(1) : تاج عي الرمال
تحكي الحكايات الشعبية الإنجليزية أن ملكا قويا كان يحكم البلاد. وقد اعتاد عظماء المملكة وكبار الموظفين أن يتملقوه بكثرة المدح والثناء المبالغ فيه, فيقول أحدهم: أنت أعظم من عاش علي الأرض, ويقول آخر: لا يمكن أن يوجد ملك آخر في مثل قوتك, وليس هناك من يجسر علي مخالفة أوامرك أو يعصي تنفيذ طلباتك ورغباتك.
وكان الملك حكيما عاقلا, فتضايق من هذه المبالغات السخيفة, وأحس أن من يقولونها يتصورون أنهم قادرون علي خداعه, وأنهم يعتقدون أنه عاجز عن فهم الناس علي حقيقتهم, وأنهم بهذا ينتقصون من ذكائه, فجمعهم ذات يوم, وأمرهم أن ينقلوا كرسي العرش إلي شاطئ البحر ويضعوه عند حافة الماء حيث جلس عليه.
هناك التفت إلي المتملقين الملتفين حوله, وسألهم: سأنتم تقولون إنني الأعظم, فهل تطيعني كل الأشياء؟ أجابوا: لا يوجد في العالم شيء يجسر أن يخالفك. نظر الملك إلي الأمواج التي كانت تروح وتجيء عند قدميه, وسألهم: وهل يطيعني البحر؟ ارتبك الرجال, ونظر بعضهم إلي بعض وقالوا: لابد أن يعطيك كل شيء!!.
عندئذ التفت الملك إلي البحر وقال: أيها البحر.. أنا آمرك أن تقف مكانك.. أيتهاالأمواج, اسكتي عن الحركة.. لكن الماء ظل يروح ويجيء كما اعتاد أن يفعل دائما, بغير أن يهتم أي اهتمام بأوامر الملك!
عندئذ خلع الملك تاجه وألقاه علي الرمال وهو يقول: تعلموا من هذا درسا.. لا يوجد من يطيعه كل شيء إلا الله وحده القوي القدير.. إنه الأقوي والأقدر والأعظم.
(2) : الصديق الثالث
تحكي كتب العرب أنه كان لرجل ثلاثة أصدقاء. كان يحب الصديق الأول حبا شديدا ويزوره دائما ويتحدث إليه, وكان يحب الصديق الثاني ويزوره من وقت إلي آخر, أما ثالث الأصدقاء فيحبه لكن لا يهتم كثيرا بزيارته.
ذات يوم جاء رسول من عند قاضي المدينة يطلب من الرجل سرعة الحضور لأمر مهم. ففزع وخاف وظن أنه فعل شيئا أغضب القاضي, وذهب إلي صديقه الأول وطلب منه أن يذهب معه إلي القاضي, لكن الصديق اعتذر له بأن لديه أعمالا كثيرة لا يستطيع تركها, فذهب الرجل إلي صديقه الثاني, الذي قال له: يمكن أن أذهب حتي باب القاضي ثم أتركك وأعود, لأنني أخشي مقابلته.
عندئذ ذهب الرجل وهو متردد إلي الصديق الثالث وطلب منه نفس الطلب, وفوجئ الرجل بالصديق يرحب به ترحيبا بالغا, وهو يقول له: سأذهب معك, ولن أتركك قبل أن أطمئن عليك, بل سأدافع عنك عند القاضي. عندئذ قال الرجل لنفسه: حقا إن الصديق المخلص هو الذي تجده وقت الشدائد.
(3) : ثروة لا تقدر بثمن
قالت سيدة أصبحت كاتبة معروفة: كنت أعيش حياتي لا أتوقف لحظة عن العمل.. أتعلم العزف علي البيانو, وأدرس الكمبيوتر, وأمارس رياضة التنس, وأسافر في رحلات كثيرة لأتعرف علي أماكن جديدة وأشخاص جدد.
ذات يوم أحسست بألم وإرهاق شديدين, وأخبرني الطبيب أنني مصابة بأزمة قلبية نتيجة تصلب في الشرايين, وقال لي: عليك أن تلازمي فراشك سنة كاملة. أصابني فزع شديد, وبكيت في مرارة وملأتني ثورة علي الحياة, لكنني لازمت الفراش كما نصح الطبيب.
ذات يوم زارني جار لي فنان يجيد العزف علي الكمان, وقال لي: لاشك أنك تظنين أن قضاء عام في الفراش مأساة ليس هناك ما هو أقسي منها, لكن الأمر في الواقع ليس كذلك, فسوف تكون لك فرصة عظيمة للتأمل والقراءة وتنمية هواياتك والتعرف علي نفسك, وهذا يساوي ثروة لا تقدر بثمن. إننا مشغولون جدا بالأعمال الصغيرة التي تستغرقنا طوال الويم, يوما بعد يوم, ولا نجد وقتا نجلس فيه إلي أنفسنا, نتأمل ونفكر.
ملأت هذه الكلمات نفسي سكونا, وهدأت العواصف الجامحة في صدري, وبدأت أحاول النظر إلي الأمور نظرة جديدة, واعتزمت أن أجعل أفكاري كلها تدور حول ما يفيدني في حياتي, كالأمل والأفكار السارة. وعودت نفسي كل صباح, بعد استيقاظي من النوم, علي التفكير في الأشياء التي يجب أن أشكر الله من أجلها, مثل طفلتي الحبيبة, ونظري السليم, وسمعي الصحيح, وأصدقائي الأوفياء. وعاد لي حماسي وتفاؤلي وثقتي بنفسي.
يعقوب الشاروني
Email: [email protected]