جسدت الدكتورة مريم سعد وهبة شخصية البطل في رسالة الدكتوراة الخاصة بها، وبذلك تم تعيينها كأول مدرس من الحاصلين على رسالة الدكتوراة فى فلسفة الفنون الجميلة ، تخصص النحت الفراغى والميدانى كلية الفنون الجميلة جامعة أسيوط، بقسم النحت.
والجدير بالذكر أن هذه الرسالة هى باكورة رسائل الدكتوراة بالكلية , وأول دكتوراه يتم منحها من كلية الفنون الجميلة بجامعة أسيوط ،وتأتى رسالة الدكتوراه تحت عنوان :” الصياغات التشكيلية لتماثيل القادة والشخصيات البطولية فى مصر والغرب دراسة مقارنة “.
تناولت الدكتورة مريم سعد فى رسالة الدكتوراة تماثيل القادة والشخصيات البطولية لأنها ترى أن شخصية القائد والبطل شخصية محبوبة لدى البعض ؛ فقد رأى فيه الناس قائداً وزعيماً وبطلاً أسطوريًا صنع مجد البلاد وساهم فى نهضتها وقدم حياته فداءاً عنها فى بسالة وشجاعة , مما جعل الكثيرين دائماً ما يشعرون بالفخر والاعتزاز تجاه شخص القائد والبطل الشجاع .
وفن النحت من الفنون العريقة التى جسد فنانوه أعمالاً نحتية متنوعة لتماثيل القادة والشخصيات البطولية، منذ أقدم العصور وحتى الآن , وتحمل تماثيل القادة والشخصيات البطولية بين طياتها العديد من « الصياغات التشكيلية» والقيم الجمالية والتعبيرية .
لذلك لا تخلو الميادين العامة فى كل مكان من تماثيل القادة والشخصيات البطولية من الملوك والرؤساء والمحاربين والفلاسفة المفكرين , ممن لهم دوراً بارزاً فى الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية والفنية والفكرية خاصة فى العصر الحديث .
وترتبط تماثيل القادة والشخصيات البطولية بـ« الصياغة التشكيلية » PlasticFormation والتى تعرف على أنها رؤية الفنان لموضوع القائد والشخصية البطولية عمل نحتي، والقدرة على تنظيم وترتيب مفرداتها التشكيلية والفنية , بواسطة
تشكيله لخامات التمثال, وذلك عن طريق التنظيم والبناء من خلال التقنيات التشكيلية المختلفة , وتحدد قيمة تمثال القائد والشخصية البطولية من خلال قدرة الفنان على اكساب العمل النحتى فكرة تتفاعل مع خبرة المشاهد , ويهدف ذلك التنظيم إحداث ضـــــرب من التآلف والانسجام بين العناصر المختلفة للتمثال .
وقد أكدت الدكتورة مريم سعد فى رسالتها مدى تأثر الفنانين فى مصر والغرب «بالصياغات التشكيلية» المختلفة فى استحداث حلول تصميمية تشكيلية مبتكرة فى معالجة التكوينات المختلفة لأعمالهم النحتية لتماثيل القادة والشخصيات البطولية فى « مصر والغرب » بحيث يمكن أن يستفيد منها الفنانين والباحثون فى الفن فيما بعد .
كما نفذت الدكتورة مريم سعد وهبة المدرس بقسم النحت تخصص النحت الفراغي والميدانى نماذج مختلفة من تماثيل القادة والشخصيات البطولية ,والتي حاولت من خلالها تحقيق القيم الجمالية والتعبيرية والعناصر التشكيلية , مما يسهم فى إظهار «الصياغات التشكيلية »والحلول الفنية والتشكيلية في تلك الأعمال النحتية :-
1- تمثال الدكتور «محمد مشالى» :
ما دفع الدكتورة /مريم سعد لتجسيد تلك الشخصية ( طبيب الغلابة كما يعرف ) :
بالنظر للتمثال الذى يجسد شخصية الدكتور« محمد مشالى »، أحد الأطباء الذى تميز أدائه المهنى بتغليب الجانب الإنساني على جانب السعى وراء المادة , وهذا ما لمسناه بوضوح حينما وافته المنية , وظهر على كل وسائل التواصل الأجتماعى مدى تقدير الناس له وحبهم لشخصه بالعديد من الصور الفوتوغرافية التي تعكس تواضع وبساطة أثاث ومكان عيادته المتواضعة فى إحدى الأحياء الشعبية .
ويعبر العمل النحتى عن الشخصية الأنسانية الزاهدة فى الحياة , ويتأكد ذلك فـى انحناءة الجذع وأطراقه الرأس إلى الأمام مع نحافة الجسد , تلك الملامح المصرية التى تتسم بالطيبة والتواضع لدرجة تجعله يبدو أنساناً بسيطاً لا تتوافر فى ملامحه مهابة العلم وسطوته , وتعمدت الباحثة تلك الجلسة الوقورة المستمدة من بساطته وارتقاء الجانب الإنساني لديه مع بساطة معالجات سطوح الملابس التي تخفي ذلك الجسد النحيل , وتتأكد مع اطراقة الرأس وحركة اليدين تلك السكينة والطمأنينة التى يحيا بها ذلك الطبيب الإنسان , كما نجد التعبير عن أصالة الشخصية بذلك المقعد البسيط الكلاسيكي الذي يتناسب وكبر عمر الشخصية .
وعندما يتأمل المتلقى فى ملامح الزاوية الجانبية لوجه طبيب الغلابة يستشعر تفاصيل ضغوط الزمن , وبنية الجسد فهو أنسان فى أواخر عمره وبالتأكيد صارع وواجه تحديات الحياة في مختلف مراحله العمرية مكتفياً بالثراء الحقيقى الداخلى و السكينة على المظاهر المادية الطاغية فى عصرنا الحالى مما دفع فى ذكرى وفاته
العديد من الفنانين بالتفاعل مع هذه الشخصية بإنتاج العديد من الصور الزيتية والرسوم والأعمال النحتية .
تمثال الطبيب «محمد مشالى» , زاوية رؤية مختلفة للتمثال , بوليستر , ارتفاع 70سم.
2- تمثال «أم كلثوم» :
وبالنظر إلى تمثال سيدة الغناء العربى « أم كلثوم » رغم تناول مجموعة من الفنانين لشخصيتها فى مجالات الفنون البصرية بأشكالها المختلفة , ترتبط « أم كلثوم » مع الباحثة بأبعاد وجدانية وإنسانية تخص الباحثة , فغالب وقت ممارسة أعمالها الفنية يدوى صوتها الرخيم وهذا ما دفع الباحثة لتجسيد شخصية تلك المرأة التى تربعت على عرش فن الطرب , كما تربعت الأهرامات على رمال الجيزة , وحاولت الباحثة تأكيد إحساسها بشخصية « أم كلثوم » التى يصعب عليها التمايل أثناء غنائها إلا بالنذر القليل , حينما تتأرجح كلماتها بين مقامات الموسيقى الرصينة على وقع ألحان كبار مبدعي مصر فما يميز « أم كلثوم » على المسرح هو أدائها الجاد الوقور , الذي حتم وضعية العمل بهذا الشكل من قبل الباحثة .
فهى تمسك فى يدها اليمنى ذلك المنديل المرتبط بها دائماً بينما يدها اليسرى تشير إلى تفاعلها مع أدائها والموسيقى , وترديداً لذلك تلك النغمات المتفاوتة المتمثلة فى ثنايات الثياب وتنوع مساحاتها مع تنوع مساحات الظل والنور داخل ثنايا الثوب ولتتناسق فى المعالجات النحتية حاولت الباحثة ترديد وقع أيقاع الخطوط المنحنية الدائرية فى فتحة الثوب من أعلى , مع الخطوط الدائرية للنظارة , ومن سمات ملامح « أم كلثوم » منديل اليد والنظارة وهيئة الشعر المتكتل فوق الوجه الجاد .
كما نلمح تعبيراً فريداً فى أداء « أم كلثوم » بأرتفاع الوجه قليلاً إلى أعلى مع تعبير عن مستوى الطرب لتزاوج « أم كلثوم » بهيئتها بين الطرب والوقار والجدية.
تمثال السيدة « أم كلثوم » , بوليستر , أرتفاع 80سم
3- « ألبرت أينشتاين » :
ما دعى الدكتورة / مريم إلى تجسيد تلك الشخصية لعالم الفيزياء « ألبرت أينشتاين » الذي اشتهر بأب النسبية كونه واضع النسبية الخاصة والنسبية العامة الشهيرتين اللتين كانتا اللبنة الأولى للفيزياء , وحاز على جائزة « نوبل« في الفيزياء عن ورقة بحثية عن التأثير الكهروضوئي في عام 1921م .
وقد حاولت تجسيد شخصية « ألبرت أينشتاين », حيث أشتهر « أينشتاين » على شبكة المعلومات بصورة شهيره وهو يخرج لسانه , حيث تحدى « أينشتاين » المصور أن يقوم بالتقاط صورته بسرعه قبل أن يخرج لسانه مرة أخرى , ولكن المصور نجح في ألتقاط هذه الصورة الطريفة والشهيرة للعالم الفيزيائي وهو يحملق ويخرج لسانه . وتعمدت الباحثة فى هذه الصورة إظهار الجوانب الشخصية للعلماء من حيث كونهم غريبى الأطوار وهذا ما يعكس الجوانب العبقرية لرواد العلم .
والجدير بالذكر أن بعض المصادر تلقى الضوء على أن صاحب النظرية النسبية الحقيقى هو عالم الفيزياء الشهير أيضاً ولكنه أقل حظاً من شهرة « أينشتاين » وهو العالم « نيكولا تسلا » .
وجسدت ملامح شخصية عالم الفيزياء « أينشتاين » بحيث تبدو ملامح الكبر في العمر , لتتضح عمق التجربة الحياتية وما تعكسه الملامح من خبرة صاحب العمل النحتي فى ميدان تخصصه , فتبدو ملامح الوجه ذات التجاعيد والعينان الواسعتان ذات الأجفان الواسعة والرموش خشنة الملمس لتعطى نوعاً من الظلال على العينان , والأنف الغليظ التى تتخذ شكل كروى واللسان العريض والابتسامة الخفيفة , مما يضيف مزيداً من الطرافة إلى الشخصية المنحوتة .
وعمدت استخدام الأسطح الملساء الناعمة فى الوجه لتستقبل كمية أقل من الإضاءة , بالإضافة إلى الأسطح الخشنة فى الشعر للأسطح المنسدلة المكونة لكتلة الشعر , والجزء السفلى للملابس مما يلقى على الأسطح بعض الظلال , ويضفى إلى العمل النحتى شيئاً من التأثيرية .
كما حاولت أن تدمج بين العضوية فى ملامح الوجه والتجريد فى كتلة الشعر ذات الأسلوب التجريدى , فالشعر يتخذ خطوطاً منحنية تتجه للخلف ثم تتجه خطوطها شكل مقوساً للداخل من الأسفل , ويوحى بالحركة داخل العمل النحتى , وأستغلت الباحثة الجـزء السفلى للعمل النحتي والذى يجسد جزء من قميصه كقاعدة يستند عليها البورتريه الشخصي لعالم الفيزياء .
4- تمثال «نيكولا تسلا» :
وبالنظر إلى تمثال« نيكولا تسلا » ما دفع الدكتورة مريم لتجسيد هذا العمل النحتى : أن هناك مغالطة شائعة عن مؤسس النظرية النسبية , حيث نسبت إلى « ألبرت أينشتاين » بينما ترجح العديد من مواقع على شبكة المعلومات أن المؤسس الحقيقى هو « نيكولا تسلا » وهذا ما دفع الباحثة لأختيار تلك الشخصية حيث يتشارك على الأقل مع شهرة ملامح «أينشتاين ».
وبتأمل هذا العمل النحتي للعالم « نيكولا تيسلا » الذى يرجح أنه واضع « النظرية النسبية » الحقيقى , هذا العالم الذى تبدو عليه ملامح العبقرية والنبوغ رغم وسامة ملامحه فيظهر كنجم « هيوليودى » , وتميز « تسلا » باتساع عينيه ونظرته الثاقبة .
وترى الدكتورة مريم سعد أن لكل مهنة و لكل شخص ذاع صيته فى تخصص ما , هناك ما يستثير وجدان الفنان وأحاسيسه ووجدانه , مما يجعله يستشعر ملامح الشخصية المراد تجسيدها من خلال التخصص الذى تميزت فيه تلك الشخصية , فكل مهنة تختلط سماتها مع ملامح الشخصية لتصبح ملامح الشخصية رمزاً لمجال تخصصه باعتباره أحد أعلام هذا التخصص , كما حاولت التركيز على أبرز سمات ملامح شخصية العالم « تسلا » وتعمدت تأكيد خصلات الشعر على الجانبين بشكل مسترسل من أعلى وأيضاً رابطة العنق أسفل العمل النحتي , ولتتسم معالجات العمل النحتى بجماليات تتوافق ومهابة كون « تسلا » أحد العلماء البارزين , وللتأكيد على قدراته الذهنية وعبقريته التى جمعت ملامح وجهه بين أتساع العينين و الأذنين الكبيرتين نسبياً , وجبهته العريضة , والتركيب المعماري للوجه المثلث يعطى إيحاءاً بتكوين هرمي حيث ينحصر الوجه فى مثلث قاعدته إلى أعلى وقمته إلى أسفل . ودعماً لوقار الشخصية وأرتباطه بجلال العلم جاءت جميع ملامس العمل النحتى مصقولة صقلاً جيداً , ولتنوع الملامس داخل العمل النحتى رغم عدم أختلافها ما يحدث تأثير تراكم خصلات الشعر من الظلال داخل سطوح العمل النحتى , وكذلك بعض الظلال الرقيقة لرابطة العنق التى تحاكى أنثنائتها .
وبالنظر إلى التمثال نجد أستعراض جماليات التكوين النحتي حيث جاء تثبيت البورتريه على حافة رابطة العنق على القاعدة رغم أمتداد مؤخرة الجمجمة إلى الخلف لنستشعر أستعراض لقيمة الاتزان بالتثبيت على مساحة قليلة بين العمل النحتى والقاعدة حتى تنطلق كتلة العمل النحتى فى الفراغ تأكيداً لمكانة صاحب العمل العلمية .
بورتريه العالم «نيكولا تسلا» , بوليستر , أرتفاع 70سم .
5- تمثال «قائد الأسرة »:
يتناول العمل النحتى دور الأب كقائد للأسرة الريفية , حيث صاغت الباحثة التكوين النحتي بأسلوب تجريدي عضوى في هيئة ثلاثة عناصر , فكتلة الأب وقائد الأسرة تتوسط التكوين النحتى , وعلى يساره كتله نحتية تمثل طفل صغير , أما على يمينه كتلة نحتية تجسد الزوجة , فالعمل النحتى يعبر عن دور الأب كقائد الذى يبتدأ دوره من مكانته كقائد ومرشد لأفراد أسرته ويدفعهم للتقدم والرقي .
واشتمل التكوين النحتى على ثلاثة عناصر تتفاوت كتلتها وأرتفاعاتها لإحداث جماليات التناغم فى أحجام العناصر داخل التكوين النحتي , كما يتخذ التكوين النحتي من كتلة رأسية الشكل , فتجسد شكلاً مثلثاً ( تكوين هرمي الشكل ) قاعدته بالأسفل عند قاعدة التمثال ورأسه تتمثل فى أعلى نقطة فى كتلة رأس تمثال القائد ورب الأسرة مما يوحى بالثبات و الاستقرار والاتزان .
فالأب وقائد الأسرة تجسد كتلته على هيئة رجل يقف فى ثباث وشموخ يرتدى جلباب طويل وعلى رأسه عمة تتخذ شكلاً مدبباً من الأعلى ذات طيات بسيطة من الأمام بينما من الخلف فتتخذ خطوطاً عميقة ذات أشكالاً دائرية فتلقى على كتلة الرأس نوعاً من الظلال تحدث ترديداً مع مناطق الظلال فى غطاء الرأس يتناسب مع طيات كوفيته المنسدلة للأسفل بشكل رأسى , وتتخذ خطوطاً منحنية الشكل من الأعلى، هذا بالإضافة إلى بعض ثنايا الأقمشة فى الجانبين لتحدث ثراءاً بصرياً بعض الشئ للزاوية الخلفية للعمل النحتي, أما ساقه اليسرى ممتدة للأمام ويداه ممتدتان إلى الأمام واضعاً يده اليسرى على الطفل , ويمناه موضوعه على ذراع الزوجة , وحركة أيدي القائد المضمومة والممتدة للأمام تحتضن التكوين النحتي وتتناسب مع وقار وهيبة قائد الأسرة .
أما كتلة الزوجة فتجسد على هيئة سيدة تقف ترتدى ثياباً طويلة منسدلة لأسفل وتمتد إلى الخلف تتناسب ووقار شخصية الزوجة, فيدها اليمنى مضمومة إلى كتلة الجسد , أما يدها اليسرى بجانبها.
أما الطفل الصغير تتناسب كتلة هيئته مع كتلة باقى عناصر التكوين النحتي , في جسم على هيئة كتلة رأسية ويقف فى ثبات ينظر إلى الأمام نحو المستقبل البعيد متحمساً , ويداه مضمومتان إلى كتلة الجسد ويرتدى غطاءاً للرأس ( طاقية ) كوفيته على صدره , التى تعطى خطوطها المنحنية المقوسة لأعلى نوعاً من الترديد والأيقاع مع خطوط كوفية قائد الأسرة , و والخطوط الناتجة عن كسرات ثياب الزوجة الناتجة عن يدها اليمنى المضمومة إلى الجسد .
تمثال«قائد الأسرة» , بوليستر , أرتفاع75سم
6- تمثال « البطل الرياضى» :
تستمد حركة التكوين النحتي من حركات أبطال الرياضة , وعبرت الباحثة عن مضمون العمل النحتى الذى يتكون من كتلة تتخذ شكلاً رأسياً فى الفراغ وتندفع للأعلى فى الفراغ , و اعتمدت على أسلوب التلخيص والتبسيط فى طريقة نحت كتلة الجذع مع الأذرع والرأس فى تمثال البطل الرياضى , فتعمدت الباحثة تضخيم كتلة جسد البطل الرياضى للتعبير عن بنية البطل الجسدية , والأذرع تلتحم معاً وتتجه خطوطها للأعلى , بينما عبرت الباحثة عن كتلة رأس البطل الرياضى بالفراغ الدائرى الداخلى النافذ وذلك للتخفيف من كتلة الضخمة بما يتوافق ومعالجات النحت الحداثية .
وترتكز الكتلة على القاعدة من خلال ساق أسطوانية الشكل تتخذ وضعاً رأسيا يوحى بالثبات والاستقرار , بينما الساق الأخرى للتمثال ترتفع إلى أعلى وتتخذ شكلاً منحنياً .
كما حرصت الدكتورة مريم سعد على التنويع فى الملامس داخل العمل النحتى , ومما يشعر المشاهد بأحساساً مختلفاً عند تذوق العمل النحتى , فالملمس الخشن يعطى أحساساً تأثيرياً ويستقبل كمية أقل من الضوء , بينما الملمس الناعم الأملس يستقبل كمية أكبر من الضوء على سطح العمل النحتى .
كما أعتمدت فى التكوين النحتى على الخطوط المنحنية والدوائر والأقواس مما يعطى أحساساً بالمرونة والليونة والانسيابية داخل العمل النحتى . كما ركزت الباحثة على حيوية الحركة وإيقاعها البصرى المتمثل فى ثراء الخط الخارجى للتكوين النحتي فى الفراغ مختزلة بذلك ما يميز أبطال الرياضة من رشاقة وليونة فى مجمل حركاتهم .
7- تمثال « الشهيدة »:
ما دعى لتجسيد فكرة العمل النحتى والذى أطلقت عليه الدكتورة مريم « الشهيدة », هو تمجيد وتأكيد دور المرأة البطولى كرائدة فى كافة المجالات , ففى المجال السياسي ظهرت المرأة المناضلة التى تصدت للعدوان ونادت بأستقلال البلاد جنباً إلى جنب مع القادة والزعماء الوطنيين وأطلقت عليهم طلقات الرصاص من أعداء الوطن , كما أن المرأة من خلال دورها البطولي كأم هي تستشهد كل حين عندما تفقد زوجها أو أبنها شهيداً فى ساحات القتال مدافاعاً عن الوطن.
وقد صاغت العمل النحتى للشهيدة فى هيئة كتلة رأسية مبالغ فى ارتفاعها للتعبير عن الشموخ والعظمة ودورها البارز , أما منطقة الجذع فهى تمثل شكلاً دائرى يتخللها الفراغ من الداخل للتخفيف من ثقل كتلة التمثال , وتعطى بعداً أخر للرؤية , وعندما ترسم العين خطوطاً أفقية ورأسيه وهمية تحصر كتلة الجذع داخل شكل شبه منحرف تندفع خطوطه لأعلى مما يجذب عين المشاهد ويحركها إلى نقاط وخطوط أخرى إلى أعلى
تمثال الشهيدة , بوليستر , .ارتفاع 85 سم.
يتلاقى التمثال مع خط الأكتاف المائلة ناحية اليمين وتتعلق عليه كتلة بيضاوية الشكل تمثل رأس الشهيدة , واتجاه خط الأكتاف المائل مع وضع الكرة عليه يشعر المشاهد بالتوتر والسقوط وعدم الاستقرار , كما دمجت كتلة الساقين معاً بحيث تبدو الساقين مخروطية الشكل ويفصل بين الساقين خطاً طولياً يمتد حتى جذع التمثال بالأعلى , وترتكز ساقى التمثال على قاعدة التمثال بحيث يتلاقيا فى نقطة واحدة مما يوحى بالثبات و الاستقرار والأتزان .
كما أعتمدت على التلخيص والتبسيط والإيجاز فى الكتلة النحتية للشهيدة من الخلف , واعتمدت على الترديد بين الخطوط الرأسية المائلة التى تكون كتلة الرأس والتى تتقاطع مع خط الأكتاف المائل فى شكل دائرى مما يلقى عليها نوعاً من الظلال , وتعمدت الباحثة استخدام الملمس الناعم على سطح التمثال لتحقيق الرقة والنعومة .
8- تمثال « أمكانية أن أكون بطلاً » :
ما دفع لتجسيد هذا العمل النحتى هو أن بداخل كل شخص قائد بطل يظهر فى المواقف والظروف العصيبة وعلى كل شخص أن يكتشف ذاته ويبحث فى أغوار نفسه عن ذلك القائد والبطل فى أى مجال من المجالات .
وقد عبرت الدكتورة عن مضمون العمل النحتى وفكرته بصياغة نحتية من خلال رؤية الباحثة الذاتية فى تكوين نحتى يتخذ كتلته شكلاً أفقياً لقوسين يتقاطعان معاً من خلال طرف معين بينما الطرف الأخر ينطلق متحرراً فى الفراغ، وينتج عن تلاحم القوسين من المنتصف فراغاً داخلياً يمثل شكلاً شبه دائرياً , وبذلك استفادت الباحثة من الفراغ النافذ للتخفيف من ثقل كتلة التمثال, كما ركزت على أستخدام خامة أخرى , وهي قرص دائرى من مرآه تعكس صورة الرائى لتضيف أبعاداً تشكيلية أخرى فى التكوين النحتى , والتى تتمثل فى أنعكاس صورة المتلقى داخل كتلة العمل النحتى , وهى دعوة من الباحثة لأكتشاف الذات ومواطن نقاط القوة فيها , ويعد هذا العمل متوافقاً مع مفهوم النحت التفاعلى .
كما أستفادت من الفراغ الخارجى لتحديد الشكل فى الفراغ , وتأكيد البعد اللونى للتمثال , واندفاع حركة كتلة القوسين المعكوسة للأعلى وللأسفل يعطى أحساساً لدى المشاهد بالحركة داخل العمل النحتى , ويوحى بالاندفاع والانطلاق . وعلى الجانبين ترديداً للكتلتين نتيجة كل منهما عكس الأخرى يوحى بالامتداد الأفقي للعمل النحتي في الفراغ .
تمثال « أمكانية أن أكون بطلاً » , بوليستر , أرتفاع 60سم , 90 سم عرض
9- تمثال « المحارب »:
فى هذا العمل النحتي الذى يستعرض فروسية وشجاعة المحارب , حيث يقف المحارب منتصباً شامخاً تعلوه مساحة دائرية ذات مستويات تندفع للخارج , وفى مركز هذه المساحة الدائرية يستطيع المتلقي أن يلمح شكلاً كروياً داخل إطار انحناء محدب , ويحيط بالدائرة التى فى المنتصف شكلاً يقترب من الدائرة بمستوى أقل بروزاً ويعلوها جيمعاً كتلة رأس المحارب والتى يحيط بها خوذة مستوحاة من فرسان العصور القديمة , أما العينين فأوشير إلي تفاصيلها بفراغ عميق على هيئة مثلث قمته تتجه إلى أسفل , ويحيط بالعنق أيضاً ما يتدلى من الخوذة الموجودة على الرأس لتمهد لمنطقة الكتلة الفاصلة بين الرأس والكتفين . وإذا ما نظرنا أسفل الشكل الدائرى نجد , أتساع قليل يعبر عن نهاية زى المحارب وتضيق المساحة قليلاً لتعبر عن التصاق الساقين بأتجاههما إلى القاعدة , وهذا ما يجعل مجمل العمل هو تحاور ما بين ديمومة الخط الدائرى وأستقرار وثبات الخطوط الرأسية للمحارب .
كما أستخدمت فى هذا العمل أسلوباً تجريدياً مبسطاً تدمج فيه بين كتلة المحارب وكتلة الدرع الحربى معاً وكأنهما شيئان لاينفصلان , وعبرت الدكتورة مريم عن ذلك فجسدت كتلة المحارب الرأسية وتثير لدى المتلقى الأحساس بالثبات والاستقرار , وتتوسط كتلة المحارب من الأعلى الكتلة الدائرية , وكأن المحارب يحتضن هذا الدرع الحربى ويستطيع المشاهد أن يلاحظ ذلك بكل سهولة.
وقد صيغ العمل بتقنية النحت التجميعى لمفردات من عناصر حديد الخردة ويتألف مجمل العمل من مجموعة متنوعة فى الأحجام من الصواميل والدوائر المثقوبة والمصمتة التى تستخدم مع تثبيت الصامولة , وجمعت كلها بواسطة تقنية اللحام , كما استخدم تنوع أحجام جزيئات العمل بشكل تنتظم معه الحلول النحتية بما يتيح قدراً من الصياغة البصرية للمحارب فى خامة الحديد المجمع باللحام .