التقى صباح اليوم قداسة البابا تواضروس، بقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان في لقاء رسمي، أعقبه استقبال وفد الكنيسة المشارك في اللقاء، وذلك بالمكتب البابوي بالقصر الرسولي وتحدث قداسة البابا تواضروس في البداية فقال:
أخي صاحب القداسة البابا فرانسيس، أصحاب النيافة، السادة الحضور
المسيح قام.. بالحقيقة قام
فرحي اليوم كبير بالتواجد بينكم وأصافحكم بقلبي لا بيدي فقط، أفرح معكم بالمسيح القائم من بين الأموات وأشكركم لإتاحة الفرصة لنا لأن أقوم بهذه الزيارة.
أنا ممتن لأني متواجد على هذه الأرض، التي كرز فيها الرسل، ويسكنها مرقس الرسول كاروز ديارنا المصرية، ومنها خرج الكثيرون في طريق طويل للكرازة باسم ربنا يسوع للعالم كله فاديًا ومخلصًا.
أتأمل معكم ما كتبه بولس الرسول من هنا في روما إلى أهل أفسس، “وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ” (أفسس ٣: ١٨)،
إنها المحبة يا أحباء، الأساس الدائم والطريق الرئيسي للكمال، والطريق الوحيد لله، لأن الله محبه، وكل من يعرفه يمشي خطوات المحبة معه وإليه.
إنني أرى العالم كدائرة كبيرة مركزها الله، وكل منا يقف عند نقطة على الدائرة، وكلما اقتربنا من الله مركز الدائرة نجد أنفسنا نتقارب تلقائيًّا، ونفهم بعضنا بعضًا بسبب اقترابنا من النور الإلهي، وتزداد محبتنا يومًا بعد يوم بسبب قربنا من الله المحبة.
إنه طريق طويل نسيره معًا نحو الله الذي قال «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ” (يو ١٤: ٦)، حتى أننا في بعض الأزمنة أُطلِق علينا “أصحاب الطريق” لأننا نتبعه.
هكذا “سَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ.” (تك ٥: ٢٤)، و”سَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ.” (تكوين ٦: ٩) وإبراهيم وداود وتلميذا عمواس وكثيرون آخرون، وكل من سار معه واتخذه رفيقًا للطريق فَرِحَ.
أما عرض وطول وعمق وعلو هذه المحبة فهي لا نهائية لأنها من الله ولا يمكن أن تقاس، ومسؤوليتنا أن نصير مثله ونقدم المحبة غير المشروطة لبعضنا وللعالم كله.
وإحدى علامات طريق المحبة لكل إنسان إصداركم الدستور الجديد “إعلان الإنجيل”، الذي أهنئكم عليه لأنه يشهد على الاهتمام بكل نواحي الإنسان.
ونحن خلال جلسات الحوار بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية نسير في طريق المحبة، “نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ” (عبرانيين ١٢: ٢).
وفي عصرنا الحديث بدأت زيارات متبادلة بين كنائسنا منذ عام ١٩٦٢، ثم زيارة قداسة البابا شنودة الثالث إلى كرسي روما في مايو ١٩٧٣ في ضيافة قداسة البابا بولس السادس. وخلال هذه الزيارة تسلّم قداسته جزءًا من رفات القديس أثناسيوس أثناء الاحتفال بذكرى مرور ١٦ قرنًا على نياحته، وهو البابا القبطي من القرن الرابع الميلادي، وقد قال قداسة البابا بولس السادس في كلمته الاحتفالية: “إن القديس أثناسيوس هو أب ومعلم للكنيسة الجامعة.”
وفى ١٠ مايو ١٩٧٣، وقَّع رئيسا كنيستينا بيانًا مشتركًا فيه تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة، مهمتها توجيه دراسات مشتركة في ميادين: التقليد الكنسي، وعلم آباء الكنيسة، الليتورجيات، واللاهوت، والتاريخ، والمشاكل العلمية، حتى نستطيع أن نعلن معًا رسائل الإنجيل التي تتطابق مع رسالة الرب الأصيلة ومع احتياجات عالم اليوم وآماله.”
نشكر الله على استمرار الحوار اللاهوتي للجنة الدولية المشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية (Oriental) والتي شَرُفنا باستقبال آخر اجتماعاتها في مركز لوجوس بالمقر البابوي بمصر، والتي نحتفل العام القادم بالاجتماع العشرين لها.
هكذا بدأنا الحوار ومستمرون فيه، فالحوار طريق طويل لكنه آمن، تحميه ضفتان من المحبة، ضفة محبة المسيح لنا وضفة محبتنا لبعضنا، لذلك مهما واجهنا من تحديات فإن المحبة تحمينا، لنكمل مسيرتنا ونستمر من أجل الفهم المتبادل. والصلاة مبدأنا لكي نسند بعضنا البعض، متحملين مسؤوليتنا واضعين أمامنا قول يوحنا الحبيب ” لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!” (١ يو ٣: ١٨).
وكما أن القديسين أحد الدعائم الأساسية لكنيستينا، بدأت بالرسل بطرس وبولس ومرقس، والآن نكتب في كتاب سنكسار الكنيسة شهداءً جددًا، حفظوا الإيمان وتمسكوا بالشهادة للمسيح ولم يلينوا أمام التعذيب والترهيب ووضعوا لنا مثالًا حيًّا في الشهادة الحقة لله “لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ.”(فيلبى ١: ٢٩).
وهكذا كان الـ ٢١ شهيدًا في ليبيا، إذ اعترفنا بقداستهم في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وصرنا نعيد كل يوم ٨ أمشير، الموافق ١٥ فبراير، عيدًا لشهداء العصر الحديث الذين استشهدوا خلال السنوات الماضية، ونقدم اليوم جزءًا من متعلقاتهم المغمورة بدمهم المسفوك على اسم المسيح للكنيسة، لكي تُذكَر في سنكسار كل الكنائس في العالم ونعلم أن “لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا” (عب ١٢: ١)، ويصيروا قدوة ومثالًا معاصرًا للعالم كله، يشهد بأن مسيحيتنا ليست مسيحية تاريخية فى الماضي، لكنها أمس واليوم وإلى الأبد.
أخيرا أشكر قداستكم، على دعوتكم لي والوفد المرافق، وعلى كلمات الترحيب الطيبة التي استقبلتنا بها، باسمك وباسمكم جميعًا، وأنا على العهد أذكركم في صلاتي الخاصة يوميًّا كما تعاهدنا منذ زيارتي السابقة هنا، وأصلي أن يعطيكم الله الصحة الكاملة والعمر الطويل والفرح الدائم، وأصلي معكم من أجل كنيسة الله على الأرض أن يثبتها إلى دهر الدهور، لترفع على الدوام التسبيح السماوي، وأن يحرسها بعنايته التي لا تغفل ولا تنام، وأن يباركنا جميعًا إلى الأبد، آمين.
من جانبه تحدث قداسة البابا فرنسيس فقال ..
صاحب القداسة، أنها الإخوة في المسيح
“هذا هو اليوم الذي . صنعه الرب فلنبتيج وتفرح فيه”، بهذا المدح الفصحي، استقبل القديس البابا بولس السادس، قبل خمسين سنة، سلفكم الموقر البابا شنودة الثالث، في بازيليكا القديس بطرس. وبنفس المديح أرحب بك اليوم، أيها الأخ الحبيب والصديق العزيز البابا تواضروس، أشكرك من كل قلبي لقبولك دعوتي لنحتفل معا باليوبيل لهذا الحدث التاريخي في سنة ۱۹۷۳، وكذلك الذكرى العاشرة
للقائنا الأول في سنة ٢٠١٣.
في المسيرة المسكونية، من المهم دائما أن ننظر إلى الأمام. وفيما تنتقي في قلوبنا تلهفا شديدا ورغبة مُتقدة في الوحدة، يجب أن تكون مثل الرسول بولس ، مندفعين إلى الأمام” (راجع فيلبي ۳، ۱۳) فنسأل أنفسنا باستمرار: ما هي المسافة المتبقية أمامنا بعد ؟ ومع ذلك، من الضروري أيضا أن تتذكر خاصة في لحظات الإحباط، لكي نبتهج ونفرح في المسافة التي قطعناها حتى الآن ونستفيد من حماسة الرواد الذين سبقونا لننظر إلى الأمام ولنتذكر. وبدون شك إنه من الضروري أيضًا أن ننظر إلى العلى لنشكر الرب يسوع على الخطوات التي اتخذناها، ونبتهل إليه أن يعطينا عطية الوحدة التي تتشوق إليها.
نشكر ونبتهل هذا هو هدف إحياتنا لذكرى اليوم. كان لقاء أسلافنا الذي انعقد في روما في الفترة من 9 إلى ۱۳ أيار / مايو ،۱۹۷۳ ، بمثابة مرحلة تاريخية في العلاقات بين كرسي القديس بطرس وكرسي القديس مرقس. وكان ذلك أوّل لقاء بين بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وأسقف روما. كما أنه يمثل نهاية الجدل اللاهوتي الذي يعود إلى مجمع خلقيدونية، وذلك بفضل التوقيع، في ١٠ أيار / مايو ۱۹۷۳ ، على إعلان كريستولوجي مشترك لا يُنسى. وكان فيما بعد مصدر إلهام لاتفاقيات مماثلة . الكنائس الأرثوذكسية الشرقية الأخرى.
أتى اللقاء إلى إنشاء اللجنة الدولية المشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتي تبنّت سنة ۱۹۷۹ المبادئ الزائدة لتوجيه البحث في الوحدة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتي قبلها القديس البابا يوحنا بولس الثاني والبابا شنودة الثالث، وفيها تم التأكيد بكلمات نبوية أن “الوحدة التي نتخيلها لا تعني استيعاب الواحد للآخر أو سيطرة الواحد على
الآخر. بل إنها خدمة كل واحد منا لمساعدته على عيش عطاياه الخاصة التي منحه إياها روح الله”. ثم فتحت هذه اللجنة المشتركة الطريق لولادة حوار لاهوتي مثمر بين الكنيسة الكاثوليكية وعائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية كلها، التي عقدت أوّل اجتماع لها في سنة ٢٠٠٤ في القاهرة، واستضافها قداسة البابا شنودة. أشكر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على التزامها بهذا الحوار اللاهوتي. أشكر
قداستك أيضا على اهتمامك الأخوي الذي ما زلت توليه للكنيسة القبطية الكاثوليكية، وهي المودة نفسها التي أدت إلى إنشاء المجلس الوطني للكنائس المسيحية في مصر.
كما يمكن أن نرى، فإن لقاء أسلافنا الموقرين لم يتوقف قط عن إعطاء الثمار في مسيرة كنائسنا نحو الشركة الكاملة. وهي أيضا ذكرى لقاء سنة ۱۹۷۳ ، التي حملتكم على المجيء للقائي صاحب القداسة هنا للمرة الأولى في ۱۰ أيار /مايو ۲۰۱۳، بعد أشهر قليلة من تنصيبكم وبعد أسابيع من بداية حبريتي. في تلك المناسبة، اقترحتم أن نحتفل في العاشر من شهر أيار /مايو من كل سنة بـ “يوم الصداقة بين الأقباط والكاثوليك”، الذي تحتفل به كنائسنا في موعده منذ ذلك الحين.
عندما تتكلم على الصداقة، يتبادر إلى ذهني الأيقونة القبطية الشهيرة التي تعود إلى القرن الثامن والتي تصوّر الرب يسوع وهو يضع يده على كتف صديقه الراهب القديس مينا من مصر. تسمى هذه الأيقونة أحيانًا أيقونة الصداقة” لأن الرب يسوع يبدو فيها أنه يريد أن يرافق صديقه ويسير معه. وبالمثل فإن روابط الصداقة بين كنائسنا متجذرة في صداقة يسوع المسيح نفسه مع تلاميذه كلهم الذين يدعوهم هو نفسه “أصدقاء” (راجع يوحنا (۱۵ (۱۵) والذين يرافقهم في مسيرتهم، كما صنع مع حجاج عمواس.
في مسيرة الصداقة هذه، يُرافقنا أيضًا الشهداء، الذين يشهدون أنه “ليس لأحَدٍ حُبِّ أعظمُ مِن أن يَذلَ نَفسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِهِ” (يوحنا (۱٥ (۱۳) . لا أجد كلمات أعبر بها عن شكري العميق للعطية الثمينة لذخيرة الشهداء الأقباط الذين قتلوا في ليبيا في ۱٥ شباط / فبراير ٢٠١٥. هؤلاء الشهداء عمدوا ليس فقط بالماء والزوح، بل بالدم أيضا، الدم الذي هو بذرة الوحدة لأتباع المسيح كلهم. يسعدني أن أعلن اليوم، وبموافقة قداستك، أنه سيتم إدراج هؤلاء الشهداء الواحد والعشرين في السنكسار الروماني علامة على الشركة الروحية التي توحد كنيستينا.
صلاة الشهداء الأقباط، المتحدة مع صلاة ،والدة الإله لتستمر في تنمية صداقة كنيستينا حتى اليوم المبارك الذي فيه سنتمكن من أن نحتفل معا على المائدة المقدسة نفسها وأن تتناول جسد ودم المخلص نفسه “اليُؤمن العالم” (يوحنا ۱۷ ، ۲۱).