يعد الكاتب المسرحى النرويجى الكبير (هنريك إبسن 1828 – 1906) رائد المسرحية الواقعية الحديثة، وقد نهج على منواله كثير من كتاب المسرح، كما أحدث عرض مسرحياته معارك فنية صاخبة أنقسم فيها الكتاب والنقاد إلى فريقين: فريق يحبذ التطور الفنى الجديد، وفريق يتمسك بأهداب القديم. واحتدمت المعركة سنوات حتى أنتصر دعاة المسرحية الحديثة الذين كان يطلق عليهم وقتذاك “الإبسنيون” Ibseniles، ولهذا استغرب الدراما الواقعية التى وضع أصولها الكاتب النرويجى “هنريك إبسن”.
هنريك إبسن :
ولد إبسن فى 20 مارس عام 1828 بلدة “شكين” بالنرويج لأب واسع الثراء.
أضطر إبسن إلى عدم استكمال دراسته حيث ترك الطب بسبب إفلاس والده تاجر الأخشاب، فعمل كمساعد صيدلى ليكسب قوته، كما انتقلت الأسرة إلى بيت ريفى متواضع، كان نصيب إبسن فيه غرفة فوق السطح.
كان يعبث فيها من آن لأخر وسط الكتب والساعات القديمة، ولقد وصفها إبسن وصفاً دقيقاً فى “البطة البرية” وبدت صور هذا الإفلاس وهذه الاستدانة فى كثير من مسرحياته، فهذه نورا فى “بيت الدمية” تستدين من الشرير لا ضمير له حتى تدفع تكاليف علاج زوجها دون أن تخبره حتى لا يضر القلق بصحته، وهناك “جالمار أكمدال” فى “البطة البرية” وهو مصور جعل هدف حياته سداد دين والده للمستر “ويرل” هذا الدين الذى أذله وحطم كبرياءه.
– حدث ذلك وعمره ستة عشر عاماً، فأصبح يناصب المجتمع العداء ويكتب شعراً هجائياً فى أفراد الطبقة العليا، ورسم رسوماً كاريكاتيرية تسخر منهم.
– أخذ إبسن يتدرب على أعمال المسرح فى “برجن” ثم فى “كريستيانا” (أوسلو حالياً) وأخذ طريقه فى الحياة يتضح أمامه. وكانت فترة التدريب هذه مهمة جداً فى تكوينه وتطور مواهبه المسرحية، وتقع هذه الفترة ما بين (1850- 1862) وعمل فيها إبسن كاتباً مسرحياً ومخرجاً ومديراً لمسرح “Norsethreatre” فى برجن فى كريستيانا.
– تزوج من “سوزانا ثورش عام 1858.
– فى عام 1862 أفلس مسرح بيرجن وأصبح إبسن مديراً فنياً للمسرح النرويجى فى مدينة أوسلو.
– قضى فى روما أربعة سنوات منذ رحيله لها عام 1864، وكتب خلالها مسرحيتى براند وبيرجينت.
– رحل عام 1868 إلى ألمانيا وأقام بها ما يقرب من عشر سنوات وكتب خلالها قصائد شعرية وكتب أيضاً مسرحيته المهمة (أعمدة المجتمع).
عاد إلى روما عام 1878، وفى العام التالى لعودته قدم رائعته بيت الدمية التى أثارت جدلاً كبيراً وحققت له شهرة واسعة.
– عام 1885 زار النرويج ثم عاد إلى ألمانيا وأقام بها لمدة ست سنوات كتب خلالها مجموعة من المسرحيات الشهيرة، منها: “بيت الرومز”، “إمرأة من البحر”، “هيد أجابلر”.
– عاد للاستقرار بالنرويج عام 1891 واستمر فى تقديم إبداعاته المسرحية.
– كتب إبسن (64) قصيدة شعرية بالإضافة إلى أعماله المسرحية.
– بعد ذلك أخذت قوى إبسن فى الإنهيار وقضى أخر ست سنوات فى حياته يعانى مرضاً شديداً، وعندما مات فى 23 مايو عام 1906 أحتفل بتشييع جنازته أحتفالاً شعبياً كبيراً ونال من التقدير والمجد ما جعل كاتباً مسرحياً قبل “برناردشو” يقول: لقد وضع شكسبير أشخاص على المسرح ولكن لم يضع ظروفنا على المسرح.
ولذا فمسرحيات أهم وأكثر قيمة من مسرحيات شكسبير، ولذلك أيضاً فهى قادرة على إيلامنا بقسوة. وملأنا بالأمال فى أن ننجو من استبداد المثل العليا ونطمح فى حياة أعمق وأجمل فى المستقبل”.
أولاً: المراحل التجريبية :
– “كاتالينا” عام 1848 وجاءت ميلودراما مليئة بالإمكانيات التى لم يرها معاصروه.
– “قبر الجندى” عام 1850.
– “السيدة إنجر من ستورات” عام 1855، وهى مسرحية تجرى أحداثها فى العصور الوسطى فى النرويج المعاصرة لإبسن.
– و(فى سولهوج) عام 1856.
– “أولاف ليلجركراتر” عام 1857.
– “ألف يكنج فى هلجلاند” عام 1858.
ثانياً: مرحلة كتاباته مسرحيات شعرية مستمدة من الأساطير والتاريخ:
– “براند” عام 1866- وفى هذه المسرحية نرى قوته المميزة وجديته وبحثه عن الدوافع الكامنة وراء الأفعال، وفيها أيضاً يتضح منهجه الذى يظهر فى مسرحياته المقبلة، ويقوم على الإيحاء، بطبيعة الحقيقة ضمنياً وبطريقة غير مباشرة عن طريق أسئلة لا يجيب عليها، وبعد هذه المسرحية حصل على معاش ثابت من الدولة أمن له مستقبله.
– “بيرجنيت” عام 1867 وهى مسرحية ساخرة تدور حول موضوع طالما عالجه بلا هوادة هو الزيف والخداع.
ثالثاً: مرحلة كتابة المسرحية النثرية الواقعية :
فى هذه المرحلة بدأ إبسن يبتعد عن الأساطير ويرسم شخصيات عادية من المجتمع الذى يعيش فيه، فاستبعد الشخصيات التقليدية وبحث عن شخوصه بين المحيط العادى للناس. وكان إبسن نفسه يرى جالساً فى ركن هادئ من أركان مقهى يلاحظ الزبائن الداخلين وكان يجلس ملاحظاً ومدوناً ومفكراً أو مدوناً ملاحظاته الواقعة عن تصرفات الناس، وكان كذلك يجلس بالساعات يحملق من نافذة غرفته على الشوارع المزدحمة بالناس، وعندما هجر إبسن الشعر وبدأ يكتب بلغة نثرية تقرب من اللغة الدارجة دافع عن ذلك بقوله: “إننى أريد أن يشعر القارئ بأن ما يقرأه هو قطعة من الحياة، فإذا استخدمت الشعر فإننى أهدم هذا الغرض الذى أهدف إليه، فالشخصيات العادية التى أدخلتها فى المسرحية تنطمس معالمها لو إننى جعلتها تتكلم بالشعر.
إننا لم نعد نعيش فى أيام شكسبير إن رغبتى هى تصوير شخصيات بشرية ولذلك لن أجعلها تتكلم لغة الألهة”.
– “ملك الجليل” عام 1873، مسرحية تتناول الصراع بين المسيحية والوثنية فى الأيام الأولى للمسيحية فى أوربا فى عصر الإمبراطور جوليان.
– “أعمدة المجتمع” (1875- 1877)، مسرحية تتناول الحياة العامة القائمة على أكذوبة ثم الحقيقة التى تكشف وتحرر هذه الحياة من الأكذوبة.
ومع ظهور هذه المسرحية بدأت مرحلة تأليف لما سمى “المسرحية المشكلة” وبذلك وضع لإبسن نمط ما يسمى اليوم بالمسرحية الاجتماعية و أخذ يعالج المشاكل الكبيرة والقضايا المعقدة.
بيت الدميه :
– “بيت الدمية” عام (1878- 1879)- تتناول حياة زوجية قائمة على أكذوبة، وحينما تفتح البطلة “نورا” عينيها تضع نهاية لحياة الأسرة التى بدت سعيدة فى أول العمل، وذلك أن نورا زوجة مدللة تعشق البذخ وحب الظهور إلى أن تحدث لها هزة داخلية نتيجة مرض زوجها فتلجأ إلى وسيلة قد تبدو غير قانونية –لتقوم بعلاجه وحقاً يتحقق الشفاء له وتظل مؤرقة إلى أن تشاء الأقدار ويعلم زوجها حقيقة الأمر فسيخشى المجتمع والفضيحة (إذ كان ذا مركز مرموق)، وهنا يسقط هيلمر فى عينى نورا التى كانت تتخذ منه معلماً لا تسير على أفكاره، وحينما تقف على حقيقته هذه، تدرك أن زواجهما –الذى استمر ثلاث سنوات- كان أكذوبة فتقرر الأختفاء والرحيل من بيتها –بيت الدمية- وحينما يلح عليها الزوج أن تظل بالبيت ترفض فى حسم إلى أن تحدث لها المعجزة (بتحقق الصدق والتحرر من الأقنعة) فتخرج صافقة لباب البيت وينتظر زوجها المعجزة.
– “الأشباح” 1881 تتناول زواجاً أخر تسميه كذبه.
“عدو الشعب” 1882: تتناول شخصية إنسان ينادى بالحقيقة فى مواجهة مجتمع قائم على الكذب، وهى مسرحية تمتاز باقتصاد فى الأسلوب وإحكام فى البناء جعلها من أكثر الأعمال تأثيراً فى المسرح الواقعى بعد إبسن.
– “البطة البرية” (1883- 1884): يلعب فيها الرمز دوراً أساسياً، وينتقل أهتمام الفن من تصوير الفرد فى المجتمع إلى تصوير الفرد وهو يحاول أكتشاف مناطق مجهولة لتجربة الإنسانية.
– “بيت الـ روز مر” (1885- 1886): مسرحية تدور حول نمو فكر البطل واتصاله بتقاليد النبلاء.
– سيدة البحر: (1888):
تقف هذه المسرحية عند مفترق الطرق بين نهاية المهلة الثالثة وبداية المرحلة الختامية، وفيها يهاجم إبسن الأحلام الخادعة التى تحجب الواقع الحى بألوان مختلفة من الخداع الاجتماعى والفنى.
– “هايدا حابلر”: تتناول أثر المجتمع المتكلف على الفرد.
“المهندس سولنس” (1891- 1892) مسرحية تطفى فيها الرمزية أكثر من أى مسرحية أخرى، وتتناول إشكالية الفنان والإنسان داخل الفرد.
رابعاً: المرحلة الختامية :
فى هذه المرحلة نزع إبسن إلى الروحانية، فبدلاً من الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية أهتم بمشاكل الفرد ككائن روحى فامتلأت مسرحياته الأخيرة بشئ من التصوف واضمحلت قيمتها الفنية المسرحية، وعاد إبسن إلى كتابة مسرحيات لا تتمشى مع المسرح، ففى أخر مسرحياته “عندما نستيقظ نحن الموتى” نجد الشخصيات تعبر عن وجهة نظره بطريقة رمزية، كما إننا نجد الشخوص أشبه بالدمى التى لا حراك لها، ولا تكاد نجد بها عمقاً فى الروحانية يباعد بينها وبين المسرحيات الاجتماعية النثرية السابقة.
– ولهذا السبب أنتقد “برنارد شو” وأصحاب مذهب الواقعية كتابات إبسن الأخيرة، أو بعبارة أدق الأربع.
– “أيولف الصغير” 1894: مسرحية تدور حول العلاقات الزوجية وطبيعتها وطبيعة الحب وأنواعه.
– “جون جبريل بوركمان” (1865- 1896) يتناول إبسن فى هذا العمل عبقرية لا تحقق ذاتها.
– “عندما نبعث نحن الموتى” عام 1899، وفيها تبدو خصائص المرحلة الذهنية فى مراحل تطوره الفنى، وهى المرحلة التى بدأت بمسرحية “البطة البرية” ورد فيها تطوراً كبيراً فى أعماله، فلم نعد نرى أشخاصاً يتصدون لمواجهة سلبيات المجتمع وكشف عيوبه من رياء ونفاق وتبادل للمصالح، بل نرى أشخاصاً وأبطالاً يصارعون أنفسهم ويحاولون عن طريق استرجاع الماضى كشف النقاب عن الخطايا التى سبق وأن ارتكبوها معلنين عن خوفهم من القصاص، فهذه المرحلة تعد رحلات كشف لأغوار النفس البشرية، وتتميز بترديد بعض القيم التى سبق وأن قدمها فى مرحلة الواقعية أو الاجتماعية، ومن أهمها الصدق والحرية والمسئولية وكيفية تحقيق السعادة براحة الضمير.
– لقد أرسى إبسن (هو وتشيكوف) دعائم الواقعية فى المسرح، ووضع إبسن وحده أسس المسرح الحديث الذى استمد منه كتاب كبار إلهامهم مثل (ميلر وأونيل).
إبسن بين الشرق والغرب :
رحلة إبسن إلى مصر:
تناولت الباحثة النرويجية “فيجبث إيستاد” رحلة إبسن إلى مصر، وذلك ضمن حلقة بحثيه بعنوان ” إبسن بين الشرق والغرب ” بالمجلس الأعلى للثقافة عام 2006 حيث ذكرت أن هذه الرحلة أثرت عليه كثيراً خاصة وأنه كان يحلم بأن يقوم برحلة مماثلة، فعندما جاءته دعوة الخديوى لم يعط نفسه الفرصة للتفكير، فأخيراً سيقوم بالرحلة مدعواً من الخديوى إسماعيل ممثلاً للملك “كارل 15”.
وفى رحلته هذه لمصر زار أبو سنبل والكرنك ووداى الملوك وأبيدوس. وحين عاد إلى بلده فكر فى كتابه ونشر هذه الرحلة، وكتبت بالفعل جزء منها وأسماه “أبيدوس” عبارة عن شعر ونثر يصف ما راه فى الرحلة من أثار وصحراء وشعب.
وأضافت الدكتورة أن أبسن أعتبر مصر إحدى الأماكن الفريدة التى تجمع بين عنق الشرق والحضارة والتاريخ وكتب بعد ذلك رسالة إلى سيدة سورية ” هذا النص الذى أعتبر مكملا لنص “أبيدوس” الناقص حيث أكمل إبسن فيه وصف رحلته، فوضع فيه وصفآ دقيقآ لمقابر الفراعنة وأثارهم والجو العام فى مصر فى هذه الفترة وتعامل هذا النص مع التاريخ عن طريق الشعر فكون ملحمة عبرت من خلال الآبيات عن الجمال والعظمة والروعة العصرية .
نسخة نادرة :
– عثر الشاعر أحمد الشهاوى على نسخة نادرة من المسرحية العشرية براند (Brand) للأديب المسرحى إبسن وهى صادرة عام 1866 بتوقيع المؤلف.
وتقع هذه المطبوعة النادرة فى 271 صفحة من القطع المتوسط بغلاف أرجوانى سميك مكتوب عليه بطباعة بارزة باللون الذهبى إسم المسرحيةالتى كتبها إبسن عام 1865 والتى نشرتها “د. جولنديلن” التى تأسست عام 1770 وهى واحدة من أعرق دور النشر وأكبرها فى الدانمارك ولا تزال تواصل رسالتها فى النشر من كوبنهاجن.
وقال الشهاوى إن هذه النسخة التى أشتراها من إحدى الكنائس التى تقيم معرضاً دائماً لبيع الكتب القديمة تعد تحفة نفيسة من حيث قيمتها الفنية والتاريخية ولا يمكن تقديرها إذ أن نسخاً من مسرحيات إبسن التى صدرت بعد عام 1866 بيعت فى مزادات عالمية تراوحت بين عشرين وخمسين ألف دولار أمريكى.
وأكد الشهاوى أن إبسن الذى يعد واحداً من كبار كتاب المسرح عبر التاريخ وأحد مصنفى الحداثة المسرحية فى القرن العشرين قد حاول فى نصه (براند أو الحريق) الذى كتبه فى روما أن يخرج من الإطار الواقعى بل الطبيعى الذى ميز مسرحه منذ بداياته مقدماً شخصيةبراند الشاعرية وشخصية المناضل الذى يتطلع إلى أن يكون مثالياً يحارب التردد ومبدأ النفعية.
==
س.س