عندما يتكرر تفجير خط الغاز بمدينة العريش كل عدة أشهر ، وعندما تتكرر حوادث إغتيالات جماعية لضباطنا وجنودنا من أفراد القوات المسلحة في مدينتي العريش ورفح فهذا يعني أن هناك خلل أمني .. وعندما تعلن جماعة بيت المقدس الإرهابية في كل مرة عن مسؤوليتها عن حوادث التفجيرات والإغتيالات دون أن يتمكن جهاز المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى من ملاحقتها والقبض عليها … فهناك أيضا خلل أمني …
لقد أصبحت الحوادث الإرهابية في مدينتي العريش ورفح قائمة على جدول الأعمال اليومي لهذه الجماعات الإرهابية ، لا تهاب أو تخشى تكرارها ، وفي هذا الأمر خطورة كبيرة وهي ليس فقط ضياع أرواح جنودنا الشهداء ، بل أيضا ضياع هيبة وكيان الدولة كداعمة للأمن وراعية لحقوق المدنيين السلميين.
لقد غاب الدور الأمني الحقيقي للدولة في جميع هذه الحوادث بداية من مذبحة رفح في شهر رمضان 2012م ، والتي تلاها عدد من الحوادث المتفرقة بشمال سيناء للقبض على العناصر الإرهابية … وصولا إلى قُتل ما لا يقل عن خمسة جنود مصريين بسيناء خلال شهر مايو 2014، وخلال شهر يونيو قُتل أربعة جنود مصريين مرة واحدة على يد مسلحين شمال رفح ، وبحلول شهر يوليو قُتل ما لا يقل عن أربعة جنود فى هجمات متفرقة، وفي 14 يوليو، قُتل ثمانية أفراد آخرين بينهم مجند، كما أصيب 33 بينهم 8 مجندين جراء سقوط قذيفتى هاون فى مدينة العريش .كما استشهد منذ أيام قليله 11 مجندا آخرين وضابط عند استهداف حافلة لنقل الجنود بالشيخ زويد من خلال عبوة ناسفة وضعت في طريق المدرعة.
إن تكرار هذه العمليات الإرهابية في نفس المنطقة يدل على غياب حقيقي للدور الأمني والإستخبراتي الذي ينتظره المجتمع المصري من الجهات الأمنية المسؤولة عن حماية المواطنين ، وكما نرى بأفلام الأكشن السينمائية أن الجهاز الأمني آخر من يعلم ، وأن وصوله للحقيقه بطيء وقدراته على القبض على المجرمين محدودة ، بينما قدرة المجرمين على إختراقه هائله وسريعه … هذا هو الواقع المؤسف الذي نعيشه اليوم ، وإن كان خط الغاز بمدينة العريش قد تم تفجيره لأكثر من 17 مرة ، فمن المؤكد أن هناك خلل جسيم في تأمين هذا المكان من جانب قوات الأمن والشرطة ، وإن كان في كل مرة يهرب الجاني بفعلته دون تقديمه للمحاكمه .. فهناك أيضا خلل وقصورأمني شديد ، أدى إلى عدم احترام القانون وتكرار ارتكاب نفس الجريمة في نفس المكان .
وإن كان في كل مرة يقتل جنودنا بنفس الأسلوب وبنفس الطريقة وهي تحديد خط سيرهم وقطع الطريق عليهم وقتلهم إما رميا بالرصاص كالأسرى في الحرب أو إلقاء صورايخ وقنابل عليهم ، تم تهريبها من الأنفاق أو تصنيعها محليا .
إن كنا نعرف الداء وفي يدنا الدواء فلماذا الإنتظار ؟ ولماذا التباطؤ في مواجهة هؤلاء المجرمين ؟ إنهم لا يهابون قوة القانون لأنهم يرون في أنفسهم القوة العظمى ؟ ولا يخشون أسلحة الجيش أو الشرطة لأنهم يمتلكون أسلحة اكثر تقدما وتطورا؟ ويتحركون بخطوات ثابته وبثقة كاملة لأن هناك من ينقل لهم المعلومات الدقيقة بتحركات هذه الكتائب العسكرية وأماكن مرورها وتوقيت تأديتها للخدمة العسكرية .. هناك من يسلم أرواح هؤلاء الأبرياء طمعا في الحصول على المال … ولكن أين أجهزة الأمن من كل هذا؟ وأين الدور الوقائي لأجهزة المخابرات في حماية المدنيين والعسكريين قبل وقوع الكارثة؟ من المستحيل أن يكون الجهاز الإستخبراتي لدى هذه الجماعات المسلحة يتمتع بكفاءه وقدرة عالية على جمع المعلومات، والتخطيط والتنفيذ بسرعة تفوق قدرة الأجهزة الحكومية بمراحل عديدة .. هناك خلل حقيقي يستحق المراجعة والتعمق في أسباب الحوادث السابقة لنتلاشى تكرارها في المستقبل ، ولا نكتفي بالشجب والإدانه والإستنكار لأن هذه الكلمات والتصريحات لم تعد تفيد المجتمع المصري الذي يتطلع كل يوم لينعم بالأمان وينتظر الغد على أمل أنه أفضل من اليوم.
لابد من مراجعة الآداء الامني في مواجهة الإرهاب لمواجهة هذا الخلل الجسيم الذي تسبب في إراقة الكثير من الدماء ، ولابد أن تجد الجهات الأمنية سبيلا لحماية جنودها من الهجمات الإرهابية المضادة ، لو كان أفراد القوات المسلحة يستشهدون في مواجهاتهم مع الجماعات الإرهابية لكان في ذلك أمرا قادرين على تقبله ، على إعتبار إننا في حالة حرب ضد الإرهاب ، ولكن الأمر الخطير أن جنودنا يقتلون وهم في حالتهم السلمية دون وقوع أي مواجهات مع الطرف الآخر وفي كل مرة تدبر لهم الحوادث الغادرة وهم غير مستعدين للمواجهه وغير قادرين على حماية أنفسهم .
إن كانت خطواتنا بطيئة في الوصول للجناه .. فخطوات الجناه سريعه في إيقاع الضحايا .. وإن كنا كجهات امنية ننتظر بين يوم وآخر لوقوع مزيد من الضحايا حتى نبذل جهدا في جمع المعلومات والتحريات فهذا أمر يستحق التعليق عليه ، وإن كنا غير قادرين فعليا على القبض على المجرمين المخططين والمنفذين … وإن كنا نهدر الوقت الثمين في البحث عن أسباب وقوع الجرائم حتى تتمكن الجماعات الإرهابية من التخطيط و التنفيذ لعملية جديدة … فنحن لا نستحق العمل في هذا المكان والأجدر لنا أن نعيد النظر في مستوى آدائنا الأمنى لمواجهة ما نعيشه من خلل يومي.