بعد الإعلان عن تفاصيل الإنتهاء من الإكتتاب فى شهادات استثمار حفر قناة السويس الجديدة والتى حققت حصيلة نهائية بواقع 64 مليار جنيه خلال 8أيام ، توقفنا فى “وطنى” أمام رقماً ضمن تفاصيل عملية الإكتتاب ، إلا وهو ” أن 27 مليار جنيه من إجمالى هذه الحصيلة جاءت من مُدخرات المصريين من خارج القطاع المصرفى ، وبتعبير أخر جاء على لسان هشام رامز محافظ البنك المركزى بأن تلك الأموال “خرجت من تحت البلاطة “. كما اتضح خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده البنك المركزى لإعلان الحصيلة النهائية أن 82% من الحصيلة المحققة من بيع الشهادات جاءت من جانب الأفراد والقطاع العائلى ، |إذ بلغ عدد طلبات الشراء التى تمت على الشهادة فئة 10 جنيهات 70 ألف مواطن ، الأمر الذى جعل محافظ البنك المركزى يصف هذا الرقم بأنه ضخماً ، أما الشهادة فئة ال100 جنيه فبلغ عدد العُملاء الذين اشتروا 150 ألف عميل أو مواطن ، كما بلغت حصيلة بيع الشهادات من خلال مكاتب البريد المصرى 730 مليون جنيه .. حيث أن هذا المؤشر جعلنا نتسائل عن عمق دلالته ، ومدى ارتباطه بحجم السيولة فى مصر خارج الجهاز المصرفى |، وعلاقة الاقتصاد غير الرسمى بحجم هذه السيولة ، وهل له دور فى هذا الإكتتاب بما له من أهمية كبيرة فى توليد نسبة لا يُسهات بها من الدخل للفئات التى تعمل خارج مظلة الاقتصاد الرسمى . حيث قدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية حجم الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية فى مصر عام 2013 بما يُعادل نحو 40% من الناتج المحلى الإجمالى ، من خلال 2.7 مليون مُنشاة يعمل بها نحو 5 ملايين عامل .. وللوقوف على هذه الترابطات الاقتصادية فى الواق المصرى وفى المرحلة الراهنة ، تحدثنا مع مجموعة من الخبراء ، فكان لنا معهم هذا التحليل التالى .
أنشطة الاقتصاد غير الرسمى ذات عوائد كبيرة
فى البداية يرى الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادى أن الاقتصاد السرى فى مصرلا يقل حجمه عن 750 مليار جنيه مصرى ولا يقل عن 45 % من حجم الاقتصاد الرسمى ، مؤكداً أن مُدخرات المصريين التى ذهبت لشهادات القناة والتى قُدرت ب27 مليار جنيه من خارج الجهاز المصرفى كانت تعبيراً عن حُب “السيسى” . وأضاف : فهناك حوالى مليون شخص اشتروا شهادات بفئة 10 جُنيهات إلى 100 جنيه ، وجانب كبير من هؤلاء يُصنفون ضمن الفئة التى لا تذهب للبنوك ، ولذلك أوكد أن الإقبال على شراء هذه الفئة جاء تعبيراً عن حُبهم “للسيسى ” وأن الاقتصاد الغير رسمى الذى يعمل به النسبة الأغلب من هذه الفئة مصدراً هاماً لتدفق السيولة ، كما أن سعر الفائدة العالى وهو 12% كان أحد تلك الأسباب ، غير أن شروط الإكتتاب لم تكن تتضمن تحديد مصادر للأموال المُستثمرة . مؤكداً أن حجم السيولة والأموال فى مصر كبيرللغاية ،ويُساعد على الدخول فى مشروعات قومية أخرى منها إعادة هيكلة القطاع العام ، خاصة إذا توافرت له إيرادات سريعة ومُستدامة ، منوهاً أن دفع الفائدة على شهادات قناة السويس يتم من إيرادات القناة . مشيراً إلى أن أنشطة الاقتصاد الغير رسمى عديدة للغاية ومنها أيضاً عوائد الدروس الخصوصية ، وأنشطة تسقيع الآراضى ووضع الأيادى على البعض منها دون وجه حق .. وكلها نشاطات تدر عوائد كبيرة خارج منظومة الاقتصاد الرسمى .
أموال مُكتنزة كانت تبحث عن استثمار جيد
بينما يُصنف الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادى حصيلة بيع شهادات القناة إلى جُزئين الأول من خلال أشكال مختلفة من المُدخرات البنكية سواء كانت شهادات أو حسابات جارية أوأوعية ادخارية أخرى ، فهناك من قام بفك شهادات قديمة أو لجأ إلى سحب حسابات توفير من البريد ،و كل ذلك بمثاية نقل للأموال التى أشترت الشهادات وهى النقود السائلة والتوفرة لدى المواطنين ، فهناك من كان ينوى شراء سيارة مثلاً أو أى شىء أخر وكان ينتظر الوقت المناسب ، أو الحصول على إرث وكان يُفكر فى استثماره فى مشروع مناسب ، أو من قام ببيع مصوغات ذهبية حتى يستطيع المشاركة فى شراء تلك الشهادات .. وهذه نُسميها أموال مُكتنزة لم تجد مصدراً مناسباً لإدخارها أو استثمارها . وما حدث أنه ظهر على الساحة مشروعاً قومياً واضحاً المعالم ، اُعدت جدواه الاقتصادية بشكل جيد ، مضمون العائد ومُجزى فى نفس الوقت .منوهاً أنه فى حالة وجود أنه فى حالة وجود مشروعات أخرى لها هذه المُميزات سيحالفها النجاح بشكل كبير، وستستطيع جذب المزيد من الأموال طالما تتوافر لها الشفافية الكاملة ، جنباً إلى جنب العائد المجزى والمضمون .
وبسئواله عن وجود دراسات تتناول التصنيفات الدقيقة للفئات التى اشترت شهادات القناة ، أكد الدكتور مختار الشريف أنه لم تصدر أى دراسات حتى الآن تعدد تلك الفئات ، هل الأغلبية من المواظفين أو الفلاحين ، أو أن محافظات بعينها استأسرت بالنسبة الأكبر لعمليات الشراء ، مُطالباً بأهمية توافر مثل هذه الدراسات الإحصائية للإستفادة والأخذ بها فى المستقبل . مُشيراً إلى أنه فى مصر مازلنا نعتمد على المعاملات الاقتصادية القائمة على الدفع النقدى وليس أساليب الدفع الالكترونية ، كما هو الحال فى أمريكا والدول الأوروبية ، كذلك دفع المصروفات والرسوم المختلفة نقدياً ، مؤكداً أن حاملى بطاقات الدفع فى مصر مازال عددهم محدود مقارنة بأعداد السكان ، كما أن الكثير من العاملين فى الخارج مازالوا يُرسلون بمبالغ نقدية لزويهم فى مصر ، والتى تصل لحوالى 19 مليار دولار سنوياً ، تدخل نسبة كبيرة منها فى المصروفات الإستهلاكية .
أما بالنسبة للاقتصاد الغير رسمى فيرى د. مختار الشريف أنه له جوانبه الإيجابية جنباً إلى جنب سلبياته الواضحة والتمثلة فى كونه يعمل بلا تراخيص ولا شهادات تأمينية ولا يدفع ضرائب عن أنشطته ، ةيصل حجمه إلى 40% من الناتج المحلى ، وفى المقابل يمتاز الاقتصاد غير الرسمى بأنه يجعل العاملين به يقرأون السوق بأنفسهم ويتحولون من نشاط إلى أخر ومن مكان لمكان اخر بشكل مرن لا يُتاح للأنشطة الكبيرة التى تعمل تحت مظلة الاقتصاد الرسمى . منوهاً أن الاقتصادغير الرسمى يعمل بمثابة ” امتصاص الصدمات الاقتصادية ” وقت
الأزمات .
شراء الشهادات بدافع الإستثمار والعائد المرتفع
ويعتبر الدكتور على سليمان أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية فى مصر أن الاقتصاد غير الرسمى يُشكل من 40% إلى 50% من إجمالى الناتج الاقتصادى الكلى فى مصر ، مُعتبراً ان جانب من هذه النسب يكون لصالح الاقتصاد الأسود ومنه تجارة المخدرات وعمليات التهريب التى تتم .. أما الجانب الأكبر فى الاقتصاد غير الرسمى فهو تندرج تحته المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والتى تعمل فى مجالات تجارية وصناعة عديدة ، منوهاً إلى أن حالة القلق وعدم الإستقرار التى شهدتها مصر فى السنوات الأخيرة جعلت كثيرين يكتنزون أموالهم حتى تستقر الأوضاع . مؤكداً أن تكالب أصحاب الأموال البيسطة على المساهمة فى مشروع حفر قناة السويس الجديدة من خلال شراء شهادات الاستثمار كان فرصة للتعبير عن الإنتماء لمصر، جنباً إلى جنب العائد المرتفع على هذه الشهادات والذى شجع الكثيرين أيضاً على الشراء ، مُعتبراً أن ال27 مليار جنيه من خارج القطاع المصرفى مؤثراً على وجود أموال كثيرة غير مستثمرة .
كما أكد أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية فى مصر أننا نستطيع إقامة العديد من المشروعات وتطوير القاءم بنفس غسلوب التمويل الذى استخدم لحفر قناة السويس الجديدة ، بناء على توافر الأموال الغير مستثمرة ، ووجود المشروعات التى تحتاج لهذه الاستثمارات وعلى رأسها السكك الحديدة فى مصر التى تعانى من مشكلات فنية كبيرة نتيجة نقص التمويلات الكافية ، كما أنه توجد قطاعات كبيرة مثل منظومة نقل البضائع من خلال السكك الحديدة والتى تحتاج إلى تطوير بإستخدام تلك المدخرات النائمة ، كذلك احتياج مصر لبناء العديد من المدارس ، وإقامة مشروعات عملاقة لتوليد الكهرباء .. وهذه كلها يتناسب نعها اسلوب التمويل الذى استخدم لحفر القناة الجديدة ن وطالما لدينا الأموال الغير مستثمرة .
جدير الذكر أن المركز المصرى للدراسات الاقتصادية قد اكد أن تقنين أوضاع القطاع غير الرسمى فى مصر من شانه أن يؤدى إلى نمو اقتصادى إضافى يُقدر بنحو 2% سنوياً ، ةتحديث ونمو الاقتصاد بوتيرة سريعة وحصول العُمال على مزايا الضمان الإجتماعى وتحقيق إيرادات ضريبية جديدة والتخفيف من حدة الفقر .. غير أن هناك العديد من الاقتصاديين الذين يرون أن الاقتصاد غير الرسمى كان مراراً وتكراراً بمثابة شبكة أمان اقتصادى للفقراء خلال فترات الانكماش الاقتصادى فى مصر وغيرها من البلدان .