“النيل شريان الحياة ” .. لذلك تهتم الدولة فى الوقت الحالى بالمشروعات القومية التنموية شمالاً وجنوباً ، شرقاً وغرباً ، ومؤخراً قامت الحكومة مُمثلة فى وزارة الرى بتكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسى – وفى إطار المشروعات القومية العملاقة ضمن رؤية مصر 20 30 – بالإعداد لمخطط عام لطرح 12 موقعا علي جانبي النيل أمام المستثمرين بنظام حق الإنتفاع، وذلك بهدف تعظيم الإستفادة منها، وإنشاء متنزهات ومماشي عامة، ومواقع سياحية بالقاهرة وعدد من المحافظات.
أعلنت الوزارة قطاع حماية تطوير نهر النيل قد انتهي من أعمال الرفع المساحي ، موضحة أنه سيتم طرح المسطحات علي المستثمرين في مزاد علني خلال شهرين وتعد الوزارة حاليا المستندات اللازمة للطرح ، موضحة أنها تسعي لإستغلال مجري نهر النيل كمراسي سياحية في مناطق محددة بنظام حق الانتفاع طبقا لقانون المزايدات والمناقصات.
أوضحت “الرى” أنه تم التنسيق مع كيانات اقتصادية تمتلك مشروعات مطلة علي النيل بالجانب الشرقي لمحافظة القاهرة، بهدف تمويل تطوير وتجميل الممشي بتكلفة 7.5 مليون جنيه بداية من كوبري 15 مايو وحتي كوبري إمبابة ، مشيرة إلى أن القطاع أعد دراسة شاملة للإستفادة من جوانب النهر والأراضي المجاورة له، عن طريق تطبيق فكرة نظام الشراكة مع القطاع الخاص، لجعله موردا اقتصاديا من موارد الدولة. وذكر ان الفكرة تعتمد علي إقامة أعمال لا تقل تكلفتها عن 100 مليون جنيه من خلال حماية الجسور.. تخللها متنزهات ومراسي وحدائق تخصص للمواطنين للتنزه.
الوجه الحضارى للنيل
من جانبه يرى الدكتور عبد الله العريان وكيل كلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة سابقاً أن جانبى النيل بصفة عامة فى احتياج كبير إلى مخطط يُعيد لكورنيش النيل رونقه ، مشيراً إلى أهمية تفوافر عدة عوامل و قواعد فى المشروع الاستثمارى الذى تطرحه وزارة الرى على المستثمرين ، أهمها استقرار الشريط الحركى للمُشاه ، دون وجود أى عوائق فى حركة المواطنين على “الممشى” وبين حركة السيارات ، مع توافر الخدمات الكافية على هذا الشريط سواء كانت خدمات سياحية أو مجتمعية مُتمثلة فى الأماكن التى تقدم الوجبات الخفيفة ، وكذلك الخدمات الترفيهية ، وتوفير دورات المياة فى المناطق المناسبة لذلك .
طالب وكيل كلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة سابقاً بضرورة إيجاد العلاقة الطبيعية بين المواطنين و كورنيش النيل سواء من خلال “السلالم” أو “الفلوكات” أو إعادة إحياء الأتوبيس النهرى لسابق عهده ، منوهاً أنه غير ملوث للمياه النيل نظراً لإستهلاكه الضئيل للوقود ، مؤكداً على ضرورة ربط جانبى كورنيش النيل بوسائل النقل المناسبة مثل مترو الأنفاق ومواقف السيارات ، حتى لا يحدث تكدس مرورى ما مناطق ما مستقبلاً ، منوهاً لأهمية إيجاد التنسيق المعمارى لكورنيش النيل لإبراز وجهه الحضارى ، وحتى لا يحث مايُسمى “التلوث البصرى” ، مشيراً لأهمية خلق المشاريع السياحية والترفيهية على جانبى النيل ، منوهاً أن “جزيرة الوراق” هى فى الأصل تحفة معمارية بغض النظر عن ما بها من عشوائيات حالياً ، ولذلك ففى يُمكن استغلالها أيضاً من النواحى السياحية والخدمية معاً دون طرد الأهالى .
كما يرى الدكتور “العريان” أنه ليس من الضرورة أن يتم العمل فى الـ 12 مرة واحدة ، وإنما يُمكن تقسيمهم إلى مراحل أو البدء والتركيز على كل مشروع واحد فرادى ، بحيث يكون كقصة نجاح مدروسة “نموذج” بين المواطنين والنيل ، ومن ثم يتم تكرار التجربة فى مناطق أخرى ، مؤكداً أن المراكب النيليلة يجب إعادة النظر فى وجودها لعدة إعتبارات منها أن حجم هذه المراكب كبير وغير متناسب مع عرض النيل ،وأضاف : فيجيب الأخذ بكل الإعتبارات البيئية نظراً لأهميتها ، مع عدم الإغفال بأن المصريين يعشقون النيل كمتنزه عام ويحبون الإستماع به ، منوهاً إلى ضرورة أن يُعد هذا المشروع الصورة الذهنية الحقيقية لمصر ، مؤكداً على أهمية تشجيع المشروعات بكل أشكالها لنعوض ما فاتنا على مدار السنوات الماضية التى حُرونت فيها مصر من المشاريع الكبرى .
“ممشى أهل مصر”
من جانبه صرح المهندس صلاح عز رئيس قطاع حماية وتطوير نهر النيل بوزارة الري أنه جارى إعداد كراسات شروط لأكبر مرسى نيلي في القاهرة لخدمة الأغراض السياحية، بمواصفات تستفيد من مشروع “ممشى أهل مصر”، لزيادة الإستفادة من الخدمات السياحية لنهر النيل، على أن يتم التصرف بالمشروع وفقاً لنظام حق الإنتفاع ، مشيراً إلى أن الطرح سيكون في مزاد عام يتميز الموقع المزمع طرحه كمرسي نيلي، بوجود مسطح بمساحة كبيرة، ويتميز بوقوعه أمام أكبر مسطح مائي للنيل، يمنحه ميزة نسبية في حق الإستغلال ، منوهاً أن “الري” بدأتفي تنفيذ عدة برامج بغرض المساعدة في توفير التمويل اللازم للمشروعات التي تقوم بها الوزارة، بغرض التخفيف قدر الإمكان عن الأعباء الملقاة على الموازنة العامة للدولة، موضحًا أن القطاع بدأ بفكرة اعتماد مشاريع حماية وتطوير جوانب نهر النيل بالتمويل، من مصادر خارجية بعيده عن الميزانية المخصصة لتلك المشروعات في الموازنة العامة للدولة.
وأوضح رئيس قطاع حماية وتطوير نهر النيل بالوزارة أن “الرى”تقوم بالتنسيق مع إحدى الكيانات الاقتصادية الكبيرة المطلة على نهر النيل بالجانب الشرقي لمحافظة القاهرة لتمويل تطوير وتجميل مسافة حوالي 2000 متر امتداد لمسافة ممشى أهل مصر المتبقية عن كوبري 15 مايو لتنفيذ امتداد لها ينتهي عند كوبري إمبابة ويقوم القطاع حاليا بإعداد مستندات طرح الأعمال في مناقصة عامة بين الشركات المتخصصة وأيضًا تعمل وزارة الموارد المائية والري حاليا في الإعداد لفكرة طرح استغلال المنطقة وفقا لنظام حق الانتفاع أيضًا، ضمن المشروع القومي «ممشى أهل مصر»، منوهاً إنه سيتم طرح “المسطحات” على المستثمرين في مزاد علني خلال شهرين، فيما تعد الوزارة حاليًا المستندات اللازمة للطرح ، مشيراً إلى أن الهدف من مشاركة القطاع الخاص في هذه المشروعات هو تعظيم الاستفادة من النهر، والمحافظة عليه من التعديات التي وصلت إلي 50 ألفاً و399 حالة تعدٍ تم إزالة 12576 منها فقط.
مشروع تاكسى النيل
وأشارت الدكتورة إيناس صبرى مدير عام التعليم الإلكترونى بوزارة التربية والتعليم إلى أهمية التوسع فى المشاريع سواء التى تطرحها الدولة أو التى يقوم بتنفيذها القطاع الخاص ، وفيما يتعلق بالمشاريع التى تريد الدولة طرحا على جانبى النيل أن تهتم بالجوانب الإبتكارية فى إظهار الطابع الحضارى للنيل ، منها التفكير الجادى فى دراسة “فكرة” مشروع تاكسى النيل ، وذلك من خلال لجوء الحكومة للشركات المختصة فى ذلك ، والعمل على طرح مثل هذا المشروع سواء من الناحية السياحية أو الخدمية ، مع التأكد من أن هذا المشروع صديق للبيئة ، بحيث لا ينتهى الأمر ببناء “مولات” وغير ذلك من المشروعات التى لا تحقق نفع عام ، مشيرة إلى أن المواطنين محرومون من الإستمتاع بالنيل فى الوقت الحالى كمتنزه عام .
وترى دكتورة إيناس صبرى أنه عندما تنوى الدولة فى إنجاح مثل هذه المشاريع أن تُحدث نوعاً من التشبيك مع المستثمرين الجادين والقائمين على البحث العلمى فى هذا المجال ، مع الأخذ بالتجارب العالمية فى كيفية الإستفادة من جوانب الأنهار لديها ، مقترحة إنشاء نموذج للقرية النوبية مثلاً ، والعمل على ربطه بالمراكب الشراعية مع جانبى النهر، بحث يُمكن التخطيط لاستثماره سياحياً فى المستقبل القريب .
حرم النيل
من جانبه أوضح الدكتور سامح العلايلى العميد الأسبق لكلة التخطيط بجامعة القاهرة أن منذ السبعينيات و قد وقعت معاهدة باريس من أجل تخطيط القاهرة الكبرى , و كان أول ما أوصت به المعاهدة هو ضرورة وجود فواصل كافية بين النيل و بين أية مبانٍ مشيدة بجواره أو حتى مشوعات , بالتالى غير مقبول التشيد على ضفافه .
و ذلك تماشياً مع القانون و الذى نص على حصر ولاية النيل فى 80 متر من خط التهذيب حتى يتمكن قطاع حماية النيل من السيطرة على جوانب النهر ومنع التعديات والتيسير على المواطنين فى استخراج التصاريح اللازمة فى الملكيات الخاصة بعد مسافة الـ 80 متر.
و أضاف ” العلاليلى ” معظم المصريين متمركزين فى 5% من الأراضى المصرية , فى حين أن مساحة مصر تتخطى المليون كيلو متر , بالتالى لهم التحرك بمشروعاتهم و استثماراتهم بعيداً عن النيل , كما أنه يكفى ما تصرفه هذه المشروعات فى المياه , و ما ينتج عنها من مخلفات .
و أشار “العلايلى” أن ما يحدث من انتهاكات للنيل وحرمه , لا يعنبر سوى جشع من قبل المستثمريين العقاريين , و غيرهم من أصحاب المشروعات .
الرقابة و المحاسبة
و أكد الدكتور “حسام هزاع ” عضو لجنة السياحة بغرفة شركات السياحة على أن الأمور لم تكن اعتباطاً , و أن ثمة حالة من المراقبة و المحاسبة تتعرض لها المشروعات المقامة على النيل من قبل الأجهزة المعنية بحمايته .
و أضاف ” هزاع ” كل الشركات و المشروعات و أيضاً الفنادق المتواجدة على ضفاف النيل تواجهها الكاميرات و أجهزة المراقبة , حتى معظم المخلفات بيتم إعادة تدويرها و الاستفادة منها , و فى حالة ضبط أية مخالفات بيتم وضع الغرامات للشركة المتسببة فى هذه الخلفات .
و نوه ” هزاع ” إلى أهمية تشييد الشركات و المؤسسات على النيل , لما تحققه من عمليات جذب و رواج لأنشطتها , مستشهداً بدول العالم المتقدمة و التى دائماً ما تستخدم ضفاف النيل كنوعاً من الجذب و تيسير النشاط .
الأهمية الاقتصادية للنيل
بينما أكد المستشار فؤاد حامد الخبير في الاستثمار السياحي أن نهر النيل الذي يعد شريان الحياة الأساسي لمصر مهدر بنسبة ٩٠٪ في ظل غياب الوعي واختزال قضية النهر في مجرد كونه ممر مائي يحمل مياة الشرب والري ، وتحدث حامد عن الأهمية الاقتصادية لنهر النيل والعائد الاستثماري من صناعات السياحة والاستثمار العقاري، والنقل النهري وغيرها، وإهدار الفرص المصرية لتعظيم الاستفادة من النهر لتوفير عائد وفرص عمل وتنمية حقيقية تتوفر جميع مقوماتها. وقال المستشار فؤاد حامد أن النهر قد عانى من عشوائية وسوء في التخطيط حتى وصل الأمر إلى إهدار مساحات شاسعة على ضفاف النهر وتبويرها لصالح منشئات إنتاجية من الممكن إنشاؤها في مناطق أخرى، وفي أحوال أخرى استغل البعض الفساد وضعف المنظومة لردم مساحات شاسعة من النيل وصلت في حالة واحدة إلى ٤٥ فدان في حلوان تم ردمها بالتدريج ولازالت المخالفات مستمرة!! . وفي النهاية قال المستشار فؤاد حامد أن وثيقة حماية نهر النيل بداية تأخرت كثيرا، وأن المطلوب من الحكومة في قضية النهر هو أن تنظر جنوبا، إلى دول المنبع وتنمية العلاقات معها، وأيضاً جنوبا في الداخل إلى الصعيد المهمل والذي تنتشر في حالات التعديات التي تشكو الإهمال وتعاني من آثار القرارات التي اتخذت في فترات سابقة بإنشاء صناعات أضرت بالبيئة وبالناس وبالنهر.
وكانت وزارة الموارد المائية والري قد وقعت بروتوكول تعاون مؤخراً مع البنك الأهلي المصري ، حيث يقوم البنك بمقتضى ذلك بتمويل عمل إمتداد لممشى “أهل مصر” وتجميل المنطقة في المسافة من (كوبري 15 مايو أمام موقع البنك الأهلي حتى كوبري إمبابة) وفي حدود مبلغ سبعة ملايين وثماني مائة وخمسين ألف جنيه ، كما يشمل البروتوكول قيام البنك الأهلي بتنفيذ أعمال تجميل لمساحة غير مستغلة من أراضي منافع الري كائنة أمام البنك وإستخدامها كساحة إنتظار للسيارات وذلك طبقًا للضوابط واللوائح المنظمة لذلك مما يحقق عائد سنوي للخزينة العامة للدولة .. ويقوم البنك بإنشاء مرسى عائم أمام موقعه (بطول 25 متر وعرض 8 متر) لاستغلاله كمحطة تاكسي نهري لنقل العاملين بالبنك؛ مما يساعد على تقليل الكثافة المرورية داخل مدينة القاهرة والجيزة ويشجع على تعظيم الاستفادة من نهر النيل في استخدامه داخل محافظتي القاهرة والجيزة كوسيلة لنقل المواطنين مما يخفف من الازدحام المروري.
الجدير بالذكر جدير أن الوزارة تخطط لكي يغطي ممشى أهل مصر المسافة من منطقة حلوان حتى منطقة القناطر الخيرية في البر الشرقي لنهر النيل لمسافة 50 كيلو متر بهدف الاستفادة من مجرى نهر النيل واستخدام الممشى كمتنزه عام ويصبح واجهة حضارية تليق بنهر النيل العظيم. وتهيب الوزارة بالكيانات الاقتصادية وجهات المجتمع المدني المختلفة القائمة على جانبي نهر النيل المساهمة في أعمال تطوير المجرى لما يحققه من مردود حضاري واقتصادي واجتماعي على مصرنا الحبيبة ، حيث ستعود الفكرة علي الدولة بموارد مالية كبيرة، وتدفع عجلة الاستثمارات بما يحقق خطة الدولة والاستفادة من الموارد المهدرة ، حيث أن الدولة لا تستفيد من العائمات والكازينوهات الكبيرة الموجودة حاليا علي النيل، حيث يقوم أصحابها بدفع 15 ألف جنيه في السنة نظير الإنتفاع، كما أن المراسي التي يتم ترخيصها من الري يقوم أصحابها بالمتاجرة فيها ببيعها مرة أخري، لذلك قررت الوزارة الاستثمار في النيل لصالح المواطن.