجارى بالدرجة الأولى.
وهو ما يستلزم دعم من الدولة وتعضيد منها على جميع المستويات، وهذا ما يؤثر على نمو المسرح أو ضعفه.. ومن حسن الحظ أن إدارة المهرجان تغلبت على ذلك بالجهود الذاتية والإصرار والإرادة، باعتبار أن المهرجان يشكل صورة الجزائر فى الخارج.
– هل اختيار مدينة بجاية تحديدا لمهرجان مسرح كان لسبب ما بالجزائر، أم أن هناك مدن أخرى حاولت أخذ هذا المهرجان ثم كان من نصيب هذة المدينة؟
-أعتقد أنه كان بديهيا أن يكون أى مهرجان دولى بالعاصمة، لكن نظرا لأن مهرجان المسرح المحترف – وهو الأقدم – يقام بالمسرح الوطنى ( محيى الدين بشترزى) بالجزائر العاصمة وهو مرتبط بها منذ الاستقلال وحتى الآن؛ لذلك أصبح من الصعب أن تحتضن مدينة واحدة فاعليات مهرجانين كبيرين، وتم الاستقرارعلى مدينة (بجاية) لتحتضن فعاليات المسرح الدولي، مع إعطاء الفرصة لمدن أخرى لاستضافة مهرجانات متنوعة فى مجال المسرح.. وهكذا احتضنت (عنابة) المسرح النسوي، وأيضا تستضيف مدينة (باتنة) مهرجان المسرح الأمازيغى وهو ما يعد تفتيتا للمركزية أو الاستحواذ.
– كيف تُقيم المشاركات العربية هذا العام؟
-أتصور أن عروض هذا العام أقوى، والغريب فى الأمر رغم ان دولة العراق تعانى من جراح وأزمات سياسية، إلا أنها قدمت عرض (المكاشفات) فى منتهى القوة فنيًا كما قدمت الأردن عرضا قوية جدا، وبالطبع فإن المسرحية المصرية (الخلطة السحرية للسعادة) للمخرج الشاب شادى الدالى – الذى لم يتجاوز سن 31 عاما – قدم عرضًا ممتعًا احترافيا فائق المستوى وهو بالفعل مبهر جدًا، وهذا كان أيضا رأى الجماهير الغفيرة التى حضرت العرض..وربما يعود ذلك لأن المخرج بدأ دراسته فى معاهد الفنون الجميلة اوالفنون التشكيلية ثم احترف الإخراج المسرحى، فكان له فى السينوغرافيا والديكور لمساته الفنية والتى اكدت بصمته على العمل.. والحقيقة أن هناك دماء جديدة تختلف عن دماء جيلنا مما يدعو للتفاؤل، وكان شيئا مشرفا، وكم كنت اتمنى مشاركة سوريا رغم ظروفها لأنها تقدم بالفعل عروضًا رائعة رغم ظروفها الصعبة.
[T-video embed=”40JV0YxHV1Y”]