برزت في الأونة الأخيرة الأهمية الكبرى للدولار بالنسبة للاقتصاد المصري، خاصة بعد أن تنبهنا لأهمية توفير الموارد الدولارية للوفاء بالإحتياجات الإستراتيجية اليومية للمواطن المصرى ، سواء كانت سلع غذائية أو مستلزمات ومواد خام لإنتاج المصانع .. لكن الذى أصاب الكثيرين بالذهول مسألة الإرتفاع الرهيب للعملة الأمريكية والذى زاد سعر صرفه لـ 2 جنيه فى فى أقل من أسبوعين ، مما أدى إلى ارتفاع جنونى فى أسعار السلع والمنتجات والخدمات ، ورغم الإنخفاضات الطفيفة التى حدثت على مدار الأيام الماضية ، إلا أنه بات من الصعب التنبأ بسعر صرف الدولار صعوداً ام هبوطاً نظراً للتشابكات الكثيرة المتعلقة بظروف الاقتصاد المصرى .
ودعا المهندس شريف اسماعيل رئيس مجلس الوزراء اللجنة الوزارية الاقتصادية ومحافظ البنك المركزى إلى إجتماع هام يوم الثلاثاء والذى استغرق 5 ساعات، لإستعراض التطورات الأخيرة في أسواق النقد والأوضاع الاقتصادية والمالية، وأستهل الإجتماع باستعراض نتائج المباحثات التي بدأت منذ ثلاثة أشهر مع صندوق النقد الدولي والتي اقتربت من مراحلها النهائية وذلك بشأن دعم الصندوق لبرنامج الإصالح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة المصرية وجاري تنفيذه . ووجه رئيس مجلس الوزراء بضرورة أن يأتي التعاون مع صندوق النقد الدولي من خلال برنامج المساندة لتعزيز الثقة الدولية في الاقتصاد وجذب مليارات الدولارات سنوياً من خلال الاستثمارات الخارجية ومن ثم تحقيق الإستقرار النقدي والمالي ومعالجة التشوهات الهيكلية .
وكان البنك المركزي قد أصدر تقريراً مؤخراً حول سياسات البنك لتحقيق الإستقرار النقدي والاقتصادي ، تلقى المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء نسخة منه أنه لتعزيز الإستقرار النقدي والمالي في الدولة، وفى إطار التنسيق بين السياستين النقدية والمالية، بدأت الحكومة المصرية من خلال المجموعة الوزارية الاقتصادية والبنك المركزي المصري خطة عاجلة تم البدء في تنفيذها فور التوافق عليها وتستهدف الحفاظ على مستوى أسعار السلع في الأسواق، وزيادة معدلات التنمية الاقتصادية من أجل زيادة فرص العمل وخفض معدلات البطالة. وشرع البنك المركزى – بحسب التقرير – بشكل فوري فى وضع سياسات من شأنها تحقيق الإستقرار النقدي والاقتصادي عبر إجراء إصلاحات هيكلية لتعزيز الثقة في العملة المحلية، ومعالجة العجز فى ميزان المدفوعات الناتج عن خلل الميزان التجاري بسبب الإستهلاك المحلي من السلع المستوردة تامة الصنع ، كما شرع البنك المركزي والبنوك المصرية في خطة عاجلة لتسيير حركة التجارة الخارجية من أجل توفير مستلزمات الإنتاج الضرورية والسلع الأساسية الإستهلاكية للمواطن المصري. ولقد قامت البنوك المصرية بتوفير أكثر من ۱٤مليار دولار في غضون ثلاثة أشهر أدت لاثر فوري في تسيير حركة التجارة والصناعة.
سوق النقد الأجنبي
ويرى المركز المصري للدراسات الاقتصادية أنه وفقا لتقارير مؤسسات بحثية دولية، فإن استهداف الحكومة الحصول على سبعة مليارات دولار سنوياً لمدة ثالث سنوات سيقلص كثيراً من إجمالي متطلبات التمويل الخارجي لمصر والتي نقدرها بنحو 25 مليار دولار خلال السنة المقبلة وسيسمح هذا بدوره للبنك المركزي بتحسين سوق النقد الأجنبي والتي عرقلت النشاط الاقتصادي .
وأضاف المركز : نؤكد على ضرورة مراجعة موقف التوسع في الاقتراض الخارجي وأن يتم ذلك لمشروعات استثمارية تنموية تحقق عوائد لمقابلة أقساط وفوائد القروض الخارجية إلى جانب التأثير المتوقع لتغيرات أسعار الصرف محلياً على تكلفة القروض وذلك بالإضافة إلى عدم اللجوء للإقتراض الخارجي لتمويل عجز الموازنة مع الأخذ في الإعتبار عدد من الضوابط أهمها عدم تأثير شروط الاقتراض “إذا تم اللجوء إلى مؤسسة دولية” على برنامج الإصالح الاقتصادي الذي تنفذه مصر وعدم زيادة الأعباء على المواطن العادي.
منوهاً أن الأساس في أزمة الحالية سواء على المستوى النقدي أو الاقتصادي هو عدم قدرة الاقتصاد على تنمية موارده بالعمالت الأجنبية مع تراجع موارد الدولة من السياحة وعدم نمو االستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كافية وتراجع إيرادات الصادرات، وكذلك ضعف الطاقات المتاحة إلنتاج سلع أساسية أهمها الغذاء مما يضطر الدولة الستيرادها، فضال عن اعتماد كثير من الصناعات القائمة على المدخلات المستوردة وضعف المكون المحلي بنسب متفاوتة تصل في بعض الأحيان إلى مجرد التعبئة. كما ذكر المركز أن البورصة المصرية استفادت بصورة كبيرة بتغيير السياسة النقدية والتحريك الجزئي لسعر صرف الدولار أمام العملات الأجنبية والتعديلات الأخيرة في الحكومة المصرية .
تنمية الحصيلة الدولارية
فى البداية أشار الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادى إلى أهمية سلسلة الإجتماعات التى عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسى مع المجموعة الوزارية الاقتصادية ومحافظ البنك المركزى ، حيث أعلنت الحكومة مؤخراً أنها ستطلب قرضاً من صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار ، منوهاً أن مصر من الدول المُؤسسة للصندوق منذ 1945 ، جنباص إلى جنب قرض أخر ستحصل عليه مصر من قبل البنك الأفريقى ، وأضاف : كما أن السعودية ستمنح مصر مليار ونصف لتنمية سيناء ، بالإضافة إلى أن مصر ستقوم بطرح سندات مصرية بالدولار الأمريكى ، وكل هذا بدوره سيزيد من الحصيلة الدولارية لدينا .
وأوضح الخبير الاقتصادى أن مصر عندما تزيد لديها الحصيلة الدولارية فإن ذلك من شأنه أن يُرغم الدولار على التراجع نظراً لأن ذلك سيدفع مكتنزى الدولار التخلص منه لعدم تكبدهم خسائر كبيرة ، فعندما تزيد متحصلات الحكومة من الدولار فإن سعره يتجه للتراجع وبقوة ، مشيراً إلى إعلان الحكومة مؤخراً نيتها فى مواجهة السوق السوداء أو الموازية فى مصر مُمثلة فى شركات الصرافة المخالفة للقواعد ، كما نوه إلى مسألة تلاعب وتحايل تجار الأسلحة والمخدرات وغيرهم ، نظراً لأنهم يتعاملون فى تجارة غير مشروعة خارج النطاق الرسمى المتمثل فىالبنك المركزى ، فهم يشترون الدولار بأى سعر وبطرق ملتوية حتى يستطيعون دفع قيمة ما يجلبونه من تجارة من قبل جهات غير رسمية ، مؤكداً أن هذه الأسباب هتى التى تكمن وراء ارتفاع سعر الدولار ، أما مسألة المعوقات والأمراض التى يُعانيها الاقتصاد الرسمى فهى موجودة منذ ومن طويل فى مصر .. ويرى الدكتور مختار أن مصر ستحصل على مبلغ قدره 2 مليار دولار فور توقيع مصر الإتفاق مع الصندوق مما سيُزيد من المعروض من الدولار ، مؤكداً أن إتفاق القرض مدروس من ناحية التسديد وهو لا يخضع للعواطف .
أما فيما يتعلق بمسألة تعويم سعر صرف الجنيه أكد “الشريف” أن محافظ البنك المركزى تحدث عن مرونة فى التعامل مع الجنيه ، لكن تم تأويل الحديث حول المرونة على أنه نيه للتعويم ، وأضاف : فنحن فى مصر لا نستطيع ترك الجنيه للعرض والطلب لأن لم من شأنه أن يُحدث تقلبات فى الأسواق لا نستطيع أن نقوى عليها ، كما أنه سيُزيد الأسعار ارتفاعاً بشكل يصعب التحكم فيه ،هذا بجانب أننا نستورد الكثير من احتياجتنا من الخارج بالدولار ونقوم بتسديد القروض التى نحصل عليها بالدولار ، بالإضافة إلى أننا ننشد الإستقرار النسبى فى أسعار صرف الجنيه المصرى ، مشيراً إلى أن اقتصاد مصر ليس كاقتصاد الدول المتقدمة التى تستطيع أن تتحمل ما لا يستطيع تحمله الاقتصاد المصرى .
أسباب زيادة سعر صرف الدولار
وبسئوال الدكتور أمير ألفونس الخبير المصرفى عن أسباب حجم الزيادة فى ارتفاع سعر صرف الدولار بمقدار 2 جنيه فى أقل من أسبوعين ، فقال : إن هذا الإرتفاع يرجع لعدة أسباب أخطرها مسألة إنحسار الموارد الدولارية التى تأتى من أربع مصادر رئيسية هى قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج والسياحة والتصدير ، وبالتالى فحل أومة الدولار يكمُن فى كيفية خلق وتنمة موارد دولارية جديدة ، مؤكداً أن الدولار مثل أى سلعة تخضع للعرض والطلب ، وأضاف : هذا يدعونا أن نفكر كثيراً كيف يكمن أن نوجه القرض نحو خلق مشروعات استثمارية جديدة تستطيع فى النهاية أن تولد موارد دولارية جديدة ، مع العمل على ضبط الإحتياطى من النقد الأجنبى ، أما لو تم استخدام قيمة القرض فى غير ذلك فأن سيكون من الصعب علينا تسديد قيمة القرض ،مشيراً إلى أهمية الإجتماعات التى عُقدت مؤخراً بين الحكومة والبنك المركزى وممثلى منظات الأعمال خاص المنتجين وذلك بهدف العمل على دفع عجلة الإنتاج والتى بدوها يُمكن أن تخلق فرص تصديرية وبالتالى توفير موارد دولارية .
وقال أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة إن تلميحات محافظ البنك المركزي طارق عامر بخفض الجنيه المصري لن ترفع الصادارت المصرية، نظراً لأن أكثر من 50% من هذه الصادرات يتم استيراد مستلزمات الإنتاج لها من الخارج، فضلاً عن أن مصر تستورد أكثر من 60% من اجتيجاتها بالدولار، وبالتالي إن تأثر الخفض سيرفع الأسعار ومعدلات التضخم ولن يفيد الاقتصاد ، موضحاً أن خفض الجنيه سيؤدي إلي ارتفاع قيمة الواردات الخارجية التي يتم دفعها بالدولار.
وأضاف “شيحة” أن قرار تخفيض العملة المزمع تطبيقه سيؤدي إلي كارثة اقتصادية وسيرفع الأسعار بنفس قيمة خفض الجنيه المزمعة،وسيؤدي خلال الفترة المقبلة إلي ارتفاع الدولار بالسوق السوداء نتيجة لتكالب المستوردين والصناع لجمع الدولار من السوق بأي سعر ، مُشيراً إلي هذه التصريحات أصابت السوق بالذهول .
التصدير .. وتقليل العجز
من جهته ناشد المهندس تامر وجيه رئيس مجلس ادارة” برايم جروب” إحدى الشركات المصرية المتخصصة فى التجارة والتسويق الدولى للمنتجات المصرية بضرورة تفعيل اتفاقيات التجارة الدولية بين مصر وبعض المنظمات الدولية أو على المستوى الإتفاقيات الثنائية لإنقاذ الوضع الاقتصادى المصرى وايجاد حلول سريعة قد تساهم فى سد عجز الميزان التجارى وإعادة الحياة للجنيه المصرى وقال : فالتصديرهو أهم مصادر الدخل القومي المصري والتبادل التجارى هو ارقي أنواع التصدير .
قال وجيه ان تصدير السلع والخدمات هو احد اهم مصادر الدخل القومى المصرى والصادرات المصرية تعادل ٢٢ مليار دولار و نموها ب ١٠% سنويا يدخل إلي الدوله ٢،٢ مليار دولار جديدة و تدعم قوة الجنيه المصري أمام الدولار كما أن التبادل التجاري يمكن أن يساهم سريعاً فى تقليل العجز المتسبب عن زيادة نسبة الواردات عن الصادرات وهو احد اهم المشكلات التى تواجه الاقتصاد المصرى بسبب مشكلة تدبير العملة ومن ثم نقص السلع وارتفاع الاسعار , اضاف وجيه انه وضع تصوراً سريعا قد يقلل حجم تداول العملة ويزيد من فرص التصدير إلى الخارج .
من جانبه يرى أبوبكر الديب الخبير الاقتصادي أن بعض المضاربين بالسوق السوداء استغلوا حالة الضبابية التي سادت خلال الأيام الماضية، وتردد أنباء حول خفض جديد في الجنيه مقابل الدولار، ورفعوا سعر العملة الأمريكية بالسوق السوداء، وتبع ذلك ارتفاعات بأسعار السلع، مُطالباً البنك المركزي بإعلان سياسة واضحة لمحاربة المضاربين بالدولار والمحتكرين له والضرب علي أيديهم بيد من حديد من أجل الحفاظ علي العملة الوطنية.