أعلنت داعش منذ شهر يناير الماضى خطفها 21 مصرياً قبطياً وهددت بقتلهم ورغم ما صرحت به الحكومة المصرية منذ فترة بضرورة رجوع كل المصريين بليبيا لتفاقم الوضع وتفشى الجماعات الإسلامية إلا أن البعض لم يستطع الرجوع ولم تستطع الحكومة المصرية إنقاذهم بأية مفاوضات لتخرج علينا داعش فى مشهد يخلو من الإنسانية والدين لتذبح 21 من أخواننا فى مشهد دموى إرهابى …وهنا نتساءل لماذا يهرع الشباب للسفر خارج مصر؟ ، ولماذا أصبحت بلادنا طاردة للشباب والمستقبل ؟ ، وهل كان بإمكان هؤلاء المصريين الرجوع أم أنهم لم يستطعوا ؟ ، وهل كل أوضاع المهاجرين مثل ما يحدث فى ليبيا؟ ، وكيف تقوم الحكومة المصرية بمساعدتهم..هذا ما سنعرضه معكم فى أحاديث مع شباب مصرى لازال فى ليبيا وآخرون جاءوا لوطنهم وفى بلاد أخرى…
فى كلمات تكتب على شاشة الكمبيوتر وعبر النت تصل إلىَّ ممزوجة بالخوف والرهبة وعدم تصديق ما آلت إليه الأوضاع لتكتب لى ” فاطيمة الشوكى ” : ” بصى من الآخر مفيش أى حاجة تدل أن أحنا ممكن نرجع مصر، مكنش المفروض الضربة دى تحصل من جانب الحكومة المصرية لداعش فى الوقت ده وأحنا لسه موجودين هنا، الليبيون بيساعدونا وبيقولوا لينا خليكم فى البيت أحسن وهم متعاطفين معانا جداً ومتضايقين من اللى داعش بتعمله”، ثم أستطردت فاطيمة وكتبت” فين الممرات اللى الحكومة المصرية قالت لنا عليها وانها ممرات آمنة، إحنا مش عارفين نتواصل مع الحكومة “، وطالبتنى فى نهاية حوارنا الذى كان عبارة عن ردود مقتضبة ممزوجة بالألم واليأس : لو فى مسئول مصرى يقدر يتواصل معانا يبقى ياريت…
أما الدكتور “وليد عمار” الذى درس الصيدلة بليبيا وظل يعمل هناك لمدة 10 أعوام يقول لنا: طبائع الليبين مختلف تماما عنا كمصريين ، فهما شديدى العنف والعصبية ولا حدود لإنفعالاتهم وفى المجمل هم يكرهون المصريين بغض النظر عن الدين، فهو إضطهاد عنصرى وليس دينى على الإطلاق، وقبل الثورة كان وضع المصريين عموما سئ وخصوصا فئة العمال والحرفيين ، فشاهدت بعينى فى أحدى المرات أن هناك عامل بعدما أنتهى من عمله لم يرض صاحب العمل إعطائه حقوقه وأوسعوه ضرباً، ولكن بالطبع الحاجة والمال هى التى كانت تجعلهم يستمرون على هذا الوضع السئ مع صعوبة المعيشة بمصر وغلاء الأسعار.. أما بعد الثورة فالأوضاع لم تتدهور فحسب بل أنتقلت لمنحنى خطير، والبعض منا أدرك خطورة الوضع مبكرًا فعاد لمصر ، حيث إنتقلت المعارك من المطواة إلى أستخدام السلاح ، ويمكنك أن تتخيل الأمر فى غياب الحكومة مع شعب طبعه عنيف، فإذا سرت بالسيارة وأحداهم أوقفك وسرقك علانية أمام مرأى ومسمع الجميع لا يوجد من يرد أو يحاول وقفه، وأحيانا كان بعض هؤلاء الملثمين من رجال الشرطة، هذا إلى جانب تفشى الجماعات اسلامية مثل أنصار الشريعة، فأنا لم أر داعش ولكن رأيت هذه الجامعات وهى تقتحم المدارس المشتركة بليبيا وتطلب بعزل الفتيات عن الفتيان واذ لم ينصاعوا يقوموا بتخريب وخطف وقتل الأطفال. هذا هو الحدث والمشهد هناك..
ويستكمل د. وليد حديثه :جدير بالذكر أن العودة لمصر أمر ليس بالسهل لأن أى عربية تخرج على الحدود لأبد من الجيش و الجامعات الإسلامية أخذ أتاوة منهم وبلغ عدد الكمائن التى صادفتها للرجوع لمصر نحو 30 كمين، هذا خلاف أن بعض المصريين أوراقهم كانت بالقنصلية وعندما حرقت القنصلية فقدوا كل أوراقهم ولم يتبق لهم سوى البطاقة الشخصية والتى بالطبع لن تكون وسيلة للخروج من ليبيا. أما عن الطائرات التى وفرتها الحكومة من تونس لإقلاعنا فهى تواجه نفس الصعوبات من خروجنا من الحدود الليبيبة .. وفى النهاية ألوم على كل المصريين الذين بقيوا فى ليبيا وهم يرون تدنى الأوضاع وإتجاهها لمنحدر خطير، فلا مال الدنيا ولا حتى القصاص بإمكانه أن يرجع هؤلاء القتلى لأسرهم وبيوتهم.. وماذا ستفعل الحكومة المصرية لليبيا والليبيون أنفسهم ليس لديهم ما يفعلونه.
على الجانب الآخر يقول شعبان خلف – أحد المصريين العائدين من ليبيا –:-عشنا فى ليبيا سنوات وسنوات لم نشعر خلالهما أننا أغراب عن البلاد، ربما ذلك يرجع لقرب الحدود بيننا، فمنذ سنوات طويلة نجد أن الشعب المصرى فى غاية التقارب مع الشعب الليبى، وما حدث فى ليببا ما هو ألا فعل صدر من عصابات مأجوره ومدربة وليس لها علاقه بأى دين، فالشعوب العربية موحدة وسنظل نتبادل الخبرات بيننا وبين دول العالم العربى وغيرها، ولن يرهبنا الإرهاب ابدًا .
أما خالد شيتوى من مركز سمالوط محافظة المنيا .. فحادثنا فى صوت مكسور ” أنا مسلم ومقهور على الناس دى… حاجة تحزن” وحكى لنا قصته بأنه كان يعمل كعامل فى سوق العرب وعندما أشتد الضرب بين أنصار الشريعة والليبين ترك البلد ورجع لمصر. ويكمل حديثه : ” لم أنظر إلى ما تركته من فلوس، فالفلوس ليس لها أهمية والمهم الشباب يرجعوا بالسلامة لأهاليهم ” وشكى فى النهاية من الغلاء فى مصر وأنه الدافع الأساسى الذى جعل غالبية الشباب يفكر فى الهجرة.
خارج ليبيا… هل للشباب فرصة لحياة كريمة!
يحدثنا ” حسن كمال”احد الشباب المصريين العاملين بدوله الإمارات قائلاً: رغم أنى أعيش حياة تخلو من القلق والتوتر الذى يعانى منه المصريون بليبيا إلا أننى أتمنى أن يأتى اليوم الذى أعود فيه إلى أرض الوطن ولكن كيف نعود ونحن لا نضمن الحصول على القوت الذى نحيى بيه مع أسرنا حياة كريمة ، وعن المفهوم السائد فى المجتمع المصرى بشأن العاملين فى دول الخليج أنهم ينعمون بحياة ترفيهية خالية فهو غير صحيح البتة، والحقيقه أنه مهما كانت علاقات دول الخليج بمصر جيدة سيظل المصرى المغترب يتعامل معاملة سيئة مهما كانت طبيعة عمله سواء كان عاملا أو مدرس أو حتى طبيب ، والواجب على الدولة المصرية أن ترفع من شأن مواطنيها بالخارج، ولأبد أن نعترف أن الحكومة المصرية لا تنظر للعاملين بالخارج بعين الإهتمام بإعتبارهم من مصادر جلب العملات الاجنيبة لمصر.
يوضح محمد جلال والد ياسر محمد- أحد المصريين العاملين فى السعودية ويقول :- ابنائنا يذهبون للبحث عن لقمة العيش حتى لا يكونوا عالة علينا ولا على بلادهم، ومع ذلك لا تنظر لهم الدولة بأى نظرة إهتمام بل تتركهم يعانون ويلات الغربة، فمثلاً فى أحدى الفترات تعذر الإتصال بابنى لفترة طويلة ووذهبت إلى السفارةالسعودية والهيئات المصرية المختصة ولم يساعدنى أحد فى البحث عن ابنى، وكأنه ليس له حقوق على بلده، حتى أستطعت أخيراً ان اتوصل إليه عن طريق أحد الأقارب المسافرين لإداء مناسك العمرة .
ولنا رأى آخر مع سيد ابو بكر – أحد المصريين العاملين بدوله الإمارات – حيث يقول :- إن كل تلك الأزمات التى حدثت مؤخراً للعاملين خارج مصر إنما هو أمر جديد، فمنذ سنوات طويلة ونحن نسافر للعمل بالخارج ولم نشعر يومًا أننا أغراب عن هذه البلاد ، ولابد أن نقول الحق، فكل دول الخليج بناها العمال المصريين وأبناء الخليج لازال يعلمهم المُعلمين المصريين، فيجب ألا ننظر للعاملين المصريين بالخارج أنهم المستفيد الوحيد فقط بل إنها منفعة متبادلة ، وانا هنا أستطيع أن اقول بكل حق أنى ضمنت مستقبل ابنائى .
ويعلق الدكتور “سعيد صادق” أستاذ علم الإجتماع السياسى بالجامعة الامريكية قائلاً:- للأسف الشديد على الرغم من كل ما يحدث من إنتهاكات لحقوق الشباب المصرى الذى يعمل بالخارج فإن هذا لن يثنيه عن السفر والعمل بالخارج سواء كانت بلاد عربية أو غيرها وخاصة اذا كانت بلادًا آمنه ، أما عن الأسباب التى تدفع الشباب للعمل بالخارج فمحورها الرئيسى يتركز حول أقتصاد مصر الذى أصبح إقتصادًا طاردًا للشباب ، ومن الواجب على الدولة أن توفر فرص عمل مناسبة للشباب بأجور تسمح لهم بأن يعيشوا معيشة جيدة وهذا لن يتحقق إلا بالتنمية ، فلابد أن يزداد معدل التنميه ل7% على أقل تقدير، ولأبد من حسن توجيه أستثمار رؤوس الاموال ، هذا إلى جانب السياحة بإعتبارها من العوامل الأساسية فى زيادة معدل التنمية فعدد السائحين المترددين على مصر كل عام يترواح ما بين 12 او 13 مليون سائح وهذا العدد قليل جدًا بالمقارنة بموقع مصر الممتاز وآثارها وحضارتها، ويجب على الدولة أن تستغل كل شبر من أرض مصر وكل مورد من مواردها للمحافظة على حياة ومستقبل ابنائها.
الشباب… هل أنصرف حلمه عن الهجرة؟
يعلق على هذا “عمرو عادل” فى نظرة يائسة يغلبها الغضب على الأحداث ويقول : أنا لم اسافر من قبل خارج مصر ولكن إذا اتيحت لي الفرصة للسفر سأسافر حتى إذا كان هذا السفر لدولة الموت مصيرى بها، فعلى الأقل سوف أجمع أموالا ً أضمن بها مستقبل أسرتى أو تدفع الدولة لأسرتى معاشاً بعد ذبحى طالما دولتنا لا تشعر بوجودنا ألا بعد ذبحنا كالشاه .
ويختلف معه “نور محمد” ويقول: بإمكاننا أن نبنى أنفسنا داخل مصر، فعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر وإستغرافه أعوام ولكن يكفينا أننا سنكون وسط أهالينا ومجتمعنا الذى أعتدنا على تقاليده، وإذ لم نتمكن من جمع مبالغ طائلة أو نضمن مستقبل لأولادنا فعلى الأقل سنظل جوارهم نضمن لهم الحب والأمان والتربية والأخلاق… فليس المال غاية الحياة..