والذي يعرف ضعف طبيعته, تراه باستمرار دائم الصلاة.
وإذ ينصت إلي قول الرب بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا تراه يلتصق بالرب كل حين, يطلب معونته في كل شيء, عالما أن النعمة إن تخلت عنه لحظة واحدة, فإنه لا يمكن أن يثبت لأنه ليس أقوي من الجبابرة الذين سقطوا.
فهو يصلي دائما, لكي يشترك الرب معه في كل عمله الروحي, ويمنحه قوة محاربا بسلاح الله الكامل (أف6) وليس بذراعه البشري, فحكمة سليمان لم تمنعه من السقوط, ولا قوة شمشون منعته من السقوط! إنما الصلاة تجعل الإنسان باستمرار في حضرة الله, هذا الذي نقول له في كل صلاة نجنا من الشرير.
لقد علمتنا الكنيسة أن نصلي ذاكرين ضعف طبيعتنا.
فنحن نقول في صلاة نصف الليل الخدمة الثالثة: بعين متحننة يارب انظر إلي ضعفي.. انظر إلي ضعفي وذلي ومسكنتي ونجني. كما أننا نقول في صلاة الستار: يارب أنت تعرف يقظة أعدائي وضعف طبيعتي أنت تعلمه يا خالقي..
من أجل ضعف الطبيعة هذه, طلب داود المغفرة..
فقال للرب: لا تدخل في المحاكمة مع عبدك, فإنه لا يتزكي قدامك أي حي (مز142). وقال: إن كنت للآثام راصدا يارب, يارب من يثبت, لأن من عندك المغفرة (مز126).
وقال في غفران الرب: كبعد المشرق أبعد عنا معاصينا. لأنه يعرف جبلتنا, يذكر أننا تراب نحن (مز103).
ولمعرفة الرب بضعفنا, قدم لنا معونات خاصة.
أرسل لنا قوة من روحه القدوس, وقال لتلاميذه: ولكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم, وحينئذ تكونون لي شهودا (أع1:8) وقال لهم أيضا: تلبسون قوة من الأعالي. وكان داود النبي يكرر عبارة: قوتي هو الرب, وكان يقول: يمين الرب صنعت قوة (مز117).
مغبوط من يشعر بضعفه, ليأخذ قوة الرب.
الرب, لمعرفته بضعف تلاميذه, كان يحفظهم في اسمه (يو17). وقال للآب: الذي أعطيتني حفظتهم, ولم يهلك منهم أحد, إلا ابن الهلاك.
وفي الأسبوع الأخير, جلس مع تلاميذه كثيرا ليقويهم ويشجعهم ويثبتهم, ويخبرهم بما سيكون قبل أن يكون, حتي إذا كان يؤمنون.. كان يعدهم بكل قوة وعزاء للتجربة المقبلة يرونه علي الصليب.
ولمعرفته بضعف طيبعتنا, لم يعاتب كثيرا ولم يعاقب.
كان يقول: ما جئت لأدين العالم, بل لأخلص العالم.
لم يعاتب تلاميذه لما هربوا وقت القبض عليه.. وكان يطلب لهم من الآب حفظا أيها الآب القدوس, احفظهم في اسمك, الذين أعطيتني, لست أسأل أن تأخذهم من العالم, بل أن تحفظهم من الشرير (يو17).
حتي بالنسبة إلي صالبيه, صلي عنهم أيضا, وقال: اغفر لهم يا أبتاه, لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.
كان يعرف أن الطبيعة البشرية يمكن أن تتقلب سريعا..
تتحول في أيام من هتاف أوصنا يا ابن داود, مبارك الآتي باسم الرب إلي هتاف: اصلبه اصلبه.. دمه علينا وعلي أولادنا. لا ملك لنا إلا قيصر!.
ليس في السقوط فقط يعرف ضعفنا, بل في الخدمة أيضا.
لذلك في الإرسالية التدريبية التي أرسل فيها تلاميذه قال لهم: في طريق أمم لا تمضوا, ومدينة للسامريين لا تدخلوا (متي10), لأنه كان يعرف عدم احتمالهم لعداوة الأمم لهم وعداوة السامريين وقد قدموا مثالا عن ضعفهم لما أغلقت إحدي قري السامرة أبوابها في وجوههم فقالوا له: أتشاء يارب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة!.
ولهذا قال لهم أيضا: عندي كلام أقوله لكم, ولكنكم لا تحتملونه الآن ولهذا أيضا كان يفتح أذهانهم ليفهموا ما في الكتب, لأهم ما كانوا يعرفون بعد ما ورد عنه من رموز ونبوات.. كم كان ضعف مريم المجدلية التي ظنته البستاني, وقالت: يا سيد إن كنت قد أخذته, فقل لي أين وضعته..
السيد المسيح كان يعرف أننا ضعفاء, ويعاملنا هكذا.. وبنفس الأسلوب أيضا سلك تلاميذه في الخدمة..
فآباؤنا الرسل حينما قبلوا الأمم في الإيمان (أع15) قرروا عدم التثقيل عليهم.. وقال القديس بولس: سقيتكم لبنا لا طعاما.
ومعرفة ضعف الطبيعة البشرية, تدعو إلي الحنو والرفق:
كما يقول الرسول: أطلب إليكم أيها الأقوياء أن تحتملوا ضعف الضعفاء. ويقول أيضا: شجعوا صغار النفوس..