مريم أيقونة كاملة للإيمان: ” لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي ” (مر ٣ : ٣٥ )
يذكر القدّيس لوقا الإنجيلي، في مثل الزّارع، الكلمات الّتي شرح بها الرّب يسوع معنى ” الأرض الطّيبة ” حين قال: ” وأَمَّا الَّذي في الأَرضِ الطَّيِّبة فَيُمَثِّلُ الَّذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ بِقلبٍ طَيِّبٍ كَريم ويَحفَظونَها، فَيُثمِرونَ بِثَباتِهم ” ( لوقا ٨ : ١٥ )
إنّ القلب الطّيب الكريم، بالنّسبة للكلمة المسموعة والمحفوظة، يشكّل صورة ضمنيّة لإيمان العذراء مريم. فالإنجيليّ نفسه يحدّثنا عن ذاكرة مريم وكيف ” كانَت تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها ” (لوقا ٢ : ١٥ )، بطريقة أن الكلمة قد أثمرت في حياتها. إن أمّ الرّب يسوع تظهر هنا كأيقونة كاملة للإيمان كما قالت عنها القدّيسة إليصابات: ” طوبى لِمَن آمَنَت: فسيتّمُ ما بلَغها من عند الربّ ” (لوقا ١ : ٤٥ )
في مريم العذراء، ابنة صهيون، يتحقّق التّاريخ الطّويل للإيمان في العهد القديم والوارد في قصص العديد من النّسوة المؤمنات بداية من ساره، نسوة شَكَّلْنَ، إلى جانب الآباء، المكان الّذي تحقّق فيه الوعد وبزغت منه الحياة. وفي ملء الزّمن، توجّه ” كلمة الله ” نحو مريم لكي يتّخذ جسدًا فيها ويولد كنورٍ للأمم فقبلته مريم بكلّ كيانها وقلبها.
بالحقيقة ، فإنّ الإيمان قد حمل كلّ ثماره في والدة الرَّبُّ، وعندما تعطي حياتنا الرّوحيّة ثمارًا فإنّنا نمتلئ فرحًا وهذا الفرح هو العلامة الأوضح لعظمة الإيمان. لقد أتمّت مريم في حياتها مسيرة حج الإيمان باتّباعها لابنها. هكذا، فإنّ مسيرة الإيمان الخاصة بالعهد القديم تتلخّص، في مريم، من خلال اتّباعها للرّب يسوع، وتترك تلك المسيرة نفسها ليحولّها الرّب من خلال دخولها في نظرة ابن الله المتجسد ذاتها.