لشارع الهرم “سمعة”، هذا ما نعلمه منذ زمن. وبالنسبة للكثيرين من غير المصريين أو حتى من المصريين من خارج القاهرة، فإن صورة شارع الهرم هى صورة ليلية، أى صورة الملاهى والكازينوهات والبارات وربما الخلاعة والانحراف. وتحتل سمعة شارع الهرم موقع الصدارة فى قائمة الحياة الليلية رغم تغير الأحوال وانتشار الملاهى الليلية والبارات وصالات الديسكو والرقص فى أماكن أخرى كثيرة. ومع ذلك فإن التطورات الأخيرة أضافت لسمعة الشارع الشهير بعدا آخرا، فلم تعد تلك فقط المتعلقة بالجانب الليلى، وأعنى بذلك بعدا سياسيا. فبعد إقصاء الإخوان المسلمين عن الحكم بات شارع الهرم مسرحا لمواجهات بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين والأمن، بصورة ربما لم تكن متوقعة، فعلى جوانب هذا الشارع وفى زحامه االسكانى انتشرت جماعة الإخوان على مدى عقود من الزمان بهدوء ودأب. وهكذا وفجأة نكتشف أن للشارع بعدا سياسيا، لم يكن مرئيا، فكل ما نذكره هو أن شارع الهرم كان ساحة للعنف خلال أحداث الأمن المركزى فى الثمانييات.والآن نحن أمام شارع نشط بمتناقضاته سواء على صعيد المتعة واللهو ليلا أو على صعيد التوتر والاحتجاج السياسى نهارا.
ومع ذلك فإن شارع الهرم، فى النهاية، هو شارع عادى ويومى، فهو من الشوارع المزدحمة والمليئة بالمصالح الحكومية والمحلات التجارية وكل الخروقات المعمارية والحضرية والثقاقية. ورغم كل الفوضى التى يعيشها هذا الشارع الحيوى إلا أن ثمة نوع من تقسيم العمل خلال اليوم، فالملاهى التى المهجورة نهارا، تنشطخلال الجزء المتأخر من الليل وحتى الصباح الباكر. ولذا فهى الأقل بروزا للعيان، فنحن لا نرى زوار هذه الملاهى وهم يتوافدون إليها، كما أن خروجهم فى الصباح الباكر قبل زحام الحياة اليومية العادية يكون خروجا لحظيا ومباغتا، وكأنها تفتح أبوابها ضمن خطة محكمة لإجلاء زوارها دفعة واحدة وفى حركة سريعة ليختفوا بعدها تاركين الشارع جاهزا لاستقبال الجموع البشرية لتحتله حتى منتصف الليل أو الساعة الأولى من اليوم التالى. وبالمثل فإنالسمة المميزة لمظاهرات الإخوان أنها عمليات سريعة ومحدودة فى الزمان والمكان، فجموع المتظاهرين تتعامل مع الشارع نفسه كساحة مواجهات مؤقتة يعقبها إخلاء الشارع للزحام ولحركته البطيئة.
فى الحقيقة أن الملفت فى شارع الهرم ليس كونه حيزا للمتعة أو الاحتجاج، ولكن أبعاده، وإذا كان هناك سمة خاصة فهى إنه من الشوراع الممتدة فى خط مستقيم حيث يمكنك، عندما يكون الجو صافيا، أن ترى نهايته، فهو الشارع الذى يختزل المسافة بين النيل والأهرامات، ومن المفترض أن يكون الخط الواصل إلى المتحف المصرى الكبير. وفى الحقيقة أن هذا الامتداد الخطى يعطى الشارع سمة النهر، الذى تشكلت على ضفتيه وحوافه حياة تتسم بالعشوائية والتناقضات، نهرا يسير وسط أكوام من المبانى التى تعلن عن أسوأ أشكال التخطيط العمرانى والفساد. فهل سيجد هذا الشارع الحيوى ما يكفى من الحماية الحضارية والثقافية أم ستبتلعه العشوائية التى تنتشر على جوانبه وحوافه. للأسف فإن المؤشرات تفيد بأن الحالة مزمنة وكأن العشوائية قدر لا يمكن الفكاك منه. ولنتذكر أن سمعة شارع الهرم لم تدمره، كما أن الاحتجاجات والمظاهرات قد تكون مجرد أحداث عابرة، أما العشوائية فهى الخطر الداهم، حيث تعيد رسم أبعاد المكان لمحاصرة الأهرامات ولاحقا المتحف المصرى الكبير. وفعليا فمن ينظر إلى الأهرامات الآن يشعر أنها هياكل رمادية تطل على مجال عشوائى يتنامى وربما يبتلعها يوما ما.