الشماس / نشأت نظمى مهنى – أسيوط
بعد صلب وموت السيد المسيح على جبل الجلجثه ، أختفت أثار الصليب الذى صُلب عليه السيد المسيح ، ولكن لما رأى رؤساء اليهود كثرة العجائب التى تظهر من قبر المخلص من إقامه الموتى وعجائب أخرى كثيرة ، غضبوا جداً ونادوا فى جميع اليهودية و اورشليم ” كل من كنس داره او كان عند تراب فلا يلقيه الا على مقبرة يسوع الناصرى “
أستمر الحال على ذلك اكثر من مائتى سنه حتى صار كوماً عظيماً ، و أقام الرومان بالقرب منه معبداً للإله الرومانى فينوس ليمنعوا المسيحيين الاوائل من زيارة المكان وتكريم الصليب المقدس ..
وفى مطلع القرن الرابع ظهر الصليب فى السماء لقسطنطين الكبير ( القائد الرومانى ) قبل أخر معاركة محاطاً بهذه الكلمات بأحرف بارزه من النور ” بهذه العلامة تغلب ” فوضع علامة الصليب على كل رايه وعلم ، وخاض المعركه و أنتصر على عدوه ، فأمن بالمسيح هو وجنوده ، ولما أًبح قسطنطين أمبراطوراً على اوربا أمر بهدم معابد الأصنام وشيَّد مكانها كنائس ..
وأن الامبراطور قسطنطين هذا هو أبن القديسه هيلانه التى ولدت بمدينه ” الرُها ” من أبوين مسيحيين سنه 247 م ، وربياها تربيه مسيحيه ، وكانت حسنه الصوره جميله النفس ، ولما سمع عن سيرتها العطره وجمالها الملك البيزنطى ، فطلبها للزواج حوالى عام 270 م ورزقت فيه ( قسطنطين ) فربته أحسن تربيه وعلمته الحكمه والاداب والتى جعل أمه القديسه هيلانه تقوم بتربيته مسيحيه وجعلته مهيأ أن يقبل الايمان بالمسيح ، ولما ظهرت له علامه الصليب فى السماء محاطاً بهذه الكلمات بأحرف بارزه من النور ” بهذه العمه تغلب ” – بالفعل أنتصر و أمن بالمصلوب وصار أول أمبراطور رومانى مسيحيى .
وفى عام 326 م – ارادت الملكه هيلانه أن تعرف مصير الصليب المقدس الذى صُلب عليه المسيح له المجد حيث رأت فى منامها حلماً ، أبنأها بأنها هى التى ستكشف عن الصليب ، وقد شجعها أبنها الأمبراطور قسطنطين – على رحلتها لأورشليم وارسل معها قوه من الجند قوامها ثلاثه ألاف جندى ليكونوا فى خدمتها وتحت طلبها .
فى أورشليم وفى عام 326 نفسه أجتمعت بالبطريرك مكاريوس البالغ من العمر ثمانين عاماً وأبدت له وللشعب رغبتها ، فأرشدها الى رجل طاعن فى السن ، من أشراف اليهود ويسمى ” يهوذا ” وكان خبيراً بالتاريخ والأحداث والاشخاص ، وبالاماكن – فأستحضرته الملكه وسألته عن صليب المسيح – أنكر ذلك فى بادئ الأمر معرفته به ، وبمكانه .
ولكن قد حدث أنها هدَّدته وتوعَّدته ، أن لم يكاشفها بالحقيقه – فأضطر أن يرشدها إلى الموضع الحقيقى للصليب وهو كوم الجلجثه بالقرب من معبد فينوس – وهو بعينه المكان الذى تقوم عليه الأف كنيسه القيامه فى أورشليم ..
أمرت الملكه هيلانه فى الحال بازالة التل – فأنكشفت المغاره وعثروا فيها على ثلاثه صلبان .
لقد كان من الواضح أن الصلبان الثلاثه كانت متشابهه فى الحجم والشكل – كما عثروا معهم اللوحه المكتوب عليها ” يسوع الناصرى ملك اليهود ” ملقاه على الارض ، وأيضاً عثروا على المسامير وباقى أدوات الصلب .
بعد أن عجزت القديسه هيلانه ومن معها على التعرف على صليب السيد المسيح بالتحديد ، ولكن بمشوره البطريرك مكاريوس أستطاعت أن تميز صليب المسيح بعد أن وضعت الصلبان الثلاثه ، الواحد بعد الأخر على جثمان ميت ، فعندما وضع الصليب الاول والثانى لم يحدث شئ ، وعندما وضع الصليب الثالث ، عادت للميت الحياه بأعجوبه باهره ، وكذلك وضعت خشبه الصليب على أمرأه مريضه فشفيت فى الحال ، عندئذ رفع البطريرك مكاريوس خشبه الصليب ليراها الجميع الحاضرين وهم يرتلون ودموع الفرح تنهمر من عيونهم ، ثم رفعت القديسه هيلانه الصليب المقدس على جبل الجلجثه . ثم غلفته بالذهب الخالص ولفته بالحرير – ووضعته فى خزانه من الفضه فى اورشليم ، وتشهد بذلك أيضاً أمبروسيوس رئيس أساقفه ميلانو فى سنه القديس يوحنا ذهبى الفم وغيرها من أباء الكنيسه ، وبعدها أمر الملك قسطنطين ببناء كنيسه القيامه .
ولدى زيار الكنيسه نجد فى أسفلها كنيسه صغيره مخصصه للقديسه هيلانه ، يعلو هيكلها تمثال برونزى لها وهى تحمل وتعانق الصليب المقدس …
لقد أمر الملك قسطنطين بتوزيع خشبه الصليب المقدس ، على كافه كنائس العالم أنذاك ، وقد أحتفظت كنيسه القسطنطينيه بالجزء الباقى ، وقد حصلت كنيسه روما على جزء كبير من الصليب ….
لقد توفيت القديسه هيلانه سنه 328 م وكان عمرها وقتها حوالى الثمانين عاماً …
وفى سنه 614 م أجتاح كسرى ملك الفرس أورشليم أسر الألوف من المسيحيين ، وفى مقدمتهم البطريرك زكريا ، حيث هدم واشعل النار فى كنيسه القيامه وذلك كان بتحريض من اليهود القاطنين فى أورشليم – ولكن نجا الصليب المقدس من النار بهمه المؤمن ( يزدين ) – لكنهم أخذوا الصليب كغنيمه ، وبقى عندهم الصليب لمده 14 سنه .
ولكن حين اصبح ( هرقل ) أمبراطوراً للروم هاجم جيوش الفرس وهزمهم وكان أول شرط للصلح هو أسترجاع خشبه الصليب المقدس ، فتسلمها هيرقل سنه 628 م وأطلق سراح الاسرى والبطريرك زكريا .
فى سنه 629 م أراد الأمبراطور هرقل أن يرد الصليب إلى كنيسه القيامه وأن يحمله هو بنفسه – فجاء به الى اورشليم ليعيد عود الصليب الى موضعه على جبل الجلجثه وهو لابس حلته الملكيه ، وواضع على رأسه تاج الذهب المرصع بالاحجار الكريمه ، ثم حمل الصليب على كتفه وساروا حتى طريق الجلجثه … ولكن حدث شئ غريب جداً ، هو أن الملك فجأه توقف بقوه خفيه ، وما أمكنه أن يخطو خطوه واحده ، حيث ثقل عليه الصليب الى درجه كبيره ، فتقدم البطريرك زكريا وقال للملك . ” أن السيح المسيح مشى هذه الطرق حاملاً صليبه ، مكللاً بالشوك لابساً ثون السخريه والهوان …. وأنت لابس أُثوابك الارجوانياً وعلى رأسك التاج المرصًّع بالجواهر – فعليك ان تشابه المسيح بتواضعه وفقره ” … فأصغى الملك إلى كلام البرطيرك ، وأرتدى ثوباً حقيراً ومشى مكشوف الرأس ، حافى القدمين ، فوصل إلى الجلجثه حيث ركز الصليب فى الموضع الذى كان فيه قبلاً .
ومنذ ذلك الوقت ونحن نحتفل فى الرابع عشر من أيلول بعيد وصول الصليب المقدس على يد القديسه هيلانه واسُترجاع خشبه الصليب المقدس من الفرس على يد الامبراطور هرقل .
بركه صلواته تكون معنا جميعاً أمين .