في إطار الاحتفالات بعيد القيامة المجيد الذي ينطلق من الأراضي المقدسة بشكل مميز لخروج النور من كنيسة القيامة، وقد ذكرالمؤرخ العربي المقريزي، أن النور يظهر في قبر السيد المسيح في القدس ليلة العيد ويضئ منه الناس الشموع.
ويؤكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، أن انطلاق رحلات الحج المسيحي إلى هذه البقعة الطاهرة بالقدس مباشرة أو عبر دير سانت كاترين بسيناء منذ القرن الرابع الميلادي.
وقد عرف مسيحيو القرن الثالث الميلادي الكهف الذي ولد فيه السيد المسيح عليه السلام في بيت لحم معرفة جيدة، وبدأ ارتحالهم إلى هناك وإلى جبل الزيتون، وكان الهدف من زيارة هذه البقاع المقدسة هو الصلاة واكتساب الفضائل الروحية إلا أن التطور البارز في فكرة الحج إلى القدس حدث في عهد الإمبراطور قسطنطين أول الأباطرة المسيحيين (323 – 337م)، الذي أوقف الاضطهاد الذي لحق بالمسيحية وقامت أمه الإمبراطورة هيلانة بزيارة القدس من أجل الكشف عن رفات السيد المسيح والحصول على كافة متعلقاته، ويقال أنها عثرت على خشبة الصلب ودعّم قسطنطين اكتشافها ببناء كنيسة القبر المقدس، ثم جاءت إلى سيناء وبنت كنيسة في حضن شجرة العليقة الملتهبة وبرج يحتمى به الرهبان ومنذ ذلك الحين صارت الرحلة المقدسة إلى تلك البقاع تقليدًا قائمًا لدى المسيحيين.
وقد أدخل الإمبراطور جستنيان كنيسة العليقة الملتهبة داخل أسوار دير طور سيناء الذي أنشأه في القرن السادس الميلادي وتحول اسمه إلى دير سانت كاترين في القرن التاسع الميلادي بعد العثور على رفات سانت كاترين على أحد جبال سيناء الذى حمل اسمها، وكل من يدخل كنيسة العليقة الملتهبة حتى الآن يخلع نعليه تأسيًا بنبي الله موسى.
وأشار الدكتور ريحان، إلى أن أغلب المسيحيين الذين يذهبون إلى القدس كانوا يضعون مصر وسيناء في برنامجهم وقد وصلتنا كتابات عديدة للمرتحلين المسيحيين إلى القدس عبر العصور فبين أعوام (381 – 384م)، حيث جاءت الراهبة إجيريا أو إثيري (كما ذكرت بعض المراجع ) قادمة من أوروبا إلى منطقة الجبل المقدس بسيناء عازمة على اتخاذ نفس الطريق الذي سلكه بنو إسرائيل في رحلة الخروج من مصر إلى فلسطين عبر سيناء وتطلق إثيري تسمية سيناء على مجموعة من الجبال من بينها جبل الشريعة أو جبل سيناء وهو جبل موسى الحالي 2242م فوق مستوى سطح البحر.
ووصفت صعودها إلى جبل موسى، فقالت أنها وجدت على قمته كنيسة صغيرة، حيث أقيم قداس تلاه توزيع خيرات الله على شكل فواكه من إنتاج منطقة الجبل المقدس وشاهدت هناك كنيسة ومغارة سكن فيها النبي إيليا، ويستدل من كتابات إثيري على أن هذه الرحلة كانت شاقة وكثيرة التكاليف لا يقدم عليها إلا الشخصيات الكبيرة ذو النفوذ الواسع والمال الوفير.
وجاء بوستوميان وهو من أهالي ناريون بجنوب فرنسا إلى مصر عام 400م بعد أن عبر البحر المتوسط في أربعين يومًا إلى الإسكندرية، ثم توجه إلى القدس عن طريق سيناء، وكان معه عدة مرافقين ووصف لنا رحلته.
وجاء القديس أنطونين من إيطاليا إلى الجبل المقدس وذكر أن عددًا هائلًا من النساك جاءوا لمقابلته ينشدون التراتيل وأنه كان لكل دير ثلاثة رؤساء أحدهم يجيد اللاتينية والثاني الإغريقية والثالث القبطية
وينوه الدكتور ريحان إلى وجود طريقان مشهوران للحج عبر سيناء، طريق شرقى وطريق غربي، أمّا الطريق الشرقي فهو للمسيحيين القادمين من القدس إلى جبل سيناء ويبدأ من القدس إلى أيلة (العقبة حاليًا) إلى النقب، ثم وادي الحسى إلى وادي وتير الذي تتوفر فيه المياه من بئر الحسى وبئر صويرا ويجاور وادي وتير أيضًا عين فرتاقة وبها جدول صغير يفيض بالماء طوال العام، ثم يسير الطريق في وادي غزالة إلى عين حضرة، ثم وادي حجاج وبه تلال من حجر رملي بها نقوش نبطية ويونانية وأرمينية ثم يسير إلى سفح جبل جونة إلى وادي مارة ثم يدخل سفح جبل سيناء وطول هذا الطريق حوالى 200كم من أيلة إلى الجبل المقدس الذي أطلق عليه عدة أسماء منها جبل موسى وجبل سيناء وجبل المناجاة.
وجاءت شهرة وادي حجاج قرب سانت كاترين كونه يتضمن نقوشًا صخرية أرمينية عددها 55 نقش تاريخها ما بين القرن (الأول إلى الرابع الهجري/ السابع إلى العاشر الميلادى) منها نقش لأحد المسيحيين يقول (أنا ذاهب حول موسى) يعنى جبل موسى وآخر يقول (أنا رأيت القدس) وأن وجود مثل هذا العدد من النقوش الأرمينية في الطريق الشرقي بسيناء وعدم وجودها في الطريق الغربي يدل على كم المسيحيين الأرمن القادمين إلى جبل سيناء من القدس.
و الطريق الغربي يبدأ من القدس عبر شمال سيناء وشرق خليج السويس إلى جبل سيناء ويبدأ من القدس، عسقلان، غزة، رافيا (رفح)، رينوكورورا (العريش) أوستراسيني (الفلوسيات) ،كاسيوم (القلس)، بيلوزيوم (الفرما)، سرابيوم (الإسماعيلية)، القلزم (السويس)، عيون موسى، وادي غرندل، وادي المغارة، وادي المكتّب، وادي فيران إلى جبل سيناء وطول هذا الطريق من القدس إلى القلزم 400كم ، ومن القلزم حتى جبل سيناء 300كم فيكون الطريق من القدس إلى جبل سيناء 700كم .
وتابع الدكتور ريحان، أن ميناء الطور منذ العصر المملوكي (القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادي) لعب دورًا حيويًا في خدمة الحجاج المسيحيين، وكانت السفن تبحر من موانئ إيطاليا، جنوة أو البندقية (فينيسيا الآن) إلى الإسكندرية ثم تتوجه بالنيل إلى القاهرة وبعد أن يحصلوا على عهد الأمان أو الفرمان من سلطان المماليك يقيم المسيحيون فترة في استراحة للحجاج بالقاهرة، حيث يتم إعطاء أطعمة للفقراء المتوجهين إلى سانت كاترين.
ويعود المسيحيون إلى أوروبا عن طريق الإسكندرية على سفن البندقية التي تنتظر التجارة المصدرة إلى الإسكندرية من الشرق، ونظرًا لوقوع دير الوادى بطور سيناء في موقع وسط بين دير سانت كاترين ومصر العليا وفلسطين فكان يقيم المسيحيون به لزيارة الأماكن المقدسة بالطور تم يأخذوا طريقهم إلى جبل سيناء ثم إلى فلسطين و يحوي الدير 96حجرة على طابقين بعضها قلايا للرهبان والأخرى حجرات لاستضافة المسيحيين الوافدين للدير.
وكان المسيحيون القادمون من أوروبا يقيمون لعدة أيام بدير أبو مينا (مارمينا) بمريوط غرب الإسكندرية وكان به عدة حجرات كانت تستخدم مكاتب خاصة لشئونهم مما يدل على كم المسيحيون القادمون من أوروبا إلى سيناء وكان الحاج يجهز نفسه روحانيًا ويرتدى ثوب الحج ويضع الصليب الأحمر على الثوب ورداء الرأس ويأخذ نقود كافية ثم يتجه إلى البندقية أو جنوة أو مارسيليا ويأخذ الحاج طريقه بسهولة
أمّا الراغبين في الحج إلى جبل سيناء ودير سانت كاترين فلهم الحق في الإعفاء من الرسوم وهي 23 دوقة ويجهز الحجاج بالجمال إلى سيناء، وللحجاج سواءً كانوا من الشرق أو الغرب الحرية في قراءة القداس طبقًا لطقوسهم الخاصة في كنيسة لاتينية خاصة قرب سكن الضيوف بدير سانت كاترين.
ويصعد الحجاج إلى جبل موسى الذي تبلغ عدد درجاته حوالي ثلاثة آلاف درجة، حيث يعبر الحجاج بوابتين من الصخر، الأولى يجلس فيها القديس اسطفانوس ليستمع لاعترافات الحجاج ويتسلم شهادات اعترافهم قبل أن يسمح لهم بالصعود إلى البوابة الثانية حتى يصلوا إلى قمة جبل موسى، وعليه كما يعتقد الكهف الذي اختفى فيه نبي الله موسى عليه السلام.
ولقد بنى اللاتينين هناك كنيسة تسمى كنيسة موسى خصصت لكبير الملائكة ميخائيل، ثم يهبط الحجاج إلى دير سانت كاترين و يأخذوا طريقهم للعليقة الملتهبة عن طريق الجناح المخصص لذلك وهو الجناح الشمالى بالكنيسة الرئيسية ، وبعد زيارة العليقة الملتهبة يستكمل الحاج الزيارة إلى كنيسة التجلي الكنيسة الرئيسية بالدير.