يقول القديس بولس: افرحوا دائما في الرب, وأقول لكم أيضا: افرحوا (فيلبي 4:4). لا نستطيع أن نتخيل إنسانا علي وجه الأرض يرفض السعادة. والمعضلة في كيفية الحصول عليها والاحتفاظ بها في حياتنا. يحكي عن أرملة كانت تعيش في إحدي القري, قد فوجئت بضيف أنيق يطلب منها طعاما. فأجابته: يؤسفني, ليس عندي أي شيء الآن في بيتي, ولكنه توسل إليها بكل لطافة قائلا: توجد في حقيبتي حجارة لعمل أفضل حساء في العالم, ولكن دعيني أن أضعها في إناء كبير جدا به ماء ساخن, وسأقدم لك أفضل مرقة في حياتك. فتعجبت المرأة من هذا الكلام, وغلبها الفضول لمعرفة حقيقة هذا الأمر, فقامت بوضع الإناء المطلوب علي النار, ثم ذهبت مسرعة لدعوة الجيران والأصدقاء لمشاهدة هذا الأمر الغريب, وعندما بدأت المياه في الغليان, وصل الجيران والأصدقاء للتحقق من هذا الكلام, وشاهدوا الضيف أثناء وضعه الحجارة في الماء المغلي, ثم بدأ يتذوقها هاتفا: ياه! ما أحلاها! ولكن ينقصها بعض قطع البطاطس, فصاحت امرأة: أنا عندي كمية كبيرة في المنزل, وعادت بعد لحظات حاملة معها إناء مليئا بالبطاطس, ثم وضعها في الإناء الكبير, وعندما تذوقها مرة أخري, صرخ بأعلي صوته عظيمة! وبقليل من الدهاء طلب قطعا من اللحم حتي تصبح أشهي وألذ وجبة, فاضطرت ربة منزل إلي الذهاب لمنزلها بسرعة, لتحضر كمية من اللحم ووضعها في الإناء الموجود علي النار, ثم ذاق مرة أخري الحساء رافعا عينيه نحو السماء قائلا ياه! ما أحلاها! ولكن ينقصها بعض الخضراوات, فأسرعت إحدي النساء لتحضر معها سلة مليئة بالمطلوب, وقام الضيف بوضعها في الحساء طالبا القليل من الملح والمرق, فأحضرتهما ربة المنزل. وفي نهاية الأمر, طلب أطباقا ليوزع فيها الوجبة الدسمة, ثم جلسوا معا ليأكلوا أفضل طعام في حياتهم, لأنهم كانوا يشعرون بالسعادة والفرح لمشاركتهم في هذه الوجبة, ولوجودهم معا في صحبة طيبة. وبعد ذلك انسحب الضيف تاركا لهم الحجارة العجيبة. من المحتمل أن نعتبرها حكاية للتسلية, ولكنها تعلمنا الكثير من المواعظ في حياتنا العملية, وكيف أننا نستطيع أن نعيش لحظات السعادة, والبهجة كل يوم بأشياء بسيطة في متناول أيدينا. إذا لكي نحيا حياة حقيقية, نحن بحاجة إلي ملح الفرح لأنه بهجة الحاضر ورجاء المستقبل. وكان الفيلسوف الروماني Seneca يقول لصديقه قائلا: أتمني ألا ينقصك الفرح, وأن يولد في بيتك, ويولد لأنه بداخلك, فمظاهر السعادة الخارجية والوقتية لا تملأ قلبك. فهل تعتقد أن إنسانا ما سعيد لأنه يضحك؟ ولكن ينبغي أن يكون الروح فرحا ومن هذا المنطلق يجب أن ينبع الفرح من الداخل ويزهو من الضمير الصافي. ونستشف ذلك في حياتنا اليومية, فكم من الاحتفاليات الصاخبة والكرنفالية والسهرات الليلية تنتهي بصباح كئيب وحزن داخلي؟ لذلك من أراد أن يحيا في سعادة دائمة, عليه أن ينشرها في محيطه وفي قلوب الآخرين, لأنه عندما يسعد الناس, فحتما سيشعر بهذه السعادة في داخله. لأنها ليست من معطيات المادة كالمال والجمال والشهرة, بل هي حالة القلب النقي, والنفس الراضية القنوعة والضمير الصالح. لقد خلق الله الإنسان ليحيا في سعادة أبدية, فمنذ أن خلقه وضعه في جنة عدن, ثم وعده بفردوس السماء إن أطاع أوامره وخضع لأحكامه ووصاياه, ولكن الإنسان حاد وضل عن الطريق المؤدي للسعادة, حتي أنه جلب لنفسه الشقاء والحزن. فالإنسان يجد سعادته الحقيقية في الله وحده, وعندما يحيا في سلام مع الآخرين, فإذا فتش عنها بعيدا عن الله, فيكون كمن يحاول أن يمسك ظله, ولا يستطيع أبدا. فاليوم الذي لا نبتسم أو نفرح فيه, يعتبر يوما مفقودا في حياتنا, كما أن الفرح الحقيقي هو أن نرضي بحالنا, لأن التطلع للغير بطمع وغيره يسلبنا فرح الحياة, كما أن السعي وراء الملذات الأرضية لا تولينا إلا سرورا عابرا يعقبه الألم والندم والبؤس. إن قلب الإنسان أكبر من أن يملأه العالم, لأن الله خلقه ليملأه, ولا شيء سواه يستطيع أن يقوم بهذا الدور العظيم, لذلك نجد سعادتنا الكاملة في الله وحده, ولن نستطيع الوصول إليها, إلا إذا زرعناها أولا في قلوب الآخرين. كما أن السعادة توجد في المحيط العائلي الذي نعيش فيه, عندما يقوم كل شخص منا بواجبه تجاه الآخرين, ويعطي بلا مقابل, ومن ثم نستطيع أن نوفرها في المجتمع الذي نعمل فيه. ونختم بكلمات السيد المسيح: السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ (أعمال الرسل 20:35).