يوم الأربعاء 12 نوفمبر الجاري رحل عن عالمنا الفنان الكبير أحمد ثابت طوغان “1926-2014” وهو من أبرز رسامى الكاريكاتير فى مصر والعالم العربى .. ذلك الفنان المبدع الأصيل .. حيث عطاؤه يحفزنا ويسجل للتاريخ منذ عام 1948 حتى رحيله عاش أحداثه وأرخ لتطوراته .. وانحاز دائماً إلى جانب مصلحة القارىء .. وعبر عن آرائه بريشته المتوهجة عن هموم مصر وقضايا الوطن العربى وأحلام أولاد البلد .. مدافعاً عن قيم الحرية والعدالة ومحاربة الفساد والجشع من أسعار وتعليم وغيرها بكل صوره وأشكاله .. فى لغته التعبيرية الرمزية لفن الكاريكاتير .. التى عبر بها عن آرائه فى الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية فى مصر والعالم العربى طوال أكثر من 65 عاماً.
ويعتبر فناننا الراحل أحمد طوغان من رواد فن الكاريكاتير والرسم الملون بعد الفنان الأرمنى القدير الراحل الكسندر صاروخان “1898-1977” والفنان المصرى الأصيل الراحل عبد المنعم رضا “1911-1989” الذى اشترك فى تأسيس وإصدار صحيفة الأخبار عام 1944 .. وإليه يرجع الفضل فى تمصير فن الكاريكاتير الذى كان قبله وقفاً على الرسامين الأجانب .. ويأتى ذلك الفنان المبدع طوغان بعدهم .. واختار فن النكتة والكاريكاتير وسيلة للاعتراض .. وهو أحد أعمدة الكاريكاتير السياسى المصرى وهو رسام بدرجة مناضل .. وهو زميل كل من عبد السميع 1917-1986 .. والفنان زهدى وساهم الثلاثة فى فن الكاريكاتير المصرى .. وبعدها صلاح جاهين .. وأحمدحجازى … ومصطفى حسين .. وبهجت عثمان وبهجورى وليثى وناجى وجمعة وحلمى التونى وفرج حسن .. وتتوالى أجيال هذا الفن الذى لازال يتألق نضجاً.
ولد أحمد ثابت طوغان فى 20 ديسمبر 1926 فى المنيا بالوجه القبلى .. أمضى حياة فى صعيد مصر من أقصاه إلى أدناه .. وعن طريق مدرس الرسم الأستاذ لويس بطرس .. تعلم الرسم فى مدرسة الأقباط الابتدائية فى ديروط بمحافظة أسيوط.. حيث قال له مدرس الرسم أنت طريقك فى الحياة أن تكون رسام .. وهذه الموهبة لا تهملها .. وأحضر له كتباً عن أصل الرسم الكاريكاتيرى .. وبدأ الرسم إلى جاءت الحرب العالمية.
وبعدها انتقل إلى الجيزة .. حيث كان والده ضابط بالبوليس المصرى .. فكان كثير التنقل .. ما أثرى شخصية أحمد الصغير برؤية أماكن وأشخاص .. مثل الشاعر عزيز أباظة باشا فانعكست على جمال محافظة أسيوط ومناظرها الخلابة .. والتى تركت شيئاً من روحه الشاعره فى نفس الرسام الصغير .. ثم التحق بمدرسة الأورمان بمحافظة الجيزة والتى كانت حديقتها شاسعة بها ألوان من الزهور وأشجار ومساحات متنوعة فى اللون الأخضر الجميل.
منذ الطفولة وحتى النضج الفنى يمر كل فنان بعدة مراحل يتأثر خلالها بالمدراس الفنية المختلفة .. تبعاً للحالة الإنفعالية أو العوامل البيئية .. والأحداث السياسية والاجتماعية هكذا عاش الفنان الراحل أحمد طوغان كل هذه المراحل الفنية مجربا كل المدارس المختلفة من رسم للطبيعة وخاصة الريف المصرى أو بعض الدول العربية .. كما رسم البورترية .. وأتقن فن الكاريكاتير الساخر والاجتماعى والسياسى والرمزية فى هذ الفن حتى تجسدت تجربته الذاتية.
فى شباب فناننا أحمد طوغان عاش فى الوجه البحرى . وفى التاسعة عشر من عمره جاء الى القاهرة .. ولم يمضى عليه فيها عامان حتى أصبح رساماً للكاريكاتير فى معظم الصحف والمجلات المصرية .. كانت تنشر العديد منها الصحف فى خارج الوطن .. وظهرت رسومه منذ عام 1946 .. وبعدها التقى بالرئيس الراحل لأنور السادات فى 27 يوليو عام 1948. وبعد قيام ثورة 1952 .. طلب مجلس الثورة من أنور السادات إصدار جريدة الجمهورية والتى أصبحت لسان حال الثورة والتى صدرت فى ديسمبر عام 1953 .. حيث اتصل بفناننا طوغان لتأسيس الجريدة ورسم الكاريكاتير السياسى فيها لمدة ثلاث سنوات .. وتركها ورسم فى أخبار اليوم وروزاليوسف والمصور وغيرها من المجلات والصحف ورجع إلى الجمهورية حتى سن المعاش.
أصدر طوغان 27 كتاباً منهم اثنين فى أدب الرحلات “أيام المجد فى وهدان” ويحكى قصة علاقته بالجزائر نضالها فى سبيل التحرير .. والتحاقه بجيش التحرير الوطنى الجزائرى الذى أعلن الثورة والتى انتهت بالنصر .. والثانى “الريح الصفراء من البوابة الشرقية” مذكراته ومشاهداته الميدانية فى الحرب العراقية الايرانية.. وباقى الكتب تتضمن رسوما كاريكاتورية أولها “قضايا الشعوب” أصدرته دار التحرير عام 1957 .. وكتب المقدمة الرئيس الراحل أنور السادات .. كتاب “دور الكاريكاتير فى قضية فلسطين” اصدار المجلس الأعلى للثقافة عام 2003 .. وآخرها كتاب تزامن مع رحيله باسم “سيرة فنان صنعته الآلام” وفيه يستعرض تجربته الثرية التى أتاحت له التقاْ ومزاملة رواد زمن الفن الجميل فى مجالات الصحافة والأدب والسياسة .. أمثال طه حسين وفكرى أباظة .. وكامل الشناوى ومأمون الشناوى ويوسف إدريس .. وزكريا الحجاوى ومحمود السعدنى وأنور المعداوى وصلاح عبد الصبور وسمير سرحان ومصطفى وعلى أمين وإحسان عبد القدوس وعيرهم كثيرين .
حصل طوغان على العديد من الجوائز والأوسمة منها “وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى .. وجائزة حقوق الإنسان وجائزة مصطفى وعلى أمين .. ووسام الرائد العربى.. وتوج طوغان بجائزة النيل هذا العام 2014 وهى أكبر جائزة يحصل عليها المبدع المصرى .
والراحل طوغان كان عضوا باتحاد الكاتب وعضوا ب نقابة الفنانين التشكليين وعضو الجمعية المصرية لرسامى الكارياتير تم رئيسا للجمعية .. ورئيس رابطة رواد الصحافة وعضو الاتحاد الأوربى لرسامى الكاريكاتير.
أقيمت لأعماله عشرات المعارض فى مصر وخارجها .. منها “ذكريات” فى مايو 2010 … وإخر معارضة كان فى ديسمبر 2014 باسم “ذكريات من زمن فات” رسم بعض ملامح البيئة المصرية فى الريف والقرى وخاصة حاملات الجرار “صبايا الريف” ورسم بعض الملامح للبيئة اليمنية حيث المبانى الفريدة فى الحضارة اليمية القديمة . وكان مبدعا ومفكرا وشاعرا فى رسوماته ولم ينسى الكاريكاتير الاجتماعى وأهميته بجانب معظم رسومه لفن الكاريكاتير السياسى.. وعلاقته بالناس ومشاكلهم وقضاياهم فى التعليم والصحة والرياضية والسلك.. كل ما يهمه بأسلوب ساخر ضاحك فى معظم رسومه التى تضعالأيدى على المشكلة .. والدعوة للتفكير فيها .. وهو أول الطريق فى سبيل الوصول إلى إيجاد حل .. ففن الكاريكاتير ساهم فى تغيير المجتمع على مر العصور كما يرسم الضحكة والبسمة .. فكان الراحل طوغان نموذجا للفنان المبدع وناقدا بناء لأوضاع الموجودة داخل وخارج البلاد.. ورسماته تفيض مهارة وأستاذيه .. كما يحمل رسالة الحق والجمال والخير .. وهى حصاد فلسفته وفكره الفنى الذى يعتبر علامة مميزة فى فننا المصرى المعاصر .