شهدت اجتماعات الأمم المتحدة في دورتها 69 مباراة رئاسية في الخطابات، وتضم هذه المباراة ثلاثة دول فقط (مصر – تركيا – أرمينيا)، استطاعت الأولى من خلال كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن تغير آراء دول كثيرة إزاء الوضع في مصر وأن تتفهم حقيقة ثورة 30 يونيو ،و قدم التحية للشعب المصري العظيم الذى صنع التاريخ مرتين خلال الأعوام القليلة الماضية عندما ثار ضد الفساد وسلطة الفرد وطالب بحقه فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، وأخرى عندما تمسك بهويته وتحصن بوطنيته فثار ضد الإقصاء رافضا الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين وتفضيل مصالحها على مصلحة الشعب وهذه مرحلة من مسيرة ممتدة بطول وباتساع آمال وتطلعات المصريين ليوم أفضل وغد أكثر ازدهارا .
بينما كانت كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تتمثل فى دفاع عن الجماعات الإرهابية وهجوم شرس على الرئيس المصرى ، حيث قال من اكتفوا بمجرد المشاهدة والصمت ولم يكن لهم أي ردة فعل حيال قتل الأطفال والنساء والانقلاب بالسلاح والدبابات على الأنظمة المنتخبة من قبل الشعب مشاركون صراحة وعلانية فى هذه الجرائم الإنسانية ، كما وصف ثورة 30 يونيو بالانقلاب على شرعية الرئيس المنتخب حتى يغير نظرة الدول الأوربية مرة أخرى لمصر ، وبعد ذلك دافع عن بلده بنفيه التدخل فى الشؤون الداخلية لأى دولة بعد أن تم اتهامه بالتحريض على النظام السورى ، كما نفى علاقة تركيا بالإرهاب وانها ليست دولة داعمة له .
ثم جاء خطاب الرئيس الأرمينى سيرج سركسيان يحمل سيلا من الاتهامات الموجهة للرئيس التركى ، حيث يحمل عام 2015 أهمية خاصة لشعب أرمينيا الذين يحيون الذكرى المئوية لأكثر حادثة مأساوية فى تاريخهم، فقال سركسيان أن تركيا ارتكبت فى الأرمن جريمة غير مسبوقة هدفت للقضاء على الأمة وحرمان الشعب من وطنه واصفا محاولات الإبادة الجماعية للأرمن بالجريمة البشعة فى حق الحضارة والإنسانية ، وعدم إدانة هذه الجرائم يمهد الطريق لارتكاب جرائم مماثلة فى المستقبل ، وفى النهاية وجه الرئيس الأرمينى الشكر للدول التى اعترفت بالجريمة التركية .
ووجه الزعيم الأرميني، شكره لكل الدول التي اعترفت بالإبادة التركية الجماعية للأرمن، وأدانتها بقوة، بينهم أوروجواي وفرنسا وروسيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وسويسرا والسويد وألمانيا وبولندا واليونان وقبرص ولبنان والأرجنتين وشيلي وكندا والفاتيكان، وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، وحول هذه الخطابات وما يجب أن تتضمنه ؟كان لنا هذا التحقيق
قال السفير محمد المنيسى مساعد وزير الخارجية السابق : أولا يجب أن نعلم أنه لا توجد وثيقة تحدد المواضيع التى يتم طرحها أمام الأمم المتحدة ، أنما هناك ما يمكن أن نسميه اتفاق على أن الرئيس عندما يتحدث أمام الجمعية أن يركز فى كلمته على عدة أشياء ليس من بينها الدخول فى معارك أو الهجوم على جهة ما أو دولة معينة ، فنلاحظ فى كلمة الرئيس السيسي التى كانت مكتوبة بإتقان وبراعة بالغة ، أهتم أن يعرض على رؤساء العالم أهم ملامح سياسة مصر الخارجية والكيفية التى تواجه بها مصر المشاكل الموجودة .
وقيام الرئيس التركى أردوغان بالهجوم على مصر وعلى رئيسها وعلى ما حدث بها منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن يخرج تماما عن الأصول واللياقة التى يجب أن يتحلى بها .
وما حدث فى سنة 1915 للأقلية الأرمينية التى كانت تسكن فى مناطق خاضعة للسيطرة التركية فى ذاك الوقت هو جريمة إنسانية، فالمذابح التى حدثت كانت شديدة البشاعة ، بصرف النظر عن موقف الرئيس التركى فى الأمم المتحدة فمصر ترفض هذا العنف تجاه أقلية سواء من قام بذلك أتراك أو غير أتراك .
وأضاف المنيسى ان المدة المحددة لكل رئيس فى الاجتماع 15 دقيقة لا أكثر ولا يستطيع احد أن يتجاوز هذه المدة ، فنتذكر ما حدث من الزعيم محمد مرسى وكيف تجاوز المدة ونبه ولكنه استمر فتم قطع الميكرفون عنه ، كما أن أكثر قضية طرحت فى الأمم المتحدة هى القضية الفلسطينية التى تحوز على اهتمام العديد من الدول ودائما تطرح فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة .
ويؤكد يسرى العزباوى الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية : أن الأمم المتحدة لم تشاهد منذ الأمين العام الأسبق كوفى عنان سخونة مثل التى شاهدتها هذه الدورة ، التراشق بين الدول بشكل واضح .
ولا اعتقد أن كلمة أردوغان سوف تؤثر فى موقف الدول الأوروبية بالنسبة لمصر ، فالهدف منها هو شو إعلامي وجذب الإعلام الأوروبي مرة ثانية بعد الحفاوة التى أستقبل بها الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي والتصفيق الحار الذى لاقاه بعد خطابه بالأمم المتحدة ، والمقابلات العديدة التى عقدها مع كثير من الرؤساء ، وكل الدول الفاعلة سواء فى أوروبا أو اسيا قابلهم الرئيس المصرى ، وخاصة اللقاء الأخير الذى تم بينه وبين الرئيس أوباما والذى أستمر لمدة ساعة ونصف .
وأضاف العزباوى أن العلاقات بين الدول لا تبنى على الخطب الرنانة ولكن يبنى على فكرة المصلحة ودور وحجم كل دولة على وجه التحديد ، فمصر دولة محورية لها مصالح مع الدول الأوربية وغيرها وهى حريصة على ذلك كما أن أمريكا والدول الأوربية لها مصالح فى الشرق الأوسط ومصر لاعب اساسىى فيها وهى حريصة على ذلك ، كما أن الظروف الدولية ساعدت الرئيس عبد الفتاح السيسى بشكل كبير قبل خطابه فى الأمم المتحدة المتعلق بالتحالف الدولى لمحاربة الإرهاب ومصر لها رؤية أكثر شمولية من رؤية الولايات المتحدة الأمريكية القاصرة على سوريا والعراق ولكن مصر لها بعد أكبر وكل ذلك ساعد على تأثير كلمة السيسى عن أردوغان .
وأرمينيا لها مشاكل عديدة مع تركيا والخاصة بالمجازر التى ارتكبتها تركيا وحتى الآن لم يتم تعويض أرمينيا عن ذلك ولم تعترف أيضا تركيا به ، لذلك استغلت هذا الظرف بمساعدة مصر فى هذا الأمر من خلال التراشق بين ارمينيا وتركيا ، ومصر سوف تلعب دور مستقبلى فى تحريك هذا الملف اذا استمرت تركيا فى تراشقها اتجاه الدولة المصرية .
وقد وفق الرئيس المصرى فى خطابه أمام الأمم المتحدة لعدم انشغاله بالتراشقات مع رئيس الوزراء التركى ، لأنه لو تحدث السيسى بعد الرئيس التركى سيكون فى موقف المدافع ولكنه تتحدث عن الاتجاهات عامة للدولة المصرية ، والجميع يعلم أن أردوغان إخوانى وحزبه حزب إخوانى ويمارس السلطوية فى تركيا حيث أستمر لمدة 12 سنة رئيس للحكومة والآن رئيس للبلاد وقام بتغيير دستور البلاد ، وسيطر على تقاليد الحكم وقد قامت مظاهرات ضده واستخدم معها أساليب القمع ، كما أنه دعم الإرهاب فى تركيا والعراق والولايات المتحدة الأمريكية تعلم هذا جيد وغيرها من بلدان العالم .
أوضح السفير إبراهيم يسرى مدير أدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية بوزارة الخارجية المصرية سابقا : أن الأمم المتحدة ليست حارة يقوم من خلالها الرؤساء بإظهار خلافاتهم ، وخطبة الأمم المتحدة هى خطبة سياسية ومش كل واحد يتكلم عن بلده واحتياجاته كأنه فى بلده يكلم شعبه فالضيوف الموجودين ليس لديهم استعداد أن يسمعوا من كل واحد حكاية شعبه ، وأعتقد ان من كتب الخطبة للرئيس عبد الفتاح السيسى ليس وزير الخارجية ،فهذه الخطبة لم تكن خطبة أمم متحدة كانت خطبة اتحادية .
وعن خطاب الرئيس التركى أردوغان وهجومه على مصر قال يسرى كنت أفضل أن يؤجل الرئيس المصرى هذه الزيارة إلى العام المقبل حتى ينتهى من تنفيذ خارطة الطريق كاملة وان يكون هناك برلمان موجود بالفعل ، وما قاله أردوغان هو حر فيه حيث أنها ليست المرة الأولى التى يتحدث فيها عن مصر ، وهو لم يوجه اللوم إلى الرئيس المصرى ولكنه وجهه إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كى مون حيث قال له أنه يشجع من قام بعمل انقلاب أن يأتى إلى الأمم المتحدة وهى وجهة نظر خاصة بتركيا .
وخطابات الأمم المتحدة هى خطابات نظرية أى من الممكن تشبيهها بأفلام السينما كل رئيس يقول خطبته ويذهب إلى دولته ، ويجب أن نعلم أن رؤساء الدول لا يذهبون كل عام إلى اجتماعات الأمم المتحدة وإنما المنوط بذلك هو وزير الخارجية الذى يستمر لمدة 8 أيام وبعد ذلك يكمل الجلسات المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة ،وتواجد الرؤساء هذا العام لظروف خاصة ليس أكثر .