كثير من الناس يهتمون في الصوم بشكلياته أو أنهم يفهمونه علي أنه مجرد الطعام النباتي!! أو أنهم لايهتمون بالجانب الروحي خلال الصوم!! لهؤلاء أقول: إن تعريف الصوم من جهة الجسد هو أنه الامتناع عن الطعام فترة معينة من الوقت يعقبها طعام خال من الدسم الحيواني.
فهل تمارس هذا الانقطاع عن الطعام والشراب؟وهل تصل فيه إلي مرحلة الجوع وتحتملها:
هذا هو التدريب الأول, أعني الجوع… لقد قيل عن صوم السيد المسيح إنه جاع أخيرا(مت4:2) (لو4:2) وقال القديس بولس الرسول عن صومه مع زملائه في جوع وعطش,في أصوام مرارا كثيرا(2كو11:27) وورد عن صوم القديس بطرس الرسول أنه جاع كثيرا واشتهي أن يأكل(أع10:10) فهل تختبر الجوع في صومك؟
عندما تجوع تشعر بضعفك فلا تغتر بقوتك بل تلجأ إلي قوة الله لتسندك. وعندما تجوع وتحتمل الجوع تكتسب فضيلة الاحتمال وضبط النفس.لذلك لاتأكل كلما جعت أثناء الصوم, أنما اصبر واحتمل.وخذ بركة الإحساس بالجوع واحتماله والصبر عليه… وأيضا عندما تجوع تشعر بألم الفقراء الذين ليس لديهم ما يأكلونه, فتشفق عليهم وتعطيهم… هذا من جهة فترة الانقطاع في الصوم.
نصيحة أخري, وهي أن تبعد عما تشتهيه…
تذكر قول دانيال النبي عن صومهلم آكل طعاما شهيا, ولم يدخل فمي لحم ولا خمر(دا10:3)… أقول ذلك لأن كثيرين يأكلون مشتهيات كثيرة من الطعام النباتي, ويلتذون بها.وبالتالي لايشعرون حقا أنهم صائمون, ولا يستفيدون وقتذاك من صومهم وبخاصة إن كانت لهم أم وزوجة تتفنن في صنع الطعام الصيامي وتجعله أشهي من الأطعمة الحيوانية.
ولذلك أضع أمامك هنا ملاحظتين في صومك:
الأولي أنك لاتطلب أصنافا معينة تلذلك. والثانية أنه لو وضعت أمامك مثل هذه الأصناف المشتهاة-دون أن تطلب ـ لا تملأ شهوتك منها.خذ قليلا واترك الباقي, واضبط نفسك أو اخلط أصنافا بأصناف, بحيث تفقد حدة طلاوتها ولذة مذاقها.
ليتك تتدرج في الصوم حتي تصل ليس فقط إلي الجسد الجائع بل إلي الجسد الزاهد.
بحيث يزهد جسدك هذه المتع التي تقدمها الأطعمة.
إن عنصر المنع يبدأ أولا… ولكنك حينما تدرب نفسك عليه وتعتاده, حينئذ لاتبذل مجهودا لتمنع نفسك, لأنك تكون قد زهدت هذا الذي كنت تشتهيه أولا, وتمنع نفسك عنه… وهذا الزهد في الأطعمة والمشروبات يتطور معك حتي تزهد في ملاذ أخري كثيرة مثل متع الحواس مثلا, وشهوات الجسد المتعددة… وحينئذ يرتفع مستواك الروحي.
ويدخل عنصر المنع عندك في مجالات عديدة:
فكما تتدرب علي منع فمك عن الطعام والشراب, تتدرج إلي منع لسانك عن الكلام البطال وعن كل كلمة ليست للبنيان. وأيضا تمنع ذهنك عن الأفكار الباطلة والخاطئة.وتمنع قلبك عن كل شعور خاطئ, وعن كل الشهوات والعواطف غير النقية. وتتدرج هكذا من صوم الفم إلي صوم اللسان, إلي صوم الفكر,إلي صوم القلب.
ولا يكون لك فقط جسد صائم.وأنما أيضا نفس صائمة…
ويصبح الصوم مجرد تعبير عن حالة النقاوة الداخلية التي وصلت إليها. ويكون الصوم عبارة عن فترة روحية تحياها. وبكثرة الممارسة تتعودها,وتصبح فضائلها بالنسبة إليك هي منهج حياة. أعني أن ما تستفيده روحيا أثناء صومك لا تفقده حينما ينتهي الصوم وتفطر,بل يستمر معك. حقا إنه قد تغير نوع طعامك, ولكن لم تتغير الفضائل التي اقتنيتها أثناء الصوم…
وهنا تفرق بين الإفطار والتسيب:
لأن كثيرين يضبطون أنفسهم أثناء الصوم فإذا ما انتهي وحل العيد, يفقدون كل ما قد اقتنوه, ويظنون أن الإفطار يعني التسيب وعدم ضبط النفس!! لذلك فالإنسان الذي يتخذ الصوم كواسطة روحية هو الإنسان الذي يحتفظ في قلبه وفي نفسه وفي إرادته بكل ما قد اقتناه أثناء الصوم فتستمر الفائدة معه. وإن كان الصوم قد ساعده علي التخلص من عادة رديئة أو من عادة معينة لايعود إلي ذلك مرة أخري حينما يفطر لكي يستفيد الإنسان من الصوم ولكي يدخل إلي روحانية الصوم ويصير الصوم فضيلة لروحه وليس لجسده فقط, عليه أن يخلط صومه بفضائل معينة تناسب الصوم وتتمشي معه.
* فالصوم لابد أن تصحبه الصلاة لماذا؟لأننا نصوم ليس فقط لكي نقهر الجسد ونستعبده(1كو9:27) بل لكي نعطي للروح أيضا فرصة تتغذي فيها بكل الأغذية الروحية النافعة لها:بالصلاة,والقراءة الروحية,والتأمل,ومحبة الله.
وفي قسمة الصوم المقدس في القداس الإلهي نكرر عبارة بالصوم والصلاة ويقينا أن الروح إذا أخذت غذاءها تستطيع أن تحمل الجسد أثناء صومه فلا يتعب.. وهذا نلاحظه في أسبوع الآلام إذ لانشعر أبدا بثقل الصوم لأن الروح تتغذي خلاله بالقراءات والألحان والذكريات المقدسة. وهكذا نستطيع أن نقول عن الصوم الروحي:
إن صوم الجسد,يكون فرصة لغذاء الروح:
الصوم المصحوب بعشرة الله,يتحول إلي متعة روحية بحيث يشعر الصائم بتعب إن انقطع عن صومه.وهذا ما كان يحدث للآباء المتوحدين والرهبان الذين أصبح الصوم بالنسبة إليهم غذاء روحيا, يفرح قلوبهم ويقربهم إلي الله.
* الصوم أيضا لابد أن يرتبط بالتوبة:
لأن المهم في الروحيات هو القلب النقي وليس مجرد الجسد الجائع وأيضا لكي يقبل الله صومنا ولكي نشعر أننا استفدنا من الصوم… وهكذا يقول لنا الوحي الإلهي في سفر يوئيل قدسوا صوما, نادوا باعتكاف(يوء2:15).
فالصوم إذن هو فترة مقدسة وكيف تكون مقدسة بدون توبة؟! وما نحصل عليه من مشاعر التوبة أثناء الصوم, يحب أن يستمر معنا.
* الصوم أيضا يصحبه التذلل لله:
وهكذا قال داود النبيأذللت بالصوم نفسي(مز25:17) وفي صوم أهل نينوي, جلسوا علي المسوح والرماد(يون2). وكما ينسحق الجسد بالصوم, كذلك تنسحق الروح.ولذلك فأن الأصوام تصحب بالمطانيات ولا تكتفي فيها بأن ينحني جسدك,أنما تنحني روحك أيضا, كما قال داود النبي لصقت بالتراب نفسي(مز119) ولم يقل فقطلصقت بالتراب رأسي….
وفي هذا التذلل تطلب النفس من الله رحمة, لها ولغيرها.وأيضا نعترف بخطايانا ونطلب مغفرة وكما قال يوئيل النبي مزقوا قلوبكم لا ثيابكم, وارجعوا إلي الرب إلهكم(يوء2:12).
* والصوم أيضا تصحبه الصدقة:
فالإنسان الذي يطلب رحمة من الله في فترة الصوم, عليه أن يرحم غيره ويعطيه وما أجمل ما قال الرب عن ذلك في سفر إشعياء النبي أليس هذا صوما أختاره: حل قيود الشر أليس أن تكسر للجائع خبزك,وأن تدخل المساكين التائهين إلي بيتك.إذا رأيت عريانا أن تكسوه. وأن لا تتغاضي عن لحمك(أش58:7).
موضوع الصوم وروحانيته طويل:
يمكنك إن أردت تفصيلا أكثر أن نقرأ كتابا قد طبعته لك بعنوان روحانية الصوم وليعطنا الرب جميعا صوما مقدسا يقرب فيه أرواحنا إليه,حتي نشعر بمنحة الصوم.