اتجهت انظار العالم بأثره خلال الأيام الماضية ، خاصة أمس ، نحو اسكتلندا حيث توجه الناخبون الإسكتلندين صباح يوم الخميس بكثافة إلى مراكز الاقتراع في استفتاء تاريخي حول استقلال هذا البلد عن المملكة المتحدة من عدمه ، وقد أتت نتائج هذا الاستفتاء طبقاً لمؤشرات الصندوق ب” لا” للإستقلال عن المملكة المتحدة ، حيث جاء رفض الاستقلال عن بريطانيا بنسبة 55,3% من الأصوات ، وذلك بفارق كبير عن مؤيدي الاستقلال الذين حصلوا على 44,70% من الأصوات بحسب الأرقام الرسمية الصادرة صباح اليوم بتوقيت اسكتلندا ، وذلك للمرة الأولى منذ ثلاثة قرون مضت منذ بداية الوحدة، وقد أظهرت إحدى استطلاعات الرأي تقلص الفارق لصالح مؤيدي الوحدة مع بريطانيا . وكانت مراكز الاقتراع قد فتحت أبوابها الساعة السابعة صباح الخميس في الاستفتاء التاريخي حول استقلال اسكتلندا . إذ كان يتعين على الناخبين الإجابة على السؤال المصيرى ألا وهو “هل يجب أن تصبح اسكتلندا بلدا مستقلا؟”، وبالتالي البت في رسم مستقبل تحالف يعود إلى العام 1707 .
وقد عمل الحزب الوطني الاسكتلندي حتى الساعات الأخيرة قبل الاستفتاء على دعوة ناخبيه بأن لا يفوتوا الفرصة التاريخية لاستقلال بلادهم، ومن ناحية أخرى أكد رافضو الإستقلال أن مكانة اسكتلندا أفضل ضمن اتحاد المملكة المتحدة كقوة لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية .كما ظل الجدل على أشده في أطراف المملكة المتحدة بشأن انفصال اسكتلندا عن اتحاد المملكة المتحدة أو بقائها ضمن وحدة الأراضي البريطانية ، حتى أن مؤيدى الانفصال والحفاظ على الوحدة أخذوا يحشدون لتأييد لحملاتهم والتى وصلت إلى حد الترغيب والترهيب حتى الدقائق الأخيرة على الاستفتاء التاريخي . ويأتي تحسين الوضع الاقتصادي في اسكتلندا ووضعية السكان، على رأس أوليات الناخبين، وقد يكون هذان العاملان أساسيين في ترجيح كفة المنادين بالحفاظ على وحدة المملكة المتحدة ، من ناحية اخرى دخلت بريطانيا في حالة من القلق الشديد على كافة المستويات مع اقتراب موعد الاستفتاء التاريخي، الذي سيحدد مصير اسكتلندا، وما إذا كانت ستعلن استقلالها عن المملكة المتحدة أم لا، فيما يغرق البريطانيون في الجدل بشأن الانعكاسات المتوقعة على استقلال الإقليم، وخاصة في المجال الاقتصادي، حيث تمثل اسكتلندا مركز ثقل استثماري واقتصادي مهماً للبلاد .
وقد استعرضت جريدة “صنداي تايمز” المخاطر التي تتعرض لها بريطانيا في حال انفصال اسكتلندا، مشيرة إلى أن “رويال بنك أوف سكوتلاند”، وهو الأكبر في اسكتلندا، وأحد أكبر المصارف في بريطانيا والقارة الأوروبية يواجه أزمة محتملة في حال الانفصال، فضلاً عن خسائر بعشرات المليارات قد تتكبدها الشركات البريطانية الكبرى مثل “بريتيش بيتروليوم” وغيرها . ونقلت الصحيفة عن محللين في “كريدي سويس” قولهم إن “رويال بنك أوف سكوتلاند” قد يواجه نقصاً كبيراً في التمويل يصل إلى 5.6 مليار جنيه إسترليني (9 مليارات دولار) في حال انفصال مقاطعة اسكتلندا عن بريطانيا، مشيرة إلى أن هذا العجز سيكون في قطاع التأمينات التقاعدية وحده، فضلاً عن الخسائر الأخرى التي سيتكبدها البنك والمشاكل الأخرى التي سيواجهها .
ويقول المحللون إن الشركات البريطانية الكبرى ستواجه مصاعب في حال فقدت المملكة المتحدة اسكتلندا، مشيرة إلى أن الخسائر ستتجاوز 100 مليار جنيه إسترليني (162 مليار دولار)، بالنسبة لهذه الشركات التي تضم “بريتيش بيتروليوم” ومجموعة “لويدز” المصرفية . وتقول “صنداي تايمز” إن التكاليف التي ستتكبدها الشركات والأفراد ستكون كبيرة في حال استقلال اسكتلندا ، فيما ستضطر شركات أخرى إلى جمع سيولة نقدية من المساهمين من أجل تجنب الانزلاق إلى أزمات مالية خانقة . كما يؤكد الكثير من المحللين الاقتصاديين أن مشكلة المعاشات التقاعدية والتأمينات التي ستواجه الشركات البريطانية إذا استقلت اسكتلندا ليست سوى واحدة من بين قائمة طويلة المشاكل التي ستنشأ نتيجة انهيار اتحاد عمره 307 سنوات ، وذلك في حال صوت الناخبون بــ(نعم) في الاستفتاء . وكان الجنيه الإسترليني قد هوى إلى مستويات متدنية أمام العملات الأخرى على مدارالأيام الماضية ، بسبب ترقب الإحتمالات بانهيار الاتحاد الذي تقوم عليه بريطانيا العظمى .
تقرير مجموعة ” وير” الاسكتلندية
قال تقرير تم إعداده بطلب من مجموعة ” وير” الهندسية الاسكتلندية : إن استقلال اسكتلندا قد يثقل كاهل الشركات المحلية بتكاليف إضافية قدرها مليار جنيه استرليني (1.66 مليار دولار) ،وتوصل التقرير الذي يقع في 80 صفحة وأعدته مجموعة اوكسفورد ايكونوميكس للتوقعات والأبحاث أن طرح عملة اسكتلندية جديدة قد يتسبب في تكاليف قدرها 500 مليون استرليني سنويا للشركات والأسر الاسكتلندية إضافة الى تكلفة غير متكررة قدرها 800 مليون استرليني أثناء الفترة الانتقالية ، وأثار زعماء قطاع الأعمال مخاوف بخصوص العملة والضرائب والقواعد التنظيمية وعضوية الاتحاد الأوروبي إذا حصلت المنطقة على الاستقلال ، وكان الفقدان المحتمل للجنيه الإسترليني هو أحد أكبر مخاوف الشركات في اسكتلندا.
ومن المعروف أن اسكتلندا تستخدم الجنيه الاسترليني كسائر بريطانيا، حيث يُدعم العملة بنك انجلترا (البنك المركزي البريطاني) كجهة اقراض اذا دعت الحاجة الى ذلك كما يحدد بنك انجلترا الفائدة بهدف الحد من التضخم ، و يتسلم البرلمان الاسكتلندي تسوية تمويل كل ثلاث سنوات، كما يقرر في “هوليرود” كيفية انفاق هذه الموازنة في القضايا التي اعطتها الحكومة البريطانية حق التصرف فيها، يحق للبرلمان الاسكتلندي تغيير ضريبة الدخل بمقدار ثلاثة بنسات ادنى او أكثر من معدلات بريطانيا، ولكنه لم يستخدم هذه الصلاحية ، وأعطي قانون اسكتلندا عام 2012 الحكومة المحلية الحق في تحديد معدلات ضريبة الدخل لدافعي الضرائب في البلاد ، واذا استمر الوضع على ما هو عليه، من المزمع ان يبدأ تنفيذ هذا القرار في ابريل 2016 .من اناحية أخرى تريد الحكومة الاسكتلندية وحدة العملة مع بريطانيا ، إذ تقول إن هذا الاتفاق “لن يكون في صالح اسكتلندا فقط”، بل سيكون فيه منفعة لسائر بريطانيا ، ويقول الوزير الاأول في اسكتلندا “اليكس ساموند ” إن هناك اختيارات اخرى، وهي استخدام الجنيه دون وجود وحدة في العملة مع بريطانيا أو “عملة مرنة” مثل السويد او النرويج .
رويال بنك أوف اسكتلاند
وكان رويال بنك أوف اسكتلاند “آر بي إس” كان قد أكد أنه سينقل مقره إلى لندن إذا صوتت اسكتلندا على الاستقلال عن المملكة المتحدة الأسبوع المقبل ، إذ يعمل في رويال بنك أوف اسكتلاند 11500 موظف ، وأوضح أنه ينوي الإبقاء على “مستوى كبير” من الوظائف في اسكتلندا، التي تضم مقر البنك منذ عام 1727. من جهة أخرى، أعرب مارتن غلبرت الرئيس التنفيذي لصندوق ابردين لإدارة الأصول، أكبر صندوق مالي في اسكتلندا، عن اعتقاده بأن استقلال اسكتلندا سيكون نجاحا كبيرا . وكانت الشركات قد بدأت بشكل متزايد في الأيام الأخيرة قبل الاستفتاء وضع خططها الطارئة لما بعد الاستفتاء على استقلال اسكتلندا. كما أعلنت مجموعة لويدز المصرفية من قبل أنها يمكن أن تنقل بعض أعمالها خارج اسكتلندا. لكنها أوضحت أن ذلك سيكون فقط إجراء قانونيا “ولن يكون هناك تغييرات فورية أو مشاكل”. حيث تملك لويدز التي تحتفظ الحكومة البريطانية بحصة فيها تبلغ 25 في المئة، بنك اسكتلندا وهاليفاكس .ولا تعني الخطوة التي وصفتها لويدز بأنها “إجراء قانوني” أنه سيكون هناك نقل جماعي لموظفيها من اسكتلندا والبالغ عددهم 16 ألف موظف، لكن هذه الخطوة ستعني ببساطة أن البنك سيظل يحظى بحماية ورقابة بنك انجلترا .
من جهة أخرى كانت بريطانيا كانت قد حذرت حتى يوم الاستفتاء اسكتلندا بأنها ستفقد الجنيه الإسترليني إذا صوت الاسكتلنديون لصالح الاستقلال، وذلك في أقوى محاولة للتصدي إلى مسعى فض الاتحاد القائم منذ 307 سنوات مع إنجلترا .
وفي تصريح ضمن الحملة البريطانية لإبقاء اسكتلندا كجزءاً من المملكة المتحدة، سعى وزير المالية، جورج أوزبورن، إلى اللعب على المخاوف الاسكتلندية من فقد الإسترليني، قائلاً إن الانفصال سيكلف الاسكتلنديين غالياً، ويلقي بهم في دوامة من عدم الاستقرار.وقال أوزبورن الذي يعد أقرب حليف لرئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، خلال كلمة في أدنبرة “الإسترليني ليس أصلاً قابلاً للتقسيم بين بلدين بعد الانفصال كما لو كان مجموعة اسطوانات أغانٍ” . وأضاف “إذا انفصلت اسكتلندا عن المملكة المتحدة فستفقد الجنيه الإسترلنيي.” وتجري اسكتلندا استفتاء على الاستقلال في 18 سبتمبر. وباب الاقتراع مفتوح لأربعة ملايين مواطن فوق سن السادسة عشرة .
وتتماشى الكلمة التي كانت بعنوان “اسكتلندا تحتفظ بالإسترليني والأمان الاقتصادي الذي يجلبه” مع محاولة كاميرون الأسبوع الماضي الدفاع عن الاتحاد من منظور وطني . لكن وزير المالية البالغ 42 عاماً ومهندس برنامج بريطانيا لتقليص الإنفاق، وجه رسالة أشد للاسكتلنديين قائلاً : إذا انفصلتم عن المملكة المتحدة فستفقدون الإسترليني وتدفعون أسعار فائدة أعلى ، وأنه لا يوجد مبرراً قانونياً يجبر باقي أعضاء المملكة المتحدة على تقاسم عملتهم مع اسكتلندا .
آدم سميث أشهر أبناء اسكتلندا
وكانت الأحزاب السياسية الثلاثة الرئيسية في المملكة المتحدة قد استبعدت عملة مشتركة على الرغم من أن هذا هو الخيار المفضل لحكومة اسكتلندا إذا اختار الناخبون الاستقلال،وقال التقرير إن عملة اسكتلندية جديدة حرة التداول يمكن أن يكون سعر صرفها أكثر تقلبا بالنظر إلى اعتماد اسكتلندا على النفط والغاز والقطاع المالي ، لكن التقرير أبرز في الوقت نفسه بعض الفوائد المحتملة للاستقلال في مقدمتها أن التمتع بسلطات أوسع لصنع القرار قد يساعد الشركات المحلية من خلال خفض ضرائب الشركا ت . الجدير بالذكر أنه يُنظر إلى أشهر أبناء اسكتلندا آدم سميث على أنه رائد الليبرالية الاقتصادية القائمة على حرية كاملة لكل أفراد المجتمع في تعاملاتهم الاقتصادية للازدهار والرفاهية ، ويتخذ أليكس سالموند مرجعيته الفكرية من أب الاقتصاد الحديث الاسكتلندي آدم سميث، ويردد رئيس الحكومة الاسكتلندية “أليكس سالموند” مراراً إحدى مقولاته بأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر ويكون سعيدا إذا لم يستفد أفراده من ثروات بلادهم .