نشرت وطني في عددها الماضي تحقيقا بعنوان كليوباترا السمراء يدور حول إنتاج منصة نتفليكس فيلما وثائقيا عن الملكة المصرية كليوباترا ذات الأصول المقدونية التي حكمت مصر في العصر الإغريقي, حيث صورتها بملامح سيدة ذات ملامح أفريقية سمراء, الأمر الذي فجر كثيرا من الاحتجاجات والانتقادات التي تمادت في تصوير أن الأمر ينطوي علي مؤامرة لتزييف التاريخ ويستدعي القيام بحملة تستهدف إيقاف عرض الفيلم.
وكان ضمن المقولات التي تسلحت بها هذه الاحتجاجات الآتي:
- الدكتور زاهي حواس: الاعتراض لا يعني وجود العنصرية أو الرفض, لكنه متعلق بتزييف الحقائق.
- الدكتور وسيم السيسي: هذه الأكذوبة من صناعة أفريكا سنتريك التي تمثل سود شمال أمريكا.
- الناقد طارق الشناوي: لا يعنينا اللون, لكننا نعترض علي مجافاة الحقائق التاريخية.
توقفت أمام انضمام وطني لهذه الحملة المستعرة التي تصور إنتاج نتفليكس لهذا الفيلم علي أنه مؤامرة متعمدة لتشويه جزء من التاريخ المصري باختطافه إلي حيز التاريخ الأفريقي, ووجدت في ذلك المنحي مبالغة تستدعي التمهل, فقد نري أن الشركة المنتجة جانبها الصواب فيما ذهبت إليه, وتتوجب مراجعتها في تجسيد شخصية كليوباترا كملكة سمراء أفريقية الملامح… لكن مهلا لو لم يكن الفيلم مصنف وثائقيا… ألا ينحصر الأمر في مناقشة موضوعية تترك مساحة أكثر رحابة تسمح بالتعبير الفني الحر دون مغبة الاتهام والإدانة؟.. أثق أن معايير تقييم الأعمال الإبداعية الفنية بجميع مستوياتها تحتمل رصد أشكال التنوع والابتعاد عن القوالب الجامدة بما لا يعتدي علي حرية الفنان في إبداع العمل.
وفي هذا الصدد لعل الفرصة قد سنحت لأسوق واحدة من الأمثلة التي شغلتني كثيرا والتي أشكر الله أنني استطعت عبورها بقدر كبير من الفهم والتقدير دون أن أنزلق في مغبة الرفض أو الاحتجاج أو الغضب… إنها تتمحور حول المساحة الهائلة من التنوع والاختلاف التي تنطوي عليها إبداعات أيقونات السيدة العذراء مريم… وبالرغم من اعترافي بأن هناك رصيدا عظيما من هذه الأيقونات ترسخ في ذاكرتنا الإيمانية منذ الطفولة يرجعها إلي ملامح أوروبية غربية, إلا أننا تعرفنا عبر مراحل عمرنا ونضجنا علي أشكال متنوعة ثرية تحمل صورا متباينة لتلك الأيقونات تنتمي إلي حقب زمنية متعاقبة ومناطق جغرافية متباينة تشكل معا رصيدا غزيرا ثريا يعكس مساحة رحبة لتعبير الفنان عن هذه الأيقونة بما تحمله من حقائق إيمانية تم تطويعها لتتواءم مع المعايير الزمنية والمكانية لهذا الفنان المبدع… وظللت أتلقي ذلك التنوع علي أنه ثراء وليس مؤامرة… وإليكم أمثلة علي ذلك:
- العزباوية أيقونة العجائب التي تعكس ملامح عبرانية للقديسة العذراء مريم والطفل يسوع.
- أيقونة الميلاد للعذراء والطفل يسوع بملامح قبطية مصرية.
- أيقونة الهروب إلي مصر كما رسمها الفنان القبطي وتحمل ملامح وادي النيل وأرض مصر.
- أيقونة الهروب إلي مصر كما رسمها الفنان القبطي المعاصر بملامح مصرية ريفية.
- أيقونة العذراء والصبي يسوع والقديس يوسف النجار وتعكس ملامح شرق أوسطية.
- أيقونة العذراء والطفل يسوع وتعكس ملامح آسيا الصغري من كنيسة أنطاكية.
- أيقونة الميلاد للعذراء والطفل يسوع ويوسف النجار بملامح أوروبية.
- أيقونة البشارة للعذراء والملاك جبرائيل بملامح آسيوية.
- أيقونة العذراء والطفل يسوع بملامح إغريقية يونانية.
- أيقونة ترجع للقرن التاسع عشر تصور كلية القداسة العذراء مريم والدة الإله مع الطفل يسوع المسيح وعن يمينها القديسة أليصابات مع السابق يوحنا المعمدان وعن يسارها القديسة سالومي وابنها يوحنا الحبيب وتحمل ملامح آسيا الصغري.
- أيقونة العذراء والطفل يسوع مع كهنة المعبد في عيد الختان المجيد وتحمل ملامح آسيا الصغري.
- أيقونة عرس قانا الجليل وتظهر السيدة العذراء مع يسوع المسيح بملامح قبطية.
- أيقونة عرس قانا الجليل وتظهر السيدة العذراء مع يسوع المسيح وضيوف العرس والخدم بملامح يونانية.
- أيقونة العذراء مريم مع التلاميذ ويتوسطهم المسيح المقام بملامح يونانية.
- أيقونة العذراء والطفل يسوع من إبداع فنان روسي تحمل ملامح روسية.
- أيقونة العذراء والطفل يسوع وتحمل ملامح المدرسة الرومانية الكلاسيكية.
- أيقونة العذراء والطفل يسوع والمجوس يقدمون هداياهم بملامح آسيا الصغري.
- أيقونة المجوس قادمين متعقبين نجم المشرق بملامح بدوية عربية.
- أيقونة نياحة القديس يوسف النجار مع القديسة مريم ويسوع المسيح في عمر 16 عاما بملامح عبرانية.
- أيقونة الميلاد بملامح من جنوب شرق آسيا- صينية/ يابانية.
- أيقونة العذراء والطفل يسوع بملامح زنجية أفريقية.
- أيقونة العذراء والطفل يسوع بملامح قطبية لسكان الإسكيمو.
*** إنني أنظر إلي هذا التنوع والثراء باعتباره انعكاسا لزمن ومكانية الفنان, ولا ينطوي علي مؤامرة, فكلها ابداعات فنية وليست وثائقية.