من ملامح العار أن بعض المتعلمين وأرباع الفاهمين يظنون أن لفظ الأغلبية مرادف للتفوق العددي بين فصيلين أو أكثر.
أدي الفهم الخاطئ لهذا المصطلح إلي تغول واستقواء الفئة المميزة عدديا مما تسبب في الظلم المجتمعي وافتراس حقوق الأقليات.
بداية, دعوني أوضح أن الأغلبية لفظا (وعكسها الأقلية) تشير إلي التفوق العددي, أما اصطلاحا فقد ذهب البعض بالمصطلح إلي دائرة النفوذ والتسلط والفوز ترجيحا لمطلب الأغلبية مقابل الأقلية.
الأغلبية العددية لا تمنح تفوقا أمام الأقلية العددية, ومن ثم لا يجب أن تتمتع بمزايا أكبر أو بنفوذ أو صلاحيات اختيار يحرم منها في المقابل فريق الأقلية.
لفظ الأغلبية في التصنيف الحقوقي يعني إتاحة مساحة أوسع للأغلبية للتمتع بالاختيارات, ولكنه لا ينفي أبدا أو يتجاهل مساحة تناسب الأقلية, وتعال لنأخذ بعض الأمثلة:
1- يمثل الأصحاء من البشر أغلبية أمام القلة التي تستخدم كرسي الإعاقة, ومع ذلك لدي تصميم الأرصفة وارتفاعاتها وتصميم بوابات الدخول للمرافق العامة, لابد من تحديد مسار للكرسي المتحرك حتي وإن تضاءل عدد مستخدمي كرسي الإعاقة.
2- في المطاعم هناك كرسي مرتفع مخصص للطفل بحزام حافظ يتيح للأم التمتع بالوجبة (Baby seat) بينما يجاورها الطفل ويحظي برعايتها هو الآخر دون تعطيل ليديها أثناء تناول الطعام. بالرغم من قلة هذا الاحتمال, لابد من تخصيص وإتاحة هذا المقعد.
يتبني الفهم الراشد لمعني الأغلبية إتاحة المساحة الأوسع دون المساس بمتطلبات الأقلية.
التصويت الاستفتائي في البرلمان هو نوع من الافتراس الحقوقي للبشر, فهو لا يمثل سوي الاستجابة لرغبة العدد الأكبر دون التمييز بين صواب الاختيار وسوء الفهم, رأينا في برلمان السلفيين والإخوان في أوج كثرتهم كيف أن التصويت العددي يفوز وهو خال تماما من المنطق.
وجود شخص واحد مريض بالصرع مع أسرة من خمسة أشخاص يتفوق عليهم حقوقيا في ضرورة وضع قيود تؤمن حياته.
وجود مريض بضغط الدم المرتفع وسط عائلة من الأصحاء يمنحه الحق في طهي الوجبة بدون ملح, وعلي كل متذوق أن يضيف الملح لاحقا.
انظر لتخصيص عربتين في مترو الأنفاق للسيدات مقابل اثنتي عشرة عربة للرجال والخليط وفق فقه الأغلبية.
في شوارع لندن, يمكنك تجميد حركة الحياة من حولك بالضغط علي ذر تبديل إشارة السير لتقطع الطريق علي مهل عندما يعوزك الهمة أو سرعة الحركة.
لا وافق علي فكرة الكوتة الفئوية, إذ لا يصح إتاحة الحقوق وفق الأعداد, فالحق منزه عن أعداد المطالبين به.