تستمر الدعوات لتظاهرات جديدة في محيط السراي الحكومي في العاصمة اللبنانية بيروت. وتأتي هذه الدعوات رغم التحذيرات من وجود من وصفوا، بالمندسين، الذين يسعون إلى التعدي على القوى الأمنية والممتلكات العامة والخاصة. مع تصاعد تداعيات أزمة القمامة التي يشهدها لبنان، يعقد مجلس الوزراء برئاسة تمام سلام جلسة استثنائية، اليوم الثلاثاء 28 أغسطس 2015، لبحث الأزمة، فيما أعلنت حملة “طلعت ريحتكم” عن 6 مطالب، داعية لاستئناف الاحتجاجات السبت المقبل.
وذكرت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام أن الحكومة ستبحث “وضع النفايات الكارثي واتخاذ القرارات المناسبة بشأن المناقصات العائدة لخدمات النفايات المنزلية الصلبة”. من جانبه، أكد قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي على “حماية المظاهرات السلمية وحق الجميع في حرية التعبير عن مواقفهم وآرائهم في إطار القانون والنظام”، وذلك خلال تفقده لقوات الجيش التي انتشرت في بيروت بعد أعمال العنف التي تخللت الاحتجاجات، مساء الأحد، وأسفرت عن إصابة أكثر من 400 شخص.
وحذر قهوجي من أن “الجيش لن يتهاون مع المخلين بالأمن أو المندسين بين المتظاهرين الذين يسعون إلى حرف المظاهرات السلمية عن مسارها ومطالبها المشروعة، بهدف النيل من هيبة القوى الأمنية تمهيدا لإثارة مناخات الفتنة والفوضى في البلاد”.
حركة “طلعت ريحتكم”
في غضون ذلك، دعت حركة “طلعت ريحتكم” إلى استئناف الاحتجاجات، السبت المقبل، وكانت الحركة ألغت مظاهرات، مساء الاثنين أمس، بسبب المصادمات، ووضعت الحركة عبر صفحتها على موقع “فيسبوك” 6 مطالب كالتالي وفقا لما نشرته: – التأكيد على حرية التظاهر والتجمع. – إطلاق جميع المعتقلين من المتظاهرين فورا وإبطال أي ملاحقة على أساس المشاركة في التظاهر أو التجمع أو الدفاع عن النفس في مواجهة العنف المستخدم ضدهم. – الإسراع فورا إلى إجراء تحقيقات جدية وشفافة ومستقلة بهدف محاسبة كل من تورط بالعنف في مظاهرات اليومين الأخيرين، من مسؤولين سياسيين وأمنيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية نهاد المشنوق، وتوقيف العناصر الذين أطلقوا النار فورا ومن دون أي تأخير.
الآلاف يشاركون في الاحتجاجات
توقعت أعمال عنف خلال الاحتجاجات التي شارك فيها اللآلاف في وسط بيروت ضد الحكومة اللبنانية. واتهمت مجموعة “طلعت ريحتكم” التي دعت إلى المظاهرات من اسمتهم بالمندسين بالوقوف وراء استفزاز القوى الامنية ومحاولة التشويش على التحرك. واعلنت الحركة عن ارجاء الاعتصام التي كانت قد دعت اليه مساء هذه الليلة، لاسباب امنية.
وتقول كارين طربيه مراسلة بي بي سي في بيروت إن وسط بيروت لم يهدأ الا بعد استقدام تعزيزات من الجيش اللبناني لانهاء مظاهر الفوضى.
كان اعتصام الحركة المنادية باسقاط النظام ليتزامن مع اعلان وزير البيئة محمد المشنوق نتيجة مناقصة تلزيم النفايات في البلاد التي تشهد ازمة مستشرية في هذا الشأن منذ اكثر من شهر، وكانت هي فتيل التحركات الاخيرة. ودعت المجموعة إلى فض الاعتصام والعودة الي التظاهر مجددا. وقطع وزير الداخلية نهاد المشنوق اجازة كان يقضيها في ميكونوس باليونان، وترأس اجتماعا امنيا في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي.
ودعا المشنوق إلى “ضرورة ضبط الوضع وحفظ الامن والمحافظة على امن وممتلكات المواطنين، مع الحفاظ على حق المتظاهرين في التعبير عن آرائهم تحت سقف القوانين المرعية الاجراء”. وبدأ الاعتصام الذي دعت اليه الحملة المكونة من من ناشطين في المجتمع المدني بعد ظهر الاحد الماضي احتجاجا على عجز الحكومة عن ايجاد حل لازمة النفايات المنزلية التي تغرق فيها شوارع بيروت ومنطقة جبل لبنان منذ اكثر من شهر. وبلغ الغضب من حكومة الوحدة التي يقودها رئيس الوزراء تمام سلام، وتضم ساسة منقسمين في لبنان، ذروته في الأسابيع الأخيرة بسبب الفشل في حل أزمة تراكم القمامة. وهو ما يجسد إخفاقا أوسع للدولة الضعيفة.
مصابون رغم الاحتجاجات سلمية!!
تسببت الأزمة بإصابة اكثر من سبعين شخصا بجروح، وفقا لوكالة فرانس برس، مما يزيد الضغط على الحكومة العاجزة عن اتخاذ اي قرار بفعل الانقسام السياسي. وأفاد شهود عيان بأنه بينما كان المعتصمون يرددون هتافات “سلمية سلمية” في اشارة الى الطابع السلمي لتحركهم في ساحة رياض الصلح القريبة من مقري مجلس النواب ومجلس الوزراء، بادرت مجموعة من الشبان بعضهم كان ملثما الى رشق العناصر الامنية وقوات مكافحة الشغب الذين وقفوا صفوفا متراصة خلف عوائق حديدية واسلاك شائكة بعبوات المياه المخلوطة بالرمل الذي جمعوه من حديقة ساحة رياض الصلح وبالاخشاب والحجارة التي اقتلعوها من ارض الحديقة.
كما حاولوا ازالة السياج الشائك الذي وضعته قوات الامن لمنع المعتصمين من التقدم الى مقر الحكومة. واحرق عناصر من هذه المجموعة دراجة نارية على مراى من القوى الامنية. وبعد محاولة دفع المتظاهرين للتراجع الى الخلف عبر اطلاق خراطيم المياه تجاههم من دون تحقيق ذلك، عمدت القوى الامنية الى اطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين. وقال حسن شمص وهو من القائمين على الحملة إن مندسين هم وراء أعمال العنف وإن الحملة بدأت سلمية وستستمر سلمية. وقال سامر عبد الله وهو ناشط (39 عاما): “الناس خرجوا لأنهم لا يحصلون على الكهرباء أو الطاقة. لديهم مليون مشكلة ومشكلة القمامة هي التي أشعلت الموقف. “
مسؤولون حكوميين: بين الفساد وضعف الكفاءة
ويطالب كثير من المتظاهرين باستقالة تمام فورا، متهمين المسؤولين الحكوميين بالفساد وضعف الكفاءة. وتعد هذه أكبر احتجاجات يشهدها لبنان منذ أعوام، وبدأت بتظاهر اللبنانيين اعتراضا على تراكم القمامة في الشوراع. واعتبر رئيس الوزراء اللبناني أن بلده يمر بـ “لحظات عصيبة”، مشيرا إلى أن ذلك نتيجة تراكمات من التعثر والغياب على الصعيد السياسي. وأشار إلى أن المشكلة الأكبر في لبنان هي أزمة “النفايات السياسية” محذرا من أن الحكومة لاتمتلك موارد مالية لدفع الرواتب لقطاع كبير من موظفي القطاع العام.
الصدام مع قوات الأمن
فض الأمن اللبناني مظاهرة نظمها آلاف من المحتجين المعارضين في العاصمة بيروت. ووقعت اشتباكات بين المتظاهرين في قلب بيروت وقوات الأمن الذي استخدم قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين. واتهمت مجموعة “طلعت ريحتكم”، التي دعت لتنظيم مظاهرات الأحد، “مندسين بالوقوف وراء استفزاز القوى الأمنية ومحاولة التشويش على التحرك”.
ودعت الحركة للعودة للتظاهر مجددا. وتعرض اثنان من عناصر الأمن للإصابة ونقلهم زملاؤهم للمستشفى بينما نقلت سيارات الإسعاف 5 مصابين من بين المتظاهرين لأحد مسشتفيات بيروت القريبة، بحسب وكالة أسوشيتد برس. وأظهرت لقطات تلفزيونية حية بثتها عدة قنوات إخبارية قيام قوات الأمن بفتح خراطيم المياه عالية الضغط على متظاهرين قرب مقر رئيس الوزراء تمام سلام في بيروت. وألقى المحتجون مقذوفات وألعاب نارية على قوات الأمن التي كانت تغلق الطريق المؤدية إلى “السراي الكبير” مقر رئاسة الحكومة في وسط بيروت.
وتظاهر آلاف اللبنانين مجددا بعد ساعات فقط من تعهد رئيس الوزراء بمحاسبة المسؤولين عن استخدام “القوة المفرطة” لتفريق مظاهرات سابقة مساء السبت ما أدى لإصابة عشرات المتظاهرين. وقال سلام إن عناصر الأمن الذي استخدموا القوة ضد المتظاهرين وتسببوا في إصابتهم سيتم التحقيق معهم وعقابهم. وأضاف في مؤتمر صحفي أن حق التظاهر مكفول لجميع المواطنين بموجب الدستور.
محاولات حكومية للتهدئة
عقدت الحكومة اللبنانية اجتماعا استثنائيا في غمرة حركة احتجاجية لافتة على استفحال أزمة النفايات، في حين دعت قوى أهلية للتظاهر مجددا يوم رغم إعلان الحكومة اختيار ست شركات لجمع ومعالجة النفايات. ولم ترشح حتى الآن معلومات عن اجتماع مجلس الوزراء الذي يعاني خلافات جراء الخصومات السياسية بالبلاد. ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام عن وزير التربية إلياس بوصعب قوله لدى مغادرته الجلسة إن وزير الداخلية نهاد المشنوق يحاول تقديم حل بإرسال النفايات إلى عكار مقابل خطة دعم إنمائي مالي، ووصف ذلك بأنه غير مقبول. وجرى الاجتماع وسط تشديد أمني وتحصين لمقر الحكومة بحوائط إسمنتية والتي سارع المحتجون إلى تغطيتها برسوم ملونة مناهضة للحكومة.
مخاوف اسقاط باقي مؤسسات الدولة
من جانبه أعلن رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب وليد جنبلاط دعمه لموقف رئيس الوزراء “لناحية حتمية أن تكون جلسة مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن منتجة، ذلك أن الاستمرار بسياسة التعطيل لم يعد مقبولا تحت أي ذريعة وفي أي ظرف من الظروف”.
وأضاف: “أن انحراف هذا التحرك عن مساره الأساسي ودخول بعض القوى السياسية عليه في محاولة لركوب الموجة الشعبية، هو الذي دفع الحزب التقدمي الاشتراكي لإعلان انسحابه منه رغم تأييده أحقية المطالب المطروحة، إلا أنه يرفض استغلال التحرك لتوسيع قاعدة الشلل والتعطيل وضرب أسس ومرتكزات النظام والاستقرار”.
وكان الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يزعمها وليد جنبلاط قد أعلن في بيان انسحابه من المظاهرات في وسط بيروت بسبب تحولها من تحرك شعبي شبابي مطلبي محق، إلى محاولة لإسقاط ما تبقى من مؤسسات الدولة اللبنانية والحكم في البلاد، وهو ما سيعرض الاستقرار الداخلي والسلم الأهلي للاهتزاز والخطر، بحسب نص البيان.
علي الجانب الآخر، أكد تيار المستقبل وحزب الله اللبنانيين حرصهما على حرية التعبير والتظاهر السلمى فى إطار القوانين، ودعمهما لمؤسسات الدولة ودورها لحماية الاستقرار الداخلى وحفظ الأمن والمؤسسات العامة والأملاك الخاصة.
وشدد ممثلو تيار المستقبل وحزب الله فى بيان، عن جلسة الحوار السابعة عشر بينهما التى عقدت فى مقر رئيس مجلس النواب اللبنانى، على أولوية الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف لمعالجة أزمات البلاد، مؤكدين ضرورة تحمل الدولة مسئولياتها فى القضايا التى تهمّ المواطنين. وأشار البيان إلى أن المجتمعين بحثوا تطورات الأوضاع الداخلية والقضايا الاجتماعية وما حدث فى الأيام الأخيرة. وقد مثل حزب الله فى الجلسة المعاون السياسى للأمين العام لـ”حزب الله” الحاج حسين الخليل ووزير الصناعة اللبنانى حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله، فيما مثل تيار المستقبل مدير مكتب رئيس التيار السيد نادر الحريرى ووزير الداخلية اللبنانى نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر، كما حضر جلسة وزير المالية على حسن خليل ممثلا لرئيس مجلس النواب اللبنانى نبيه برى راعى الحوار.
المندسون يمسكون القشة لقصم ظهر البعير
وكانت ساحة رياض الصلح قد شهدت تصاعد وتيرة المواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين رشقوا عناصرها بالحجارة، وأشارت الوكالة الوطنية للإعلام إلى أن من وصفتهم بـ”مندسين” بين المتظاهرين ألقوا قنابل مولوتوف على القوات الأمنية.
من جهتها، استخدمت قوات الشرطة خراطيم المياه وأطلقت النار في الهواء والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، فيما أكدت مصادر اعتقالات في صفوف المتظاهرين. رئيس الحكومة اللبنانية يتوعد بمحاسبة جميع المسؤولين عن أعمال العنف وفي وقت سابق أكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني تمام سلام أن السلطات ستحاسب جميع المسؤولين عن أعمال العنف واستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين في بيروت.
وخلال مؤتمر صحفي في بيروت قال سلام: “ما حصل بالأمس لا نستطيع إلا تحمل مسؤوليته وخاصة ما يتعلق باستعمال القوة المفرطة مع هيئات المجتمع المدني يمكن أن يوجد من استغل التوتر، ولكن نحن لسنا أعداءه، وكل من تصرف بشكل أدى إلى أذى أو ضرر سيتحمل مسؤوليته”. كما وعد رئيس الوزراء بإيجاد حل سريع لقضية تراكم النفايات باعتبارها قضية أخرجت المتظاهرين إلى شوارع بيروت، وذكر بهذا الخصوص أن “قصة النفايات” لم تكن سوى “القشة التي قصمت ظهر البعير”، وتوجد “النفايات السياسية” في البلاد.
ولاتزال أزمة الاحتجاجات في بلاد الأرز تبحث عن حلول عملية، حتى لا تتطور في طريق يفضي لمزيد من التفكيك لمؤسسات الدولة الضعيفة.