نتعلم هذه الحكمة الذهبية من سفر الأمثال:كثرة الكلام لا تخلو من زلة ومن ضبط شفتيه فهو عاقل(10:19),نحن نعيش في عصر اعتاد بعض الناس فيه أن يهينوا ويجرحوا القريب والبعيد سرا وعلنا, وبنوع خاص علي وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها, حتي أن البعض يقوم بتأليف قصص وروايات عن الآخرين لتشويه سمعتهم والخوض في أعراضهم, يحكي عن شخص مستبد أمر أحد عبيده ليذهب ويزرع حقلا له بشجر التفاح, ولكنه ذهب فزرعه بالبطاطس, وعندما ذهب ذلك السيد في وقت الحصاد,أصابته صدمة كبيرة عندما رأي البطاطس تملأ الحقل, فسأله:ألم آمرك بأن تزرع شجر التفاح في هذه الأرض, فلماذا إذا زرعت البطاطس دون علمي؟ فأجابه:يا سيدي لقد قمت بزراعة البطاطس, علي أمل أن أحصد شجر التفاح!, فقال له سيده:يا لك من مجنون وأحمق! هل سمعت من قبل عن شيء مثل هذا؟ فأجابه:نعم يا سيدي,فأنت شخصيا تزرع دائما بذور الشر في كل مكان وزمان, ومع ذلك تنتظر بكل أمل أن تحصد ثمار الخير والفضائل واحترام الناس لك في هذه الدنيا, وتثق في أن تنال الثواب علي عملك في الحياة الأبدية,فلذلك اعتقدت أنا أيضا في جني التفاح نتيجة لزراعتي البطاطس!, فخجل سيده للتو من هذا الجواب القاطع, حتي أنه أمر بإطلاق سراحه في الحال ليعيش حرا, مما لا شك فيه أننا نصطدم بأمثال هذا السيد في حياتنا اليومية, والذين يقومون بإهانة الكبير والصغير, القوي والضعيف, الإنسان الطيب والإنسان الشرير, ونكتشف أن عددا كبيرا من الناس ينساق خلفهم ويجاريهم في كل ما يقولون أو يفعلون, ومع كل هذا فهم ينتظرون احترام الجميع لهم, بينما الشخص الذي يستطيع ضبط لسانه, يربح احترام الآخرين وتقديرهم له, لأن الإنسان الذي يتلفظ بكلمات عذبة ومهذبة, يساعد الغير علي التعامل معه والاقتراب منه فالأدب في معاملة جميع الناس, لخير دليل علي التهذيب الرفيع والعقل الراجح,لأن قيمة الإنسان الحقيقية في ميزان الإنسانية, ليست في الشهادات التي حصل عليها, ولا في الوظيفة التي يشغلها, ولا في الثروة التي يمتلكها بل في تهذيبه وأدبه وتواضعه واحترامه للجميع, فالأدب يربح القلوب, ويجذب الغير إلي محبتنا, ويبادلنا نفس الأخلاق والاحترام وحسن المعاملة, لذلك يجب ألا ننساق خلف هؤلاء الذين يختلقون الفضائح والإشاعات, لتشويه صورة الذين يختلفون معهم الرأي,أو من يقولون لهم الحقيقة عن تصرفاتهم المشينة,كم من تعليقات وكتابات لهم تخوض في شتي الأحاديث التافهة, فلا هي تنضب, ولا هم منها يشبعون ولا هدف منها سوي انتقاد هذا, والسخرية من ذاك؟ مما لا شك فيه أن الذي يفعل هذا, هو الإنسان الضعيف والفاشل والمجرد من الأخلاق,فهو يذم كل فضيلة يراها في الآخرين,لأنه عاجز عن اكتسابها أو القيام بعمل الخير, فلذلك يلجأ إلي مختلف الحيل المخجلة ليذم أهل الفضيلة وانتهاك حياتهم والسخرية منهم, علي أمل أن يتغيروا في سلوكهم الحسن, ويصيروا مثله, وهنا يشعر بتعزية كبيرة عما يقوم به, ومما لاشك فيه أن كل يوم يمر علينا, نتقابل مع أشخاص لا ينطقون كلمات كثيرة, ولكنها غنية تساعد علي البنيان والارتقاء بالإنسان, ونصطدم بأشخاص لايكفون عن الكلام, وتكون نتيجة أحاديثهم الدمار والخراب, فالإنسان المهذب والحكيم يمتحن ويفحص كلماته ويبنيها علي أساس متين, بينما الجاهل فيصب من فمه شلالات من الثرثرة والتفاهة,لأن حياته فارغة وتافهة, كما أننا نكتشف في أبناء الجيل الجديد استخدام لغة وكلمات ومصطلحات دون المستوي, ويعتبرونها عادية سواء في محيط الأسرة أو المجتمع الذي يعيشون فيه, لكن يجب علينا أن نساعدهم في غربلة الكلام والأحاديث التي تصل إلي آذانهم, حتي تقع وتختفي هذه المصطلحات التي لا معني لها, ولا تليق بالأخلاق والمبادئ التي نشأنا عليها منذ الصغر, وفي الوقت ذاته علينا ألا نعير انتباهنا لهؤلاء الذين يجرحون مشاعرنا ويهينون أشخاصا ظلما, بل نتركهم للزمن لأنه كفيل بهم, وسيسقط القناع الكاذب الذي يرتدونه, حتي أنهم سيتعرون أمام المخدوعين فيهم, لأنهم مثل الحية التي لاتستطيع أن تحتفظ بشرها وسمها, وتلدغ كل من تصادفه في طريقها, لتفرغ فيه هذا السم, وكثيرا ما يكون أمثال هؤلاء كاذبين في نقل الكلام, لأن هدفهم الأول والأخير تشويه صورة الآخرين وزرع الخصام والحقد بين الناس, ونختم كلامنا بالحكمة المعروفة:خير الكلام ما قل ودل.