منذ خمسين عاماً وفى 24 يوليو 1965 (خلال احتفالات العيد 13 للثورة)، احتفل فى سرادق كبير بأرض الأنبا رويس بالعباسية بوضع حجر الأساس لبناء أكبر كاتدرائية فى الشرق الأوسط بأسم القديس مرقس مؤسس الكنيسة القبطية على أرض مصر، وحضر الحفل الرئيس جمال عبدالناصر. وكان البابا كيرلس السادس (1959 – 1971) البطريرك 116 قد زار السيد الرئيس بمنزله فى 8 مايو 1965 مع أربعة من المطارنة والأساقفة، وفى أثناء المقابلة أقترح سيادة الرئيس على البابا كيرلس أهمية بناء كاتدرائية كبرى تليق بمكانة الكنيسة القبطية فى الشرق الأوسط وأفريقيا. وعندما أخبره البابا كيرلس بالفقر المادى للكنيسة القبطية، على الفور أعلن سيادة الرئيس بمساهمة الحكومة بمبلغ 167 ألف جنيه مساهمة من الدولة فى بناء الكاتدرائية الجديدة بالعباسية.
وفى هذا الاحتفال، ورد فى خطاب البابا كيرلس أعلان رسمى باحتفال الكنيسة سنة 1968 احتفالاً عالمياً فى ذكرى مرور 19 قرناً على أستشهاد القديس مرقس بشوارع مدينة الإسكندرية ، والقى الرئيس جمال عبد الناصر خطاباً رائعاً موضحاً فيه سياسة الدولة نحو المواطنين جميعاً، مؤكداً أن العدالة هى الطريق الذى ينتهجه، وأن المحبة هى الرباط الذى يربط أبناء الأمة.
وقد كان لهذا الخطاب صداه البعيد فى أنحاء العالم، وعُنى به مجلس الكنائس العالمى وقام بترجمته إلى عدة لغات، ووزع منه الآف النسخ باعتباره نموذجاً صالحاً لما ينبغى أن تقوم عليه العلاقة بين المواطنين فى جميع البلدان. وتلقى البابا العديد من البرقيات من جميع أنحاء العالم للتهنئة بوضع حجر الأساس وترحيباً حاراً بسياسة الدولة، كما ذهب إلى المقر البابوى سفراء الدول، ليعبروا عن مشاعر الغبطة والبهجة لهذا الحدث، كما أطلع سعادة سفير دولة السنغال قداسة البابا على جريدة السنغال شبه الرسمية يتصدرها خطاب الزعيم مع صورة كبيرة له مع قداسة البابا وهما يتعانقان.
فى عام 1967 أعلنت البطريركية عن مسابقة عامة بين المهندسين لتقديم أفضل مشروع للكاتدرائية المرقسية الجديدة بالعباسية، وتشكلت لجنة لأختيار أفضل المشروعات وهو المشروع الذى تقدم به الدكتور عوض كامل فهمى عميد كلية الفنون الجميلة العليا ، وشقيقه المهندس سليم كامل فهمى. وفى أغسطس 1967 بدء فى حفر الأساسات بمعرفة الشركة التى وقع عليها الأختيار لتقوم بهذا العمل الضخم هى شركة النيل العامة للخرسانة المسلحة “سيبكو”، والتى تمكنت من أتمام العمل الجليل فى نحو عشرة أشهر!! .
يوجد بالكاتدرائية مدفن خاص بالقديس مرقس والذى عادت رفاته من كاتدرائية سان ماركو بفينيسيا بإيطاليا. وكان البابا كيرلس قد أرسل وفداً إلى روما مكوناً من 75 فرداً بينهم أساقفة وكهنة ورهبان وعلمانيين، مع وفد من الكنيسة الأثيوبية، أقلتهم جميعاً طائرة خاصة فى صباح الثلاثاء 18 يونيو 1968. وقد تم أستقبال الوفد القبطى فى روما بحفاوة بالغة. وتم الأحتفال رسمياً يوم 22 يونيو 1968 بتسليم رفات القديس مرقس وسط فرحة غامرة. ثم أستقل الوفد الطائرة عائداً مساء يوم الأثنين 24 يونيو 1968 حيث وصلت الطائرة إلى مطار القاهرة الدولى فى الساعة الحادية عشر والنصف ليلاً وكان يحيط بها خمس طائرات أخرى – خاصة أيضاً – بها وفود من رجال الدين الذين يمثلون الدول الأوروبية ويواصلون رحلتهم إلى القاهرة تحيط بطائرة القديس مرقس وكأن هناك زفة رائعة فى السماء تكريماً للقديس مرقس، وكان فى أستقبالهم ما يزيد على 100 ألف مواطن فضلاً عن أعضاء الوفود الأجنبية والهيئات الدينية والدولية والمصرية.
وصعد البابا كيرلس سلم الطائرة ، وحمل الجسد المبارك وسط تهليل الجموع وهتافهم فأهتزت أرجاء المطار. ووجد البابا كيرلس السادس مشقة بالغة للوصول إلى سيارته وهو حامل رفات القديس مرقس على كتفه، وبالتالى لم يتمكن الوفد القبطى المرافق أن ينتظم فى الموكب المُعد لذلك.
فى صباح الثلاثاء 25 يونيو 1968 وفى تمام الساعة التاسعة حضر إلى السرادق الكبير – يتسع لعدد 7000 شخص – والذى أُقيم بجوار الكاتدرائية الجديدة، الرئيس جمال عبدالناصر وفى صحبته الأمبراطور هيلاسلاسى والسيد حسين الشافعى نائب رئيس الجمهورية والسيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة والسيد عبدالخالق حسونة سكرتير عام جامعة الدول العربية وكان فى أستقبالهم قداسة البابا كيرلس السادس وأعضاء المجمع المقدس للكنيسة القبطية وضيوف قداسة البابا كيرلس من أنحاء العالم من ممثلى كنائس العالم من نيوزيلندا والهند جنوباً إلى الدانمرك والهند شمالاً ومن اليابان والفلبين والأتحاد السوفيتى شرقاً إلى كندا وأمريكا غرباً. وجلس الرئيس فى مكانه بالصدارة وإلى يساره البابا كيرلس السادس وعن يمينه جلالة الأمبراطور هيلاسلاسى، ثم رؤساء الوفود المشاركة.
وفى جانب المنصة جلس أعضاء الوفود ورؤساء الكنائس ومندوب فضيلة شيخ الأزهر وتلميذ البابا كيرلس السادس الشماس روفائيل صبحى (حالياً الراهب القمص رافائيل آفا مينا)، وفى الجانب الآخر من المنصة جلس رجال السلك الدبلوماسى وكبار الزوار. قام بتقديم المتكلمين الأنبا صموئيل (1920 – 1981) أسقف الخدمات العامة والأجتماعية. أذيع الحفل من اذاعة الجمهورية العربية المتحدة والتليفزيون المصرى على الهواء مباشرة. كما حضر الحفل 172 صحفياً أجنبياً من جميع أنحاء العالم وبدأ الاحتفال بكلمة البابا كيرلس السادس القاها الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج وسكرتير المجمع المقدس وجاء فيها: (مبارك الله الذى باركنا بكل بركة روحية وأعطانا أن نبنى هذا البيت ليحل فيه. وهو الذى فى السموات وسماء السموات لا تسعه. فلنشكر الله لأنه صالح ولأنه إلى الأبد رحمته. وليسبحه الواقفون فى بيت الرب، له العظمة والقدرة، له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين). ثم أضاف قائلاً: (يسرنى أن أذكر بالفخر والإعجاب فى هذه المناسبة ما تفضل به الرئيس جمال عبد الناصر من إرساء حجر أساس هذه الكاتدرائية خلال أعياد العام الثالث عشر للثورة فى 24 يوليو 1965 ومن المساهمة التى قدمها سيادته فى إقامتها تعبيراً عن سماحته وكرم مشاعره).
وبعد القاء الكلمات توجه البابا كيرلس وضيوفه الكرام نحو الكاتدرائية لإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية. ثم عاد البابا كيرلس إلى المقر البابوى بالأزبكية ممجداً الله على حُسن صنيعه معه. وفى صباح اليوم التالى أقيم أول قداس بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية رأسه البابا كيرلس السادس وأشترك معه فيه جميع رؤساء وممثلى كنائس العالم. وبعد أنتهاء الصلوات حمل البابا كيرلس رفات القديس مرقس ونزل به سلالم الكاتدرائية بصحبة الأمبراطور هيلاسلاسى ووفود الكنائس وسط تهليل الحاضرين يحف بهم الكهنة والرهبان والشمامسة حيث تم إيداع رفات القديس مرقس فى المدفن الذى أعد خصيصاً له. ثم أستقبل قداسته أعضاء الوفود وأهداهم ميدالية تذكارية بهذه المناسبة التاريخية الجليلة.