“سره الباتع” قصة للكاتب الكبير “يوسف إدريس”، نشرت لأول مرة عام 1958 ضمن مجموعة قصصية بعنوان “حادثة شرف ” تحولت إلى مسلسل للمخرج “خالد يوسف” بعد مرور 65 عامًا على صدورها وذلك ضمن مسلسلات رمضان هذا العام 2023، المسلسل بطولة “أحمد فهمي، أحمد السعدني، حنان مطاوع، ريم مصطفى، حسين فهمي، نجلاء بدر، عمرو عبد الجليل، صلاح عبد الله، هالة صدقي، أحمد عبد العزيز أحمد وفيق، منه فضالي، محمود قابيل”.
“الحبكة الدرامية”
تدور الأحداث حول الشاب الذي يبحث عن سر مقام “السلطان حامد” الموجود في إحدى قرى الريف المصري، ويقوده البحث عن اللغز إلى وقت الحملة الفرنسية على مصر، ويُكتشف أن صاحب المقام لعب دوراً مهماً في مقاومة الاحتلال، حيث قام بقتل أحد قادة الجنود ولذلك أطلق الاحتلال حملة للقبض عليه خاصة أن له علامة مميزة وهي وشم عصفور على وجهه وأربع أصابع فقط في يده، ولكن يقع الجنود في ورطة عندما يقوم الشباب في القرى التي يهرب إليها بقطع إصبع من أصابعهم ورسم نفس الوشم على وجوههم لتضليل الجنود والحفاظ على حياة “حامد”.
· “بداية القصة”
“لم تكن علاقتي بالسُّلْطان تتعدَّى مجرَّد نظرة غير مُحِبَّة للاستطلاع أُلْقِيها عليه كلَّما مررْتُ به في ذهابي وإيابي، نظرة سريعة كأنما لأطمَئِنَّ بها فقط على وجوده هناك، فقد كان علامةً رئيسية من علامات البلد، مثله مثل محطة السكة الحديد، وسراية آل ناصف، والبقعة المسكونة التي قُتِل فيها سيد إبراهيم”.
· “غيرة البطل من السلطان حامد”
الحقيقة بدأتْ تنتابني الغَيْرة من السلطان حامد، بدأتُ أحسُدُه على تلك المكانة التي يحتلُّها في قلوب الناس، مع أنَّه لم يكن يملك لهم حولًا ولا قوة، هذه الكمية من الحجارة القائمة عند حافة الجبَّانة، كيف يكون لها كل هذا الاحترام والتقديس؟!
· جزء من خطاب روجيه كليمان لصديقه المسيو جي دي روان 1801
“أتحدَّى التاريخ أن يُثْبِتَ أنَّ غازيًا دخل هذه البلاد واستطاع أن يغادِرَها سالِمًا، لدَيْهم آلة عجيبة، هؤلاء الفلاحون، يستعملونها لطحن الحبوب، حجر كبير يدور فوق حجر كبير ويُوضَع الحب من فوق سليمًا ليَخرُج من بين الحجرين أنْعَمَ من الدقيق.
لقد وجدْنا الأتراك هنا قد أصبحوا دقيقًا من أزمنة طويلة مضتْ، وكان المماليك في طريقِهم إلى نفس المصير، لستُ أدْرِي أين تكمن قوَّتُهم، ولا كيف تتمُّ تلك العملية؟! ولكن المؤكَّد أنها تتم.
وقصة حامد، لا أقول: إنها توضِّح ما أريد، ولكنْ فسِّرْها إنْ كنتَ تستطيع، لقد جئتُ هذه البلاد عدُوًّا، ولن أخْدَعَ نفسي وأقول — مثلما يقولون كلهم هنا — إنني جئتُ لأحرِّر المصريين من المماليك، جئتُ عدوًّا يا صديقي، جئْنا كلُّنا عدوًّا قويًّا مسلَّحًا بأحدث ما وصلتْ إليه أوروبا من مخترعات وآلات دمار، جئْنا غُزاةً قادِرين، فإذا بنا اليوم في وَرْطة، وإذا بمشكلتنا هي كيف ننتزع أرجلَنا لننجوَ بأنفُسِنا مِن طمْي هذا البلد وأناسِه الذي نحسُّ بأنفسنا نغوص فيهم ونختفي.
وكانتِ العلامات المميِّزة لحامد معروفة بالوشْم على وجنتيه وإصبعه البنصر المبتور، فانظر ماذا حدث!…
وفى جزء أخر من نفس الخطاب “عرف كليبر عن طريق العيون الكثيرة التي يستخدمها أنَّ كلَّ قرية في الدلتا قد أعدَّتْ لحامد بيتًا وزوجة! وكانت الأنباء تجيء أنَّ حامد سيكون في قرية كذا في يوم كذا وتهاجِم القوة الفرنسية القرية وتحاصِرها حِصارًا لا تفرُّ منه إبرة، ومع هذا تجِدُ حامد ينزلق من بيت إلى بيت حتى يصل إلى حافة القرية ويبتلعه حقل ذرة قريب، وكان كلُّ مَن يُعثَر عليه وعلى وجنتيه وشم العصفورتين أو بنصره مقطوع يُقبَض عليه فورًا، ولكنْ لُوحِظ أنَّ عدد المقبوض عليهم يزداد بكثرة شديدة، وبعد البحث اتَّضَح أنَّ الفلاحين — لكي يُخْفُوا حامد بعلاماته المميزة، رأَوْا أن يَرْسُم أكبرُ عددٍ منهم وشمَ العصافير على وجناته ويقوم ببَتْر بنصَرِه الأيسر، حتى لا يصبح ممكنًا أن تميِّزَ حامد مِن بينهم، وبعد أن كان وشْم العصافير على الوجنات علاجًا لتقوية البصر، أصبح عادة شعبية، وبتر الإصبع البنصر أصبح مجال تنافُس بين رجال القرى وشبَّانها ومرتبة من مراتب الشجاعة والبطولة، وكان لابد أن يحدث ما حدث يا صديقي، فشيئًا شيئًا بدأتْ عصابات صغيرة تتكوَّن من مبتوري البناصِر وواشِمي العصافير، وتُهاجِم وتقطع الطريق على قوَّاتنا، وتغتال أفرادَها، وكان أفراد هذه العصابات يسمُّون أنفسَهم أولاد حامد، وأطلَقُوا على حامد اسم حامد الأكبر، ثم سمَّوْه حامد السلطان (والسلطان هنا علامة للتبجيل الشديد)، وبدأ اسم حامد يُزْعِج كليبر بشكل رهيب كلَّما مرَّتْ قوَّاتنا في قرية صرخ وراءَها الأطفال: «حامد حامد!» وكان المؤذِّنون الذين يستدعون الناس للصلاة في المساجد (أناس يُقابِلون أجراس الكنائس عندنا، ولكنْ بدلًا من أن تُدَقَّ يؤذِّن الشيخ) كانوا يقولون في آخِر الأذان: «انصرني يا رب على أعدائي فإني لك حامد»، وكانتْ قوَّاتُنا حين تُمْسِكهم يقولون: إنَّنا فقط نردِّد كلام الله وكلام القرآن، وأصبحتْ عملية القبض على حامد مستحيلةً”.
“إرادة المصريين”
في تصريحات صحفية قال المخرج خالد يوسف عن سره الباتع، فكرتها جذبتني لأن الراوية لها عنوان شدني وهو عندما تتجمع إرادات المصريين فإن أجسدهم تفرز إكسيرًا سحريًا قادرًا على صنع المعجزات فالراوية هي تجمع لإرادة المصريين من أجل تحقيق معجزة وأنا شاهدتها في 25 يناير، وشاهدتها مرة أخرى بعيني في 30 يونيو فأحسست بأن هذه الرواية هي تجسيد للمصرين وأحببت تقديمها من هنا في الفترات المهمة التي عاشتها لمصر وأن المصريين قادرين على فعل أي شيء ولكن في حالة تجمع إرداتهم، غير أن الراوية سحرية وسحرتني وتتوقف إمامها كثيرًا، وهي التي جعلتني اقوم بشرائها 3 مرات خلال الـ14 عام».
“انتقادات وجهت للمسلسل”
قال “طارق الشناوي” الناقد الفني ، أن قوة مواقع التواصل الاجتماعي باتت تجبر صناع العمل الفني على التدقيق الشديد، وفي كل الأعمال الدرامية نجد بعض الأخطاء والتفاصيل التي قد تغيب عن القائمين عليها، حتى العالمية منها، أصبح على صاحب العمل الفني الحرص على أن تكون هناك “عيون متعددة” تراجع وتدقق العمل، وليست عين المخرج فقط، لأنه عندما تتم ملاحظة الكثير من هذه الأخطاء والتفاصيل فإنها توجد مسافة بين الجمهور وبين العمل الفني، وهذا ليس في صالح العمل، ففي الوقت الحالي أمام قوة مواقع التواصل الاجتماعي أصبح كل فرد لديه القدرة على أخذ لقطة والتركيز عليها، فهناك أخطاء يصعب ملاحظتها في السياق العادي إلا بعد إيقاف الكادر، أو إعادة رؤية المشهد أكثر من مرة.
وأضاف الشناوي، مسلسل “سره الباتع” تأثر قطعا بشكل سلبي برواد التواصل الاجتماعي الذين يتابعون كل شيء بترصد، وأصبحت في أيديهم أسلحة لم تكن متوفرة قبل ذلك، فالجانب السلبي من مراقبة رواد مواقع التواصل الاجتماعي للأعمال الدرامية بهذا الشكل أكثر من الإيجابي، لأنه ملاحظة تفاصيل من هذا القبيل تعطي انطباعا للمشاهدين بغياب الدقة عن العمل الفني، ووجود أخطاء به، وهو ما قد يوجد مسافة بين الشاشة وبين المتلقي، خاصة العمل التاريخي الذي يتميز بأن الدقة جزء كبير من صناعته.
وأوضح الشناوي، في الاعمال التاريخية مثل “سره الباتع” يجب أن يكون الديكور والملابس ولغة الحوار تناسب الحدث الذي يقع منذ قرنين، فاللغة واللهجات والمفردات تتغير، وقد لجأ المخرج إلى اللهجة العامية المصرية، وهذا في حد ذاته لا يمثل مشكلة، لكن يجب على العامية أن تنطق بالزمن، ولا تكون عامية مطلقة، فليست العامية المصرية الحالية مثل العامية التي كانت تنطق في تسعينيات القرن الماضي على سبيل المثال، وإنما حدثت تغييرات في كلمات متعددة.
أشارالشناوى، عودة الدراما التاريخية للمارثون الرمضاني يعد أمرا مهما، ولكن يبدو أن هناك تفاصيل تاريخية غير متقنة، ولكنها أمور تم استنباطها من صناع العمل، وهي أفكار ورائها وجهة نظر مهمة.
وتابع الشناوي، إن سيناريو العمل به ملل وإعادة للمشاهد أكثر من مره لمليء مساحة ثلاثون حلقة، وربما كان هناك فرصة لهذا العمل في النجاح إذا تم في خمسة عشر حلقة فقط، وإذا كان تم التركيز على القصة التي كتبها يوسف إدريس بشكل أكبر لكان العمل خرج بصورة أفضل من التي خرج عليها، كما أن المعالجة الدرامية أضعفت القصة الأصلية ولم تضيف لها.
“ميزات كثيرة وعيوب أكثر”
وقال “وسيم عفيفي” الباحث في التاريخ، أن مسلسل سره الباتع لا يُصَنَّف على أنه عمل تاريخي، بقدر ما أنه عمل فني يستلهم من التاريخ، مشيرًا إلى أنه رغم ذلك فاحتكاكه بفترة الحملة الفرنسية يضعه تحت مجهر الباحثين.
وأوضح وسيم عفيفي، المسلسل كان له ميزات كثيرة وعيوب أكثر، ويتحمل المخرج خالد يوسف العيوب لكونه السيناريست للقصة التي كتبها يوسف إدريس في مجموعته القصصية حادثة شرف.
وتابع وسيم عفيفي، أول العيوب المتمثلة في المسلسل أن الخط الزمني التاريخي منعدم إلى حدٍ كبير منذ الحلقة الثانية، ثم زادت الفجوة الزمنية مع آخر 5 حلقات من المسلسل للفترة التي لها صلة بالحملة الفرنسية، والدليل على ذلك هناك أخطاء خالفت التاريخ فأثرت على حبكة المسلسل، ويظهر ذلك في الحلقة 3 من المسلسل بمشهد دخول نابليون لقرية شطانوف، فقد أشعرنا أن الحملة جاءت أولاً على الدلتا، في تجاهل تام لما جرى في الإسكندرية كوصف على الأقل وليس بالضروري تصوير ذلك إنتاجيًا، كذلك شخصية الضابط بوشار فهو شخصية حقيقية لكنه لم يكن مسلمًا ولم يتزوج مصرية، وكان الأفضل عدم الاعتماد على شخصية حقيقية.
وواصل وسيم عفيفي كلامه عن الخط الزمني، قدوم نابليون للدلتا وبقاءه فيها لمواجهة السلطان حامد في شطانوف غير منطقي، فنابليون بونابرت لم يزور الدلتا مطلقًا بعد المواجهات مع حسن طوبار بقي في القاهرة حتى يوم 10 فبراير 1799م ثم سافر إلى الشام ليكمل أعمال حملته وعاد للقاهرة في 12 يونيو سنة 1799م ليبقى فيها شهرين قبل أن يغادرها إلى فرنسا، رغم أن المسلسل أشار إلى زواج مينو من زبيدة، وبوشار من سعاد في مارس 1799م وحينها لم يكن نابليون في مصر.
واستكمل الباحث، «مشكلة مسلسل سره الباتع الحقيقية أن خالد يوسف هو من يتكلم، وليس الشخصيات، ولذا ظهرت مشاهد في غاية الركاكة، مثل الإشارات التاريخية للعلاقة بين مصر والدول التي دخلتها، كذلك إظهار مشهد السفرة وغيرها من الأمور.
وشدد عفيفي، أن من أهم مزايا المسلسل أنه جعل الناس تهتم بتاريخ مصر في فترة الحملة الفرنسية، قائلاً «طالما العمل يحترم عقل المشاهد، فتبقى إيجابيته أنه جعل الناس تقرأ، وخطأ المخرج خالد يوسف هو الاستعلاء على منتقديه، وهذا ما أفقد الاهتمام النسبي للمسلسل».
واختتم وسيم عفيفي تصريحه قائلاً، «تجارب الأعمال الدرامية التاريخية التي تنتجها الشركة المتحدة، هي تجارب مبشرة ونأمل تكرارها، فطالما أن المسلسل ليس هزيلاً فهو قابل للنقد، بشرط أن يكون موضوعيًا».