للموت مكانة مهمة في عقيدة وفكر المصريين فقد اهتم المصري القديم بمقبرته أو بـالجبانة لإيمانه بالخلود والحياة بعد الموت فاهتمامه هذا هو اهتمام بالحياة الأبدية.
كثير من العادات والطقوس التي مازالت تمارس حتي الآن يرجع أصولها إلي مصر القديمة والتي ربما لا توجد في أي بلد آخر فقد انتقلت من المصريين القدماء إلي الأقباط وبدورها انتقلت إلي المسلمين كما يذكر (دي شابرول).
فعند حدوث الوفاة نجد الفلاحات المصريات يقمن بحل شعورهن ويشققن الجيوب ويكشفن الصدور ويجمعن التراب والطين ويضعنه علي رؤوسهن وصدورهن وأذرعهن ويلوحن باذرعهن بعنف في الهواء ويصبغن اليدين والوجه بالصبغة الزرقاء. وهذه الصور بكل تفاصيلها نجدها منقوشة ومصورة علي جدران المعابد في طيبة. ونجد أيضا صور النساء النائحات المرسومة علي المعابد المصرية القديمة هي نفس الصورة التي نراها من النساء عند حدوث الوفاة في العصر الحديث.
ويعد الصراخ والعويل من قبل النساء هو الطريقة الأساسية للإعلان عن الوفاة وفي بعض القري المسيحية في الصعيد والتي بها كنيسة يتم الإعلان عن الوفاة عن طريق دق أجراس الكنيسة بإيقاع ولحن جنائزي حزين. أما القري الأخري التي يكون غالبيتها من المسلمين فيتم الإعلان عن الوفاة عن طريق الإذاعة المحلية حيث ينادي بخبر الوفاة كالآتي: (توفي إلي رحمة الله تعالي المغفور له بأمر الله.. من عائلة.. وستشيع الجنازة من جامع.. بعد صلاة..).
ويجتمع الأهل والجيران عند منزل المتوفي لتقديم المساعدة كما تجتمع النساء للمشاركة في البكاء والمساندة والعزاء.
وقديما كان تستدعي الندابات والمعددات لتسخين أو تحمية الجنازة, ثم يبدأون في تجهيز الميت عن طريق تغسيل الجثة بالماء والصابون لكي يكون طاهرا كما يعتقدون, يكون أقرب الأقربين من الأهل هو الذي يقوم بهذه المهمة, وتحرص الجماعة الشعبية علي التخلص من ماء الغسل حتي لا تخطو عليه امرأة عقيم لفك مشاهرتها.
يري البعض أحيانا أثناء الغسل أن وجه المتوفي كان مضيئا ويحكون بذلك بما يدل علي مدي صلاحه وحسن سيرته ومصيره, يقومون بعد ذلك بعملية التكفين, وإذا كان المتوفي مسيحيا وسبق أن قام بزيارة القدس فتستخدم الملابس البيضاء التي نزل بها في نهر الأردن في عملية التكفين, أما إذا كان المتوفي مسلما وقام بأداء فريضةالحج فيكفن بالكفن الذي أحضره معه بعد زمزمته (بله بماء زمزم).
بعد التكفين توضع الجثة في صندوق الموتي إذا كان مسيحيا أوتوضع في النعش إذا كان مسلما, وقبل وضع الجثة في الصندوق أو النعش يقوم الأقارب بإلقاء النظرة الأخيرة علي المتوفي. ويوجد في تل العمارنة رسم يصور الملك إخناتون وزوجته نفرتيتي وهما يثبتان نظريهما علي جثة إحدي بناتهما.
يصل الكاهن إلي منزل المتوفي ويقوم بالصلاة علي الجثمان وبعدها يبدأ خروج موكب الجنازة في لحظة مهيبة حيث يعلو الصراخ والولولة.
وفي بعض قري الصعيد يتقدم الموكب شخص يرفع صليبا كبيرا ويسير به أمام الكاهن والشمامسة في مقدمة الموكب وخلفهم الصندوق الذي يحمله عدة أشخاص يتبادلون مع آخرين حمله ثم يليهم فرقة موسيقية تتكون من حملة الأبواق الموسيقية وطبلة كبيرة وصنج كبيرة ودفوف ويبدأون في عزف ألحان كنسية حزينة وخلف ذلك يسير الأهل والأقارب والأصدقاء متوجهين إلي الكنيسة للصلاة علي المتوفي.
في حالة المتوفي المسلم في بعض القري يتقدم موكب الجنازة العمدة وأعيان البلد وبعض الشيوخ ومن خلفهم النعش الذي يحمله أربعة أشخاص وخلفه الأهل والأصدقاء والأقارب ويرددون الشهادتين أثناء سير الموكب الذي يتوجه إلي المسجد للصلاة علي المتوفي, ويتدافع البعض نحو النعش لحمله لأن في ذلك ثوابا عظيما. يشترك الأقباط والمسلمون في عملية السير في جنازات بعضهم البعض, وأثناء سير موكب الجنازة عموما يقف المارة والجالسون علي جانبي الطريق وتغلق المحال التجارية أبوابها في سلوك ينم عن احترام حدث الموت الجلل, ويحرص الأقباط والمسلمون في قري الصعيد علي منع النساء من السير وراء الجنازة.
تقام الصلاة علي الميت سواء كان في الكنيسة أو في المسجد لطلب الرحمة والمغفرة للمتوفي, كما يجتمع الكثير من الناس لحضورالصلاة أيضا مجاملة للأحياء من أسرة المتوفي والمشاركة في أحزانهم.
أثناء السير إلي المقابر تروي الكثير من الحكايات من الأقباط والمسلمين عن حمل الصندوق أو النعش بخصوص خفته علي حامليه والسير بسرعة نحو المقابر وتفسر الجماعة الشعبية ذلك بمدي صلاح المتوفي و(كأنه يطير طيرانا) وأحيانا يقف النعش عن المسير ويحاول حاملوه السير به فلا يتحرك لأنه ربما ينتظر المتوفي شخصا عزيزا ليسلم عليه يودعه, أو ربما يقف الصندوق أو النعش أمام أحد بيوت القرية لدين عليه ولا يتحرك النعش إلا إذا سامحه الشخص المدين ويقول له مسامحك, وفي بعض الحكايات فإن النعش نفسه يقود حامليه إلي المكان الذي يريد الدفن فيه بعد فشل المحاولات التي تسعي لدفنه في مكان آخر.
ويتم الدفن بحيث توجه رأس المتوفي ناحية القبلة عند المسليمن وناحية الشرق عند المسيحيين.
بعد إتمام الدفن يقوم أحد المقرئين الحاضرين بتلاوة بعض الآيات القرآنية علي روح المتوفي وبالنسبة للأقباط يقرأ الكاهن الصلاة الربانية (أبانا الذي).. بصوت عال.
بعد انتهاء عملية الدفن يصطف أهل المتوفي والأقرباء أمام المقابر لتلقي العزاء وشكر المشيعين بقولهم شكر الله سعيكم ويرد المعزون عليهم بقولهم: عظم الله أجركم وتقال هاتان العبارتان من الأقباط والمسلمين علي السواء أثناء مصافحة المعزين لأهل المتوفي.
أشرف أيوب معوض
باحث في التراث الشعبي
[email protected]