الاتصال قديم قدم الإنسان, وبسبب الاتصال تمكنا من فهم الآخرين واختراع إنجازات عظيمة للبشرية, ومع اختراع وسائل الاتصال الجماهيري, ظن الإنسان أنها نهاية المطاف, وظهرت نظريات علمية تتحدث عن الاتصال وشروطه وطرق تحسينه ومعوقاته, ولكن ظل هناك تطور مذهل في قصة الحضارة الإنسانية, وبتطور التكنولوجيا تطور مفهوم الاتصال خارج الأنماط المعروفة بالاتصال الذاتي -مع النفس- والشخصي المباشر -مع الآخرين والجمعي- مع الجماعات الكبيرة- والجماهيري- عبر وسائل الإعلام, وظهر ما نسميه الاتصال الشخصي غير مباشر (مع وسيط تكنولوجي) وهو عبارة عن عملية اتصال بشرية عبر استخدام الكمبيوتر أو المحمول, بحيث يجمع بين شخصين أو مجموعة من الناس مع الاحتفاظ بخصوصيتهم, ويتم من خلاله خلق وتجسيد معان جديدة عن طريق الدردشة والمراسلات بالبريد الإلكتروني بإرسال مواضيع مختلفة, وفي غرف النقاش الخاصة بالمتصلين, حيث يتم نشر الأفكار بطريقة تسلسلية لينتقل المتصل من نقطة اتصال إلي نقطة أخري, مثل المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات المباشرة التي تتم عبر الكمبيوتر أو المحمول.
ولكن الأمر لم يتوقف عند هذه الحدود فمع دخولنا في عصر الذكاء الاصطناعي, أصبح يمكن الاتصال داخل عوالم افتراضية مع روبوتات وبشر أيضا, وظهر مصطلح الميتافيرس عالم ما بعد الواقع ليصبح الاتصال داخل عالم يسد الفجوة بين العالمين الواقعي والرقمي, فيه يقوم الشخص بارتداء سماعة رأس مخصصة ينتقل الإنسان للعالم الذي يريد في شكل ثلاثي الأبعاد, ممثلا حضوره فيه بشكل أفاتار (صور رمزية) يخصصها كما يشاء في طوله ووزنه وشكله ولون شعره حتي لون عينيه, ليتفاعل بها ويعيش تجربة إحساس غامر.
ومن هنا تحول المفهوم التقليدي للاتصال مع البشر إلي اتصال الأفاتار الافتراضي مع صورة رمزية تشبه البشر, وسواء كان هذا الاتصال مع بشر آخرين بصورة أفاتار أو روبوتات تحمل صورة رمزية إلا أنه يحمل داخله خصائص وسمات اتصالية جديدة, جديرة بالدراسة.
وهو ما أثاره كتاب الاتصال في عصر الذكاء الاصطناعي.. الأفاتار يخترق عوالم ميتافيرس ليشير لاحتمالية تأثير التواصل الافتراضي علي التواصل بمفهومه التقليدي, وهل سيعوض تواصل الإنسان مع البشر تواصله مع أشباههم من الأفاتار؟ وماذا سيحل محل العناق والمصافحة؟ أم سيكتفي الإنسان بالإحساس المادي الذي سينتقل له في هذا العالم؟
ويناقش الكتاب عبر أربعة أبواب كيف اخترق اتصال الأفاتار (عبر الصورة الرمزية) المجالات المختلفة من الحياة.
فيناقش الباب الأول تحت شعار تواصل خارج الحدود, الاتصال في عصر الذكاء الاصطناعي ليبدأ بأساسيات الاتصال ومبادئه وأهميته ومنظوره وعملياته, منذ بداية الحضارة وحتي عصر الذكاء الاصطناعي, ثم كيف اخترق اتصال الأفاتار عوالم الميتافيرس؟ وتحت شعار أنا رقمي إذن أنا موجود, يناقش الباب الثاني دور الذكاء الاصطناعي في تحسين التواصل, وكيف اخترق الاتصال عبر الأفاتار عالم الدردشة وعالم محركات البحث.
ولجعل غير المرئي, مرئيا, يناقش الباب الثالث الذكاء الاصطناعي والترفيه, وكيف اخترق الاتصال عبر الأفاتار عالم الألعاب الإلكترونية, وعالم تطبيقات الموبايل, وعالم الفنون. ثم يتطرق الباب الرابع, للذكاء الاصطناعي والإعلام تحت عنوان مرحبا أيها البشري, ليناقش اتصال الأفاتار عبر الصحافة الآلية, وفي عالم صناعة الأفلام والبرامج, وفي عالم العلاقات العامة, وعالم التسويق والإعلان.
ويختتم بهل يمكن أن نرسم ملامح العشرة الآلاف سنة القادمة في ظل عصر الذكاء الاصطناعي؟ فمع التطور المذهل والمتسارع في الذكاء الاصطناعي, وظهور الاتصال الافتراضي كنمط اتصالي جديد يحمل تفاعل مع أفاتار (صور رمزية) في بيئة افتراضية, تبقي جدلية هل سيؤثر علي هذا الاتصال علي البشر؟ وهل هناك محاذير أخلاقية ونفسية قد تتطور نتيجة هذا النوع من الاتصال؟ وهل يمكن أن يأتي يوم ما تسيطر فيه الآلة علي البشر؟
علي الرغم من المخاوف الكثيرة التي يثيرها التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي, إلا إننا نواصل السير بلا هوادة فيه ودون مقاومة, فربما يحلم العالم بأن يأتي روبوت ما بنظرية جديدة أو يستكشف استكشافا جديدا يخدم البشرية.
وبما أن التفكير هو ما يعلن وجودنا كما ذكر ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود فليس من المستغرب أن تفصح مخاوف البشر من الذكاء الاصطناعي عن شل تفكيرنا الذي يجعلنا متميزين.
كيف ستكون العواقب, وماذا سيحدث في العشرة آلاف سنة القادمة؟ هل ستكون هناك محاولة لطمس الفارق بين الإنسان والآلة؟ وهل سيقوم البشر بتحميل عقولهم داخل أفاتار شبيه بهم؟ مع نسخ التجارب الممتعة وحذف التجارب غير الممتعة لتحرير مساحة تخزين لأمور أفضل.
هل سيأتي الوقت الذي ستغيب فيه كل أشكال المعاناة لتصبح الإنسانية بفضل التقنيات المذهلة للذكاء الاصطناعي, خالية من الفقر والمرض ويتمتع جميع البشر بحياة مذهلة خالية من الجريمة؟ وهل بالمقابل سيصبح الذكاء الاصطناعي متحكما في حياة البشر؟ وربما بسبب شريحة مزروعة داخل عقل الإنسان يمكنه مراقبة ومحاسبة ومتابعة كل من يخترق قوانين الذكاء الاصطناعي.